تحت شعار جميعا من أجل تمثيلية سياسية وازنة للنساء في المجالس الجهوية وأجهزة القرار. وفي إطار أنشطنها الهادفة إلى تشجيع مشاركة النساء في تدبير الشأن العام المحلي والجهوي نظمت جمعية الألفية الثالثة لتنمية الفعل الجمعوي بالجنوب الشرقي، بمدينة الرشيدية، يوما دراسيا حول موضوع (أي تمثيلية نسائية في ضوء مشروع الجهوية المتقدمة وروح الدستور الجديد؟) يوم السبت 21 من شهر دجنبر 2013 بالرشيدية. وكدأبها تُعد جمعية الألفية الثالثة لتنمية الفعل الجمعوي بالجنوب الشرقي بإعداد ملف المشارك يحوي من الوثائق، إلى جانب البرنامج، ما يؤطر موضوع المناسبة ويوجهه. ورد في أرضية اليوم الدراسي المذكور، المضمنة في ملف المشاركة المذكور أن الجهوية طرحَها موضوعٌ يستهدف إعادة الاعتناء بالفاعلين الجهويين، وتثمين مؤهلاتهم وكفاءاتهم، وفتح المجال أمامهم للاكتساب الجماعي للمعرفة الديموقراطية، في أفق تحقيق تنمية مستدامة ومندمجة، أو بتعبير تقرير اللجنة الاستشارية حول الجهوية الجهوية المتقدمة«بناء جهوية ديموقراطية الجوهر، خاصة ما يتعلق بتشجيع المشاركة النسائية (السياسية والمدنية) وفق مقاربة النوع...». وينص الدستور الجديد على مجموعة من المستجدات المعززة للتمثيلية السياسية للنساء جهويا، استُشهد في أرضية اللقاء بفصول ذات دلالة. فالفصل 19 منه يؤكد مرة أخرى، على المساواة عموما بين الرجل والمرأة في الحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية. وهناك الفصل 30 منه الذي أفصح أن «لكل مواطن ومواطنة الحق في التصويت، وفي الترشيح للانتخابات شرط بلوغ سن الرشد القانونية، والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية»، وهو فصل برز في الأرضية متبنيا خيار التمييز الإيجابي تجاه النساء، ملائما لاتفاقية مناهضة كل أشكال التمييز ضد النساء (سيداو). ذلك أن الفصل المذكور يركز على «أن القانون ينص على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية». وفوق ذلك، فتقرير اللجنة الاستشارية حول الجهوية المتقدمة سلف أن أفصح ضمن ما اقترحه على ضرورة «تعزيز الإجراءات الإدارية لصالح مشاركة النساء في تدبير الشؤون الجهوية والمحلية وذلك بواسطة مقتضى دستوري يسمح للمشرع بتشجيع ولوج وظائف الانتداب الانتخابي بالتساوي بين الرجال والنساء». وأما الفصل 31 من الدستور فهو التزام بسعي «الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير استفادة المواطنين والمواطنات، على قدم المساواة، من الحق في ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق»،وهو إجراء ذو فائدة على ولوج النساء الوظائف المتعلقة بالسلطة المحلية الجهوية. ولا تقف أهمية التمثيلية النسائية، حسب الأرضية، على مستوى المجالس الجهوية المنتخبة وهياكلها المسيرة، بل تتجاوز ذلك إلى مجلس المستشارين على أساس أن «ثلاثة أخماس أعضاء مجلس المستشارين يمثلون الجماعات الترابية يتوزعون بين جهات المملكة بالتناسب مع عدد سكانها، ومع مراعاة الإنصاف بين الجهات»، كما ينص على ذلك الفصل 63 من الدستور. وإذا كان الدستور الجديد، تضيف الأرضية، «يبين كيفية توزيع، أعضاء مجلس المستشارين الممثلين الجماعيين للجماعات الترابية، حيث (ينتخب المجلس الجهوي على مستوى كل جهة، من بين أعضائه، الثلث المخصص للجهة من هذا