إن الدين ليس اعتقادا شخصيا، كما يظن البعض ، بل هو منهج حياة متكامل وضعه لنا ربنا جلت قدرته كقمر منير نستضيء به في شؤون الحياة المظلمة ، فكل المجالات الحياتية تحتاج إلى الهداية الربانية سواء تعلقت بالسياسة أو الاقتصاد أو العلاقات الاجتماعية ..الخ، و من يعتقد أنه ينبغي حصر الدين في الذوات و جعله حبيس الممارسات الفردية التعبدية فهو مخطئ و لم يستوعب المنهج الرباني الذي يمكن استخلاصه من نصوص القرآن الكريم و كذا الأحاديث النبوية الشريفة . و سأورد هنا مثالين من الأدلة الشرعية - على سبيل المثال لا الحصر - ، ففي باب السياسة و تسيير شؤون العباد ، يقول ربنا سبحانه و تعالى في سورة المائدة : « وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون . أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون». و من أمثلة الأحاديث النبوية الشريفة التي تهم شؤون الحياة ما يلي :" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أربعة يبغضهم الله: البياع الحلاف، والفقير المختال، والشيخ الزاني، والإمام الجائر". رواه النسائي و في نفس السياق، إن كان الدين منهجا متكاملا للحياة فلا ينبغي بأي حال من الأحوال استعماله قصد تحقيق الأغراض السياسية ، فالدين يصلح السياسة و ليسا عملا سياسيا . و قد بزرت في الآونة الأخيرة ظاهرة مشينة تتعلق باستغلال الدين قصد الترويج لفكرة سياسية معينة و ذلك في محاولة بئيسة ترمي إلى حشد الناس نحو رأي معين . و من أمثلة هذا الاستغلال المنبوذ ، ما قامت به وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية المغربية، حيث دعت المصلين إلى التصويت على دستور 2011 بنعم في المساجد و في خطبة الجمعة ، و قد تكرر هذا المشهد في مصر الشقيقة ، في شهر دجنبر من سنة 2012 ، حيث دعا بعض الخطباء الشعب المصري إلى التصويت على الدستور بنعم. و كان من الأحرى على هؤلاء الذين يستغلون المنابر أن يتركوا فرصة الاختيار إلى الشعب على اعتبار أن الدستور كيفما كانت قوته يبقى منتجا بشريا يحمل مزايا كما قد تخلله بعض العيوب. إذن يمكن القول في خاتمة هذا الموضوع إن الدين نور يهدي الله به المؤمنين في شتى مناحي الحياة و ليس مجرد اعتقاد شخصي أو تأمل روحي ، لكن اعتبار السياسة من الدين ليس معناه أن نجعله جسرا نعبر به إلى أهدافنا السياسية .