تجد صناعة السيارات المغربية، القائمة أساسا على التصدير، نفسها في مواجهة تحديات جديدة، ناجمة عن الثورات الرقمية والبيئية، مما يجعلها إزاء ضرورة العمل على الاستفادة القصوى من حركات إعادة الهيكلة عبر العالم واتخاذ أفضل تموقع استراتيجي لها. وتواصل صناعة السيارات مراكمة النجاحات، لا سيما على مستوى الإنتاج والتصدير، بالرغم من الظرفية الحساسة التي تتسم بنقص بعض المدخلات، نتيجة الاضطرابات في سلاسل الإنتاج العالمية على وجه الخصوص. الأرقام الأخيرة لمكتب الصرف تسلط الضوء على ذلك بشكل واضح، بما أن مبيعات قطاع السيارات تجاوزت 66,7 مليار درهم عند متم غشت من هذه السنة، أي بارتفاع ملحوظ قدره 29,3 في المائة. وقد بلغت هذه الصادرات مستواها الأعلى خلال الفترة ذاتها طيلة السنوات الخمس الماضية. وقد هم هذا الارتفاع مبيعات فئة التصنيع (زائد 47,3 في المائة) وفئة الأسلاك (زائد 16,7 في المائة). وفي المقابل، سجلت صادرات فئة داخل السيارات والمقاعد انخفاضا نسبته 2,5 في المائة. وعلق هشام السبتي، أستاذ علوم التدبير ومدير مدرسة "Euromed business School"، قائلا إن "هيكلة النظام الصناعي الوطني للسيارات على شكل منظومات مكثفة، إلى جانب التدابير المتخذة في أوج الأزمة الصحية وآليات مخطط الإنعاش الصناعي 2021-2023، مكنت من هذا الصمود وسمحت للمغرب بأن يظل متفائلا من خلال الحفاظ على أهداف نمو الصادرات وتحقيق معدل اندماج قطاعي بنسبة 80 في المائة". وأضاف السبتي أنه من المحتمل أن تكون مسألة الندرة مشكلة ظرفية يمكن تعديلها من خلال الإجراءات التي تتخذها البنوك المركزية لإبطاء الآلات الاقتصادية وزيادة القدرات الإنتاجية الجديدة للمواد الأولية والمنتجات المصنعة على المستوى العالمي، مبرزا أن المسألة الحقيقية بالنسبة لصناعة السيارات المغربية هي الخيارات على مستوى التموقع الاستراتيجي ضمن صناعة النقل الجديدة. وفي ما يتعلق برهانات المغرب ضمن عمليات إعادة التوطين هذه التي يجريها عمالقة صناعة السيارات العالميون، أشار الخبير إلى أن عددا كبيرا من الشركات متعددة الجنسيات الموجودة في المنطقة اعتمدت سلوك "الهروب إلى بر الأمان"، عبر نقل أنشطتها من منطقة النزاع إلى مناطق أكثر استقرارا سياسيا، مثل المغرب. وأكد أنه "يتعين على المغرب في هذا السياق المعقد وغير الثابت أن يتحرك من أجل الاستفادة من حركات إعادة هيكلة سلاسل القيمة. وفي حال سيناريو إعادة توطين إقليمي، حيث تعيد الشركات تنظيم أنظمة الإنتاج الخاصة بها وأنظمة شركائها من الموردين حول سلاسل القيمة المخصصة للأسواق الجغرافية الإقليمية، سيكون المغرب قادرا على التموقع كفاعل رئيسي في منطقة أورو-متوسطية وإفريقية، وذلك بشرطين". أولا، توقعات الجاذبية من حيث المؤسسات والموارد البشرية والمادية والطاقة. وثانيا، عبر بناء منظومات قادرة على الصمود وقائمة على "الوفرة" (الوصول إلى قدرة تصنيعية إضافية في ظل مخاطر الطاقة الزائدة)، و"التنوع" (الوصول إلى مصادر متعددة للتموين) و (القدرة على إعادة تشكيل نظام وإعادة تجميع الموارد) لأنظمة الإنتاج. واعتبر أن المغرب يتمتع بمؤهلات تنافسية تتيح له التطلع إلى تموقع استراتيجي، ولاسيما في إطار السياسية الأوروبية الجديدة للجوار. مشيرا في هذا الصدد إلى جملة من المبررات التي يمكن للمغرب تقديمها مثل السلم والاستقرار، والجهود في مجال الانتقال الأخضر وتدابير إرساء نمو شامل بالإضافة إلى مختلف المبادرات في مجال التحول الرقمي. وبخصوص هذه التحولات البيئية أو الرقمية التي يمكن للمغرب الاستفادة منها، أوضح السيد السبتي أن التطور الأول هو النمو المرتقب لسوق السيارات الكهربائية، والذي يجعل موضوع البطارية في صلب النظام الصناعي للسيارات. وفي هذا الصدد، تطرق إلى التقرير الحديث الصادر عن برنامج الاقتصاد والطاقة التابع لمعهد الشرق الأوسط، والذي يفيد بأنه يمكن للمغرب أن يتموقع كفاعل رئيسي في النقل الأخضر، معددا في هذا السياق المزايا التنافسية، على غرار وجود منظومة صناعية مهيكلة حول شركات عالمية مصنعة كبرى، وملتزمة بالتحول البيئي وإنتاج السيارات الكهربائية، بالإضافة إلى احتياطيات المعادن الضرورية لإنتاج البطاريات، مثل الكوبالت الذي يتوفر عليه المغرب. وفي المقابل اعتبر المتحدث أنه سيكون من غير المناسب للمغرب أن يدير ظهره لإنتاج العربات ذات المحركات الحرارية. لأنه إذا كانت أوروبا قد وضعت بالفعل حدا لبيع المحركات الحرارية، فإن هذه السوق تحتفظ بمؤهلات قوية، بالنسبة لتجهيز الأسواق الناشئة، ولاسيما في إفريقيا. وقال إن "الرهان بالنسبة للمغرب هو جعل المنظومتين تتعايشان". ومن أجل رفع تحدي التحول الرقمي للنقل، اعتبر السبتي، أن التقارب بين الصناعة والبحث وتطوير آليات المواكبة والتمويل للشركات الناشئة المبتكرة بات يكتسي أهمية أكثر من أي وقت مضى.