في البدء أبعث لكم تحياتي ،وقبل ذلك اعتذاري، لأنكم تقرؤون ما أكتب بصبر ،وأقتحم عليكم خلوتكم بحروف متعبة وأحيانا بكلمات تسقط سهوا من ناشر دفعته عجلة السرعة للطبع دون إعادة القراءة والتصحيح. أضع بين يديكم كتابة تجمع الفقرات بين فكرة وأخرى لتعبر عن واقع من زاوية قد تكون معروفة لكنها لا تدون ، أكتب لكم ولا أريد منكم مقابلا في أي شكل من الأشكال، سوى ايماءة تشير الى صدق ما قيل عبر كتابة ترحل بكم من مكان الى آخر أو صرخة في وجه الكلمة الكاذبة لتتكسر ولن تعود لها الحياة عبر صفحات الزمن الذي أفرز مثل هؤلاء الكتبة الذين يشترون الحلوى ليلة رأس السنة ويصلبون اليتامى عبر قرارات سياسية ولا يسمحون بدخول القطط لتنعم بالدفء داخل قصر شيد على عظام ضحايا من كانوا يصرخون في الشوارع من أجل رغيف فكانوا "شهداء كوميرة " كما لو أن الموت من أجل الخبز مذلة واحتقار ؟ ألم يكن الخبز قبل الكلمة أحيانا؟ الكلمة يمكنها أن تنتظر حتى تشبع الذات وترتوي أما الجوع فلا انتظار له . فلو كتبت كل حروف الدنيا فلن أعبر عن لحظة تتمزق فيها الأمعاء وتتكلم المعدة ، فالرأس الخالي من الكلمات يصنع الكلمات لما يسير الدم في العروق مغذيا ومهما تم الانتقال وبدون استئذان من مقال أو نص الى آخر حتى لا يضيع وقتكم في قراءة لسطور صاحبها يمكن أن يكون صففها وهو في مكان يرتفع عنه الوعي ليصير في سحاب الخيال والهلوسة ولم أقولها بوضوح تام ، أنه في" خبطة " من سكر يمده بالكلمات التي لم تكن تسعفه وهو في كامل وعيه ، وكانت لحظة الانتشاء لعبة في يده ليستل قلمه يجر به الحروف في ثمالة تسقط الذات في رذالة ذاتها وتطلب نسيان كل حركاتها حتى لا تشهد عنها نظرات الوافدين وهم في بداية الدخول لعالم السكر ببطء رغم أنهم على عجلة من زمن واقع ليغيبوا عن همومه وتبعاته التي تقطن في عروق الذات التي نخرها التعب وذلها زمن سياسي يقدم العصا حلا لكل المشاكل ويلبس رداء الفقيه ليرحل بهم لعالم بلا شهود لأنه ليس من دنيانا ، وبلا وقت ثابت سوى علامات هنا وأخرى هناك تبقي علينا في جو من التلهية كتابعين تصلبت شرايينهم وتكلس فكرهم بين عقائد اكتسبوها من منابع لم تعد لها من مصدر سوى لآثار كتابة من بقايا تاريخ كتبته يد مرتجفة ما عادت تسيطر على تفاصيل الأمور لإجراء عمليات دقيقة ومجهرية لجسم منخور من الداخل،لجسم كأنه ملئ بالتبن زمن الجفاف فصار يلتهم كل قصاصات الأنباء عن فردوس سينبت بجوار قريته النائية فيها كل الرغبات دانية وكل المطالب ملبية لا حاجة للاحتجاج أمام البناية المعلومة ولا حاجة لربيع قبل الربيع لنرى الزهور تفوح وتحتل أنوف المصابين بعمى القلوب. . أكتب لكم أيها القراء وأطلب مرة أخرى العذر على ما لم أستطع البوح به ضمن زحام القضايا التي تحمله البلاد ، فالكاتب ليس نبيا ولا شيء غير فرد يكتب بالحرف عن يتم حاله، عله يلقى قرينا له بين القراء ليستمر في الوجود ويبني معه جسرا من حروف كي توصله لنسج حقيقة تفضح جبروت الوقت وقسوة الزمن الرديء الذي حول الإنسان الى فريسة له، يلعب به لعبة سياسية لا تنتظم لها القواعد ولا تثبت لها الأسس لأنها سطرت في غفلة منه ومن أجل ذلك علقوا رأسه في بوابات المدن عربونا على قوة السلطة وجبروتها ، فالدولة تلك الآلة التي تطحن الجماجم إن هي لم تلجمها الأسس الفكرية والمبادئ الإنسانية التي ساهم فيها كل العباقرة والمفكرين . . عزيزي القارئ لا تنتظر مني أن اقول ما لا تعرفه بل كل الكلمات تعترض طريقك يوميا في محطات الأتوبيس وفي دروب المدن العتيقة حيث تراها تنتقل بثقل للبحث عن ورقة إدارية أتعبت كل العائلة والجيران ولم تصل بعد لأن الموظف أراد زيادة في دخله على حساب قوت ابنائك الذين