العدد. وينتخب الثلثان المتبقيان من قبل هيئة ناخبة، تتكون على مستوى الجهة، من أعضاء المجالس الجماعية ومجالس العمالات والأقاليم). وإذا كان يشير كذلك إلى أن قانونا تنظيميا سيبين (عدد أعضاء مجلس المستشارين، ونظام انتخابهم، وعدد الأعضاء الذين تنتخبهم كل هيئة ناخبة، وتوزيع المقاعد على الجهات، وشروط القابلية للانتخاب، وحالات التنافي، وقواعد الحد من الجمع بين الانتدابات ونظام المنازعات الانتخابية) فإنه مع الأسف يستثنى من دائرة ما سيحدده هذا القانون التنظيمي، مسألة التمثيلية السياسية للنساء ضمن الأعضاء المنتخبين، ونسبتها التي لا ينبغي أن تقل عن الثلث (في أفق المناصفة)، بحيث يتعين مراعاة مبدأ الإنصاف ليس بين الجهات فقط، وإنما بين الجنسين أيضا». ولا تنحصر المشاركة السياسية للنساء في الحياة الجهوية داخل المجالس المنتخبة، بحسب الدستور الجديد، بل يفسح وفقا لمنطوق الفصل 139 منه، المجال للمواطنات (إلى جانب المواطنين والجمعيات) للمساهمة في إعداد برامج التنمية وتتبعها، ولتقديم عرائض المطالبة بإدراج نقط حق إدراجه في اختصاصها ورسمها ضمن جداول أعمالها، وذلك انسجاما مع منطوق الفصل 13 الذي ينص على أن التنظيم الجهوي (يؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة). ويظل الرهان الكبير، تضيف الأرضية، على تحسين «تمثيلية النساء السياسية داخل المجالس الجهوية وفي الحياة الجهوية عموما، هو السعي إلى التأويل الديموقراطي للقانون التنظيمي المنصوص عليه في الفصل 146، والذي سيحدد بشكل خاص (شروط تدبير الجهات لشؤونها بكيفية ديموقراطية، وعدد أعضاء مجالسها، والقواعد المتعلقة بأهلية الترشيح، وحالات التنافي، وحالات منع الجمع بين الانتدابات، وكذا النظام الانتخابي، وأحكام تحسيس تمثيلية النساء داخل المجالس...». وفضلا عن تنزيل الدستور تنزيلا ديموقراطيا، «يتعين تفعيل المقترحات المتضمنة في تقرير اللجنة الاستشارية حول الجهوية المتقدمة، الهادفة عموما إلى بناء جهوية ديموقراطية الجوهر، خاصة ما يتعلق بتشجيع المشاركة النسائية وفق مقاربة النوع»، وذلك بالإدماج الممنهج، في المقام الأول، لمقاربة النوع في السياسات العمومية والإستراتيجيات على المستوى الجهوي، تصورا وتفعيلا ومتابعة وتقييما، وأخذ مقاربة النوع بعين العناية عند وضع الميزانيات على صعيد الجهة والعمالات والأقاليم، في المقام الثاني، تبعا للتجربة الجارية على الصعيد الوطني والجماعي. وفي المقام الثالث، إحداث لجنة استشارية لإنصاف النوع في كل مجلس جهوي يضم شخصيات كفأة من الجنسين، ويكون بوسع هذه اللجنة لدى المجلس أن تعالج من تلقاء نفسها كل مسألة تندرج ضمن اختصاصها بغية النهوض بثقافة المساواة بين الرجال والنساء. وأخيرا تشجيع الدولة للأحزاب السياسية والجمعيات، ودعم جهودها الهادفة إلى تعزيز مشاركة النساء في العمل السياسي ضمن هيكلة الجهوية، وفي العمل السياسي والمدني بشكل عام، وإلى تحفيزهن لتحمل المسؤوليات الانتخابية والتدبيرية. وتضمن ملف المشاركة كذلك مذكرة ترافعية، سمتها «من أجل مشاركة فعلية للنساء والشباب في تدبير الشأن المحلي»، انتظمت في ثلاث فقرات: المقدمة، والسياق الدولي، والسياق الوطني، والمداخل الأساسية لمشاركة الشباب والنساء. أشير في مقدمتها إلى تعريف جزئي للديموقراطية بما هي «الاعتراف