عل من السمات البارزة للمدنية الحقيقية، الساهرة على تنمية وبناء السلوك البشري، على أسس المواطنة الحقة، في اتجاه خلق أرضية صلبة لمنظومة القيم، وضمان احترامها، هي ضرورة توفر معالم تنمية مادية بشرية، بالاعتماد على المؤهلات المتوفرة وحسن استثمارها. لعل من شروط التنمية الحقيقية هي التأسيس لفكر المشاريع، باعتباره الركيزة الأساس التي تفرض نفسها بإلحاح شديد، في إطار تحريك عجلة النمو نحو الأمام، وتفادي تعطيل وعرقلة المشاريع يظل هدفا وغاية لكل الأطراف، ولكي تضمن المدينة سيرورة نموها الطبيعي، فإنه من الضروري ابتكار حلول ناجعة لتجاوز الصعاب، بتوفر مبدأ نكران الذات واستحضار الصالح العام أولا، حتى تتمكن من التأسيس لمرحلة القطيعة النهائية مع وضعية الركود. تصنف المشاريع المبرمجة مؤخرا بكل بقاع الإقليم، مبادرات وجب تشجيعها، ثم الإسهام في إنجاحها، فمن شأن هذا النوع من المشاريع، رفع التهميش، وتوفير الخدمات الأساسية للمواطن، فالفترة الراهنة في حاجة إلى انخراط كل الجماعات الترابية، إضافة إلى دعم وتتبع المؤسسات غير المنتخبة للمشاريع المتعثرة، قصد البحث عن الأسباب المباشرة للتعثر والإخفاق، فهي إما مادية وإما بشرية، فأما إن كانت أسباب عرقلة هذه المشاريع مادية، فهي تمس في العمق مصادر تمويل المشاريع ودفعاته، وهنا وجب تضافر الجهود وتفعيل الأدوار، أما إن كانت بشرية فقد ترتبط بصفة مباشرة بالجماعات الترابية المساهمة والمنخرطة، الأمر الذي يفرض تحديد المسؤوليات بدقة، من خلال تفعيل دور رقابة السلطة الإقليمية بتوجيه عمل المجالس ولفت انتباهها، إما إلى أسباب توقف هذه المشاريع، وإما إلى تعثرها. أكيد أن غياب التنافسية الحقة على المشاريع، إضافة إلى وجود مجالس منتخبة لا تراعي الصالح العام، ضمن أولوياتها، وسيادة عقلية صراع المواقع، وطغيان الأهواء، ومحاولة التمويه ونشر المغالطات، قد يجعل الإقليم يدفع السعر باهظا، فيقف على مسافة جد بعيدة من تأهيله، وأحيانا نجده يعود إلى الوراء بآلاف الأميال، فبدل أن تكون المعركة معركة مواقع، عليها أن تكون معركة مشاريع.
منذ فترة، عرف الإقليم مبادرات جد مهمة، استحضرت في مجملها الدافع التنموي، ركزت على محاور مهمة: جمالية المدينة، الفضاء الأخضر، تحرير الملك العام، إحداث مسالك طرقية جديدة، بهدف تخفيف الضغط، لكن بعض الجماعات الترابية كانت ترفض، في كل وقت، اللحاق بركب التنمية، ورفعت شعار العرقلة، لأسباب جد واهية، في الوقت الذي كان من الأجدر أن تحاول تجاوز العقليات القديمة التي ظهر ضررها أكثر من نفعها، لأن المرحلة الراهنة تفرض التحلي بروح المسؤولية، والاستجابة للخطب الملكية المتتالية، الداعية إلى تفعيل أدوار المؤسسات المنتخبة، وخدمة المواطن، على المجالس القادمة، بالضرورة، أخذ الدروس من الماضي البئيس، واعتماد روح الإصلاح سبيلا فريدا للتنافس، ومعيارا أساسيا لتقويم الإنجاز، وجعل الصراع، صراع مشاريع وأفكار، بدل صراع امتيازات ومواقع.