يذهبون للمدرسة عنوة من زمن الفقر الذي التصق بذاكرة العديد من أبناء هذا الوطن وأصبح فردا من العائلة يستوقفنا يوميا لتغذيته من سوء التغذية التي نقتات عليها ويمد ذراعيه لمعانقتنا ونحن لا نريد رؤيته بتاتا . تتبعنا كالظل صور البؤس في كل الطرقات تمد أيادي وتنشر عاهاتها ، وترسم لوحات لم ترسمها ريشة فنان . فهذه صبية في عنفوان طفولتها تلتصق بزجاج السيارات لتعرض منديلا ورقيا للبيع في مكان لا بيع فيه ولا شراء ، ويرمقها الذي وراء المقود بنظرة تقول كلمات وكلمات ولكن ليست حلا لطفولة ضاعت بين الطرقات. وتلك التي تتزوق في نشوة كما لو كانت في موعد مع الحب تلبس مفاتنها وتحملها عبر المقاهي لتشرب عصيرا عله يعصف عن قلبها كل المشاكل التي لن تستطيع بمفاتن جسدها أن تنأى عنها بعيدا لأنها كالجراد تتناسل في زمن القحط . وهذا الطفل الذي قالها بتعبير لا يستطيع كاتب أن يعبر بأسلوبه ، كيف له أن يعيش ويخلف أبناءه ويكون له بيت يحتمي به من البرد والحرارة عوض أن يظل في الشوارع بين النوم على الكارتون الذي يتقاسمه مع الآخرين ، ألا يكون قد سمعه المسؤول عن البوليس الذي يجب أن يرى ويسمع كل فرد من هذا الوطن ؟ أم أن أصحاب السياسة في بلدنا مشغولون بالمهم في أجندتهم اليومية والتي على أية حال ليست أحوالنا . . إن الكتابة صديقي القارئ تحفر في قلبي حفرا كالقبور لتدفن فيها كل متاعب وطن تحالفت عليه بعض الأحزاب الملونة بأحمر شفاه بائعة الهوى التي لم تجد في آخر الليل سوى سكارى لم تستهويهم مشيتها المتمايلة ولا طقطقة كعبها الذي يخترق صمت ليل نامت على هدوئه الصبية من عياء شغب الحارة وندرة الخبز وقلة الفراش في قر شتاء ديسمبر. عادة ما أكتب لك عن سياسة البلد المنفي عبر دروب حياة تباع فيها الأوهام وتزرع الأشواك ولكنني لم أكن مع ذلك أرسم لك الحياة بلون قزحي واستورد الكلمات من مصادر أجنبية حتى تقتنع من قوة حجتي لأنك استلبت من كثرة تذوقك لبضائع جاءت من الخارج لتستوطن كالفطر بين طرقات تشهد للعاطلين والمتسولين بالوجود ، وقيل في باب الترويح عن النفس المخنوقة أنها سلمت لهم شواهد تفوق ما حصلوا عليها من جامعات تصنع المعطلين لتقذف بهم في شوارع الرباط ويتجمعون كالطيور المهاجرة داخل وطن لا يسمح بالطيران. . أكتب لحظة بلحظة عن حالي وحالك، أنت تقرأ وأنا أكتب ونصنع جسرا من الأفكار التي تصنع لنا مشاريع رؤيا من خلالها نتواصل لبناء بلد نحلم فيه بالحرية ونترك الأطفال فيه في أمان بين حدائق وجنان، تحرسهم تربية وتعليم وعناية صحية وسقف لا يقطر لما تهطل الأمطار ، ونافذة تدخل منها أشعة الشمس كي لا يصابوا بهشاشة العظام ولا يصعب عليهم التنفس وتضيق القصبات الهوائية،ولا يصابوا بمرض السحايا ولا بمرض السل الذي صار يجول في شوارع العاصمة. . أكتب لك عزيزي القارئ لنحلم بواقع نرسمه سويا بأيدينا ونحميه بأسناننا حين نفتقد السلاح ونزرعه بدمنا لما تحبس المياه. هذا قلمي والحبر دمي إن جف الحبر ، وهذه كل أفكاري عارية لا تلبس لونا لتستقطبك ولا تعزف لحنا تلهيك لتغفو وتسرق كل زاد الرحلة الطويلة لتعود خطوات للوراء للبحث عن بداية التأريخ، أريدك صاحيا ويقظا عيناك لا تحيد عن أيادي خفيفة في الظلام والزحام تخطف رزقك وتتهم عسر الزمن وتتحجج بأزمة هم صانعوها . أريدك فكرا وقلبا مع الوطن تحمله ويحملك بين الثنايا وتراه في عينيك أجمل الأوطان لما تسير معه في تناغم وانسجام نحو بناء دموقراطية ترى وتسمع وتفهم ما تريد لأن الشمس لا تحجب بالغربال ، ولا الفقر تمحوه خطابات الساسة ولا الجهل راحل بمحو الأمية ، فلا بد من ثورة تغير العقليات وتحطم الجدار الذي يفصلنا عن بوابة الحرية لنشرب من عين مائها الزلال.