بحق الأفراد، والجماعات في أن يكونوا صانعي تاريخهم ومبدعي ذواتهم وحياتهم الفردية والجماعية»، وبما هي سائدة اليوم، وتفرض نفسها بما هي الشكل الطبيعي للتنظيم السياسي ومظهر الحداثة. وتلا التعريف التعقيب بما هو سائد في واقع التجربة الديموقراطية بالمغرب، والذي يبرز في انخفاض مستوى المشاركة السياسية في صفوف الشباب والنساء، مما يعكس عزوفا عن المشاركة، ونفورا عنها، مما يكشف عن شعور يستحوذ على المواطنين يتمثل في تهميشهم وإقصائهم، ويوضح الأزمة العميقة التي تعاني منها الديموقراطية. واستُشهد في المقدمة، بيانا لعمق أزمة الديموقراطية، بكثرة أصوات الشباب والنساء، الأصوات المقاطعة منها، حيث تمثل نسبة مهمة من سكان المغرب تبلغ الثلثين. وبالتالي، وجب استحضار آليات انخراطها، وفتح آفاق مشاركتها، و«المساهمة في بناء مجتمعي يعكس كل الحاجيات والتصورات المجتمعية لبناء مجتمع الكرامة والحرية والتنمية المحلية». ومُيز في المقدمة بإيجاب «المبادرات المتخذة والمتعلقة بتحسين المشاركة السياسية للنساء باعتماد الكوطا، وخلق آليات لدعم تلك المشاركة، من ذلك صندوق دعم تمثيلية النساء، ومنه لجنة المساواة وتكافؤ الفرص». انحصر السياق الدولي في عد «حق المشاركة في تدبير الشأن العام لجميع الفئات من الحقوق الأساسية»، والتي كرستها المواثيق الدولية في المحطات: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والاتفاقية بشأن الحقوق السياسية للمرأة، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية مناهضة كل أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، وإعلان الحق في التنمية، وغيرها. وأما السياق الوطني فبارز في الدينامية السياسية والحقوقية والتنموية التي عرفها المغرب في السنوات الأخيرة والتي قاعدتها النساء والشباب المنتظمون في جمعيات، في الغالب، والتي شكلت فضاءات للتواصل والتنادي فوُلد حراك، تنوعت أشكاله حسب المناطق، ارتقى إلى ما يسمى الربيع الديموقراطي، أو الربيع العربي. ولم يغب المغرب عامة والمجتمع المدني بالجنوب الشرقي خاصة في هذا الحراك الاجتماعي. ولقد حُصّل ما فيه وأهمه «تعزيز مشاركة النساء والشباب على المستوى المحلي والوطني، في بناء الديموقراطية المحلية»، لكن الحصيلة بعيدة عن مستوى تطلعات النساء والشباب والحركة الجمعوية الديموقراطية. وأما المداخل الأساسية لمشاركة النساء والشباب فمبينة في الفصول والمواد التالية: الفصل 36 من الميثاق الجماعي، والمادة 14 منه. واختتمت المذكرة الترافعية بتسجيل وجوب تعديل المادة 14 من الميثاق الجماعي لضمان الطابع الإلزامي للجنة المساواة وتكافؤ الفرص، وتحديد اختصاص اللجنة بشكل دقيق، وإخضاع اللجنة تشكيلها للانتخاب بدل التعيين، واعتماد معايير في تشكيلها: الشفافية، والاستقلالية، والمناصفة، والإعاقة، واعتماد الموارد البشرية اللازمة، والموارد المادية لتمكين اللجنة من آداء مهامها على أحسن وجه، وتمكينها من عقد اجتماعاتها قبل المجلس. ومن التوصيات كذلك توافر إمكانية تقديم نقط لإضافتها في جدول أعمال الدورة، وتقديم تعليل كل رفض يطول اقتراحات اللجنة مع حصول إمكانية تعليل كل رفض يطول اقتراحات اللجنة مع إمكانية الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية، والرفع من تمثيلية النساء داخل الأجهزة التقريرية للجماعة وخاصة ما يتصل بالمكتب واللجان الدائمة. ولم يغفل ضمن التوصيات المذكورة إحداث دار مستشارة، وتخليق الحياة السياسية عبر تفعيل آليات الحكامة، وخلق مجالس محلية للشباب، واعتماد معايير واضحة ديموقراطية وشفافة لتوزيع المنح على الجمعيات، ومحاسبة الرئيس عن مدى تحقيق الأهداف المبنية على النتائج، واعتماد مبدأ كوطا خاصة بتمثيلية الشباب داخل المجالس المنتخبة. وأخيرا وصى الموقعون على المذكرة الترافعية جمعيات التنمية الديموقراطية الفاعلة بالجنوب الشرقي على توافر شرط مستوى الباكالوريا على الأقل للترشيح لرئاسة الجماعات وخاصة الحضرية منها. وحوى ملف المشاركة كذلك على لائحة بالفصول ذات الاتصال بموع التنادي. انتظم اللقاء حسب ما هو مضمن في البرنامج من عرض مقاربتين اثنثين: المقاربة الأكاديمية والمقاربة السياسية. حوت المقاربة الأكاديمية مداخلتين: المشاركة السياسية للنساء الواقع والآفاق، ودور جمعية الألفية الثالثة في الترافع من أجل مشاركة سياسية فعلية للنساء بالجنوب الشرقي. وحوت المقاربة السياسية مداخلات الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وحزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي، وحزب اليسار الاشتراكي الموحد، وحزب الأصالة والمعاصرة، ودعي حزب العدالة والتنمية لكنه لم يحضر، ولم يسمع شيء عن اعتذاره وقبول معذرته ونفعها. ولم يجر تقديم مداخلة السيدة سميرة البناني سمتها مقاربة الحركة من أجل ديموقراطية المناصفة، المسار والتأسيس والتطور.....وماذا بعد؟ رغم تسطيرها في البرنامج لأسباب كان لزاما عى مسير الجلسة أن يفصح عنها. حصل الافتتاح على الساعة 9 صباحا و46 دقيقة، بعد تأخر دام نصف ساعة، بكلمة مسير الجلسة السيد إسماعيل حمداوي الذي خال اللقاءَ مندرجا ضمن سلسلة اللقاءات التي أشرفت على تنظيمها جمعية الألفية الثالثة لتنظيم الفعل الجمعوي بالجنوب الشرقي. إنه تقليد لجمعية الألفية الثالثة. ودون الدخول في السياقات العامة الدولية والوطنية مادامت معلومة، حبذ المسير التركيز على الدور الذي لعبته الحركة الجمعوية عموما، والحركة الجمعوية بالجنوب الشرقي خصوصا، في الحراك المجتمعي العام وانخراطها من موقع الفاعل والمؤثر، وبما أنها قوة اقتراحية حقيقية، كانت للحركة الجمعوية الجرأة الفكرية والقوة، في تسليط الضوء على مجموعة من مناطق الظل في الأرضية المجتمعية. وإنه في النقاش العمومي عامة، ظلت أرضية ارتكازها، في هذا الإسهام، على ترسانة من المقاربات الأساسية للتنمية الديموقراطية مهمة للغاية (...). وهي ذات علاقة، أيضا، بموضوع اللقاء الدراسي ليومها السبت 21 من شهر دجنبر 2013، والذي يحمل عنوان «أي تمثيلية نسائية في ضوء مشروع الجهوية المتقدمة وروح الدستور الجديد؟». إن طرح موضوع الجهوية المتقدمة قائم وثابت انسجاما لمدخل أساسي لبناء جهوية ديموقراطية مضمونا وجوهرا خاصة ما يتعلق بتشجيع المشاركة النسائية السياسية والمدنية وفق مقاربة النوع. وأما مداخلة الألفية الثالثة، فهي ترحيبية، غير زائغة عن الترحيب بالحاضرين وشكرهم على تحملهم عناء السفر إلى مدينة الرشيدية استجابة لدعوة الجمعية كدأبهم. المتدخل الأول الأستاذ المقتدر محمد صفوي أستاذ جامعي لمادة السوسيولوجيا بفاس، صاحب المداخلة «المشاركة السياسية للنساء، الواقع والآفاق»، حيا، في البدء، الحاضرين والفاعلين السياسيين والجمعويين تحية أمل وعمل، وحيا جمعية الألفية الثالثة تحية خاصة. وقال: «إني أتحفظ تجاه المقاربة الأكاديمية أولا. ذلك أن استنطاقها في المرحلة يعني وجوب استحضار مجموعة من المواقف التي تعبر أساسا أن المقاربة الأكاديمية طفقت تغيب عن المشاركة، وتفصح أن مؤسسة البحث العلمي في المغرب لا تزال عازفة عن المشاركة. وحتى النخبة المثقفة لم تنخرط عمليا وفعليا في تطوير البنى الثقافية من أجل انخراطنا جميعنا في مجتمع حداثي يؤمن بحقوق الإنسان، في سموها وكينونتها، ويؤمن بالحق في العيش الكريم بدون تمييز كيفما كان نوع هذا التمييز، ومرده، جنسيا ثقافيا، وعرقيا. إن هذه القاعدة هي التي يجب أن نستحضرها ونجعلها قاعدة للنقاش. ولا ريب أن ثلاثية ألان توريل في التعاطي مع قضية المرأة في ثلاثية الهوية والخصم، والرؤية، مفيدة هنا. ذلك أننا لما نتكلم عن الحركة النسائية في المغرب، نتكلم عن هويات تتشكل في إطار معنى الصراع الاجتماعي، هويات ليست معطى ميتافيزيقيا، بل تتحدد وفق المنظور الممارساتي، ووفق تشكيلة سياسية معينة ووفق.....إلخ. فإذا سرنا عبر التاريخ من حركة إخوان الصفا إلى اليوم، يمكن أن ندريَ كيف أن الحركة النسائية طفقت تؤسس مرجعيتها العلمانية بالتدريج، وكيف طورت مرجعيتها وآداءها، نفهم التطور الحاصل في تاريخ المغرب، والذي أعطى نتائج إيجابية ورائعة، رُغم ما يمكن أن يقال عنه.... إن الحركة النسائية لم تكن بالمرة حركة فئوية، بل إنها حركة في قلب الصراع الاجتماعي، وبالتالي، فقد لعبت دورا كبيرا في تطوير الميكانيزمات الديموقراطية. ويكفينا الوقوف عند مجموعة من محطات نضال الحركة النسائية، أي: المسيرات المنظمة في الرباطوالدارالبيضاء، ونضال الترافع من أجل مدونة الأسرة، وقانون الجنسية، إلى غير ذلك، من الديناميات التي أُطلقت من أجل مناهضة التمييز ضد المرأة... ذلك ما جرى، باختصار، في أرض الواقع، بقطع النظر عن الاختلاف القائم، والتحديات التي ستقوم على مستوى الهوية السياسية، لأن في عمقها وإيمانا منها بسمو حقوق الإنسان، لعبت دورا كبيرا في تحريك المسار الديموقراطي للمجتمع المغربي. وتلك حقيقة وجب الوقوف عندها. كل ذلك يفرض علينا في المرحلة الراهنة أن نعمل بشكل مشترك، وبشكل واضح على أرضية ديموقراطية، وعلى أرضية حقوقية، وعلى أرضية حداثية. ولما نقول العمل المشترك، فإننا نطالب الأحزاب السياسية والفاعلين السياسيين أن تخرج من ظاهرة الإرث السياسي، والتلكؤ السياسي، على المستوى الآداء الداخلي للأحزاب السياسية وعلى مستوى الممارسة. ولا بد من مواكبة تطورات الحراك الاجتماعي، والتي أثبتها الربيع الديموقراطي. وعلى الأحزاب أن تراجع مفاهيمها حول مفهوم المواطن، لأن هذا المفهوم لا يزال يكتنفه بعض الغموض هو وإحالاته المدنية. فلما نتكلم عن المجتمع المدني فقد تأسس على مفهوم المواطن [Le citoyen]. وهل يمكن لهذا التمثل أن تهطى له مكانته داخل الصراع الاجتماعي؟ فالأمر صعب للغاية، وصعب تحديد مفهوم هولامي أو المفهوم الماهوي للمجتمع المدني. فالمجتمع المدني ليس معطى ميتافيزيقيا وليس وحدة هولامية. فالمجتمع المدني يتحدد بفعل ممارساته ومواقفه، وبفعل موقعه داخل الصراع الاجتماعي. فلما أتحدث عن جمعية الألفية الثالثة لتنمية الفعل الجمعوي بالجنوب الشرقي فلن أتحدث عن جمعية تدافع عن الأبناك. إني أتحدث بشكل واضح في هذه المسألة. فالمجتمع المدني ليس وحدة هولامية. وكلنا يعرف السياقات التي نشأ فيها المجتمع المدني، لذلك وجب إنشاء تمثلا صحيحا، باستحضار السياقات الليبرالية وسياقات أدت، في نهاية المطاف، إلى تطور حقوق الإنسان. فالطبقة البورجوازية في القرن التاسع عشر سابقة في الحديث عن العقلانية وقيم العقل وقيم الحداثة. وهل أهداف الطبقة البورجوازية من قبلُ هي نفسها أهداف الطبقة الاجتماعية الآن؟ كلا. فالإشكال مختلف بالمرة. فالإشكال الذي نواجهه، يستوجب الوعي به وفهمه وتحديد المسؤولين عنه، وعن التصدي له. كلنا يقول نعم للمشروع الحداثي وكلنا يستقبله ويقبَله بالتصدية [التصفيق] لكن حذار من حفظ المشروع الحداثي بالطريقة الهولامية، فيومَ يأتي تتفجر فيه الأوضاع، كما جرى الآن، في مجموعة من الأقطار بالعالم العربي. فإما أن تمارس المفاهيم، مفاهيم المجتمع المدني بالطريقة المدنية والسياسية، مما ينجر عنه تطويرنا نحن أنفسنا اجتماعيا وسياسيا، أو نظل نحافظ عليها من المنظور الحقوقي، وفي إطار المنظور العام المجرد، ولما ننزل الميدان، ونواجه الواقع نجد أنفسنا نصطدم بشيء آخر، غير الذي كنا نعتقده بالأمس، لأن فهمنا المجتمع المدني كان صوريا. ولقد كانت نباهة المثقفين المغاربة عظيمة لما أدركوا هذا الإشكال من قبلُ. ذلك أن الاصطفاف وجب أن يكون ديموقراطيا حقيقيا بعيدا عن الهيولة، اصطفافا مبنيا على قيم حداثية ديموقراطية حقيقية. فالإشكال ليس فئويا مرتبطا بالشباب والنساء والأطفال. إنه إشكال مجتمعي لا يمكن قراءته عموديا وأفقيا في إطار فئوي. فلا يمكن فصل المرأة عن سياقات المجتمع المغربي اقتصاديا واجتماعيا وديموقراطيا. فالقضية النسائية ليست مجردة، تتحدد من خلال مجموعة من الحقوق والقوانين بل هي قضية مجتمعية، وجبت ملامستها في إطار السياقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي هذا الإطار، لا بد من فهم أشكال المقاومة الاجتماعية. سأستشهد ببيير بورديو لكي أمكنكم من فهم أشكال المقاومة الاجتماعية. فكلما تطورت الترسانة القانونية، ورُغم وجود مجموعة من المؤسسات، ورُغم وجود الإرادة السياسية، فإننا لا نتطور عمليا، لماذا؟ نحن بصدد عالمين: عالم حركي ديناميكي يمتد في التاريخ وفق التحديدات التي سلفت إليها الإشارة، وهو عالم يتطور، وينتج (رُغم أن مفهوم الخصم غير واضح للغاية، لكنه يتحرك وينتج، ويرافع، وعالم مقلوب يقابله، أو كما يسميه (بيير بورديوPierre Bourdieu) عالم الانتهاء. فإذا لمسنا المنظومة التقليدية، والمحددات الثقافية والقيمية لما يسمى النظام البطريركي، نلفى تلك الخصائص التي نحن بصدد الحديث عنها. ففي نظر بيير بورديو ظل عالم المرأة هو عالم الانتهاء، هو عالم الغرب. ذلك أنه لما يخرج الرجل من بيته يدخل عالم الشرق، عالم البركة، والأمل. إن هذا المنظور التبخيسي لما يضاف إلى المنظور الطبقي، يتجلى أن الإشكال الذي نواجهه ليس بسيطا للغاية، حيث إنه إشكال في عمق إشكالية عي نفسها في عمق الصراع الطبقي، وفي عمق المسار النضالي الديموقراطي، والحال أننا بصدد إنتاج المشروع الاجتماعي. ولا غرو، فكل هذه الخصائص بارزة في النكت والأحاجي، والقصص، وقد يرددها الكل، في وقت المرح، ويرددها الفاعلون السياسيون أنفسهم. ولما ندخل الأسرة نلفى مجموعة من المظاهر، بوعي أو بدونه، لا تزال تنتمي لهذا المنظور، وكأننا بصدد الإعداد والتهييء المستمر لقبول التمييز بشكل ما». استشهد بمجموعة من المثقفين وفضل عدم ذكرهم بالواضح، لكي لا يحصل فهم مجهودهم بشكل قدحي منهم مصطفى محسن التعليم والتنمية، بل «قضية المرأة وتحديات التعليم والتنمية». هناك كتابات لم تفصل بين حقيقة الإشكال وغيره. فالمقاربة الأكاديمية لا تزال لم تنخرط بعد في فك شفرات هذا الموضوع. فالقضية النسائية هي التيرمومتر [ميزان الحرارة] لقياس المجتمع الديموقراطي.إنها واحد من أقطاب الدينامية المدنية لإرساء المجتمع الديموقراطي. وهي دينامية لاتزال تدور في مكانه بحركة دورانية غير انتقالية»، واستشهد السيد محمد صفوي بالبحث الذي أنجزه بالجنوب الشرقي (ورزازات)، والأطلس المتوسط الهضبي (بولمان) ويتعلق بتفعيل المادة 14 من الميثاق الجماعي، وخلص إلى أن من يعترض على اللجنة، المضمنة خصائصها، والمحددة أدورها، في المادة 14، رئيس الجماعة الترابية بصفته رجلا ذكرا فاعلا سياسيا، وقد يكون مناضلا في صفوف أحد الأحزاب السياسية!. و«لستم بغافلين عما تحمله خطاباتهم لما حللناها من عنف سياسي مستبطن ضد المرأة، قد ينعكس على الآداء السياسي. ليست هذه الظاهرة عامة، ذلك أن من المناضلين من هم أوفياء للقيم الديموقراطية. وإني أتحدث عن التوجه العام، من أجل بيان الرأي الغالب والارتياء السائد. وبعبارة أخرى، أتكلم عن التوجه العام. إننا لا نزال نقبل هذا التمييز في تمثلاتنا نترجمه في الحكايات، والشارع. ولازلنا نستحضر اللحظات التقليدية، وكأن العنف آلية من آليات التنشئة الاجتماعية. وقد نستشهد بمجموعة من الأقوال وننشرها، ولما نستشهد بها فإننا نشرعنها ونجعله سنة للاتباع. وباختصار، إننا لا نؤمن بالمساواة أثناء ممارستنا السياسية والاجتماعية. إننا نؤمن بها فقط لما نتحدث عن تبني الاتفاقيات الدولية، ولكننا لا نترجمها في الواقع، لأننا نشكل مقاومة سوسيوثقافية، لكل المجهودات على المستوى السياسي، وعلى المستوى الاجتماعي بشكل عام. ومعنى ذلك، أن المقاربة القانونية والمقاربة المؤسساتية غير قادرتين على حل هذا الإشكال. فالورش ورش مجتمعي كبير، محدداته تنتمي إلى بنية طبقية معينة، أو إلى نمط إنتاج معين وإلى منظومة اقتصادية معينة ذات خلفية معينة، ومصالح خاصة، لكن لما أتكلم عن الصف الديموقراطي، والمشروع المجتمعي المفترض، والمبني على تكافؤ الفرص، وعلى الانخراط الإيجابي للمواطن في مسلسل التنمية، والمساواة الحقيقية، ونبذ أشكال التمييز ضد الإنسان، وعلى جميع المقومات الإنسانية. ذلك أن مقومات الإنسان نلفاها كلها في شموليتها. وإني أرى أن الفكر الرجعي يقصي الإنسان، ويقصي العقل والتاريخ. فمن يقصي العقل ويقصي الإنسان، ويقصي التاريخ. وكل فكر يقصي الإنسان ويقصي التاريخ، فهو يعبر عن مصلحة فئة معينة، تغلب نفسها على الطابع الإنساني. ولما نتحدث عن الاصطفاف، فإننا نتحدث عن الاصطفاف الديموقراطي كيفما كانت ترسيمة الفاعلين سياسيا. ولما أتحدث عن الاختلافات ما بين اليسار الاجتماعي واليسار الراديكالي، فإني ألفى أن هناك قاسما مشتركا، وهناك الحد الأدنى الذي يمكن أن يؤخذ بعين الاهتمام والعناية، أي: الديموقراطية والحداثة. هنالك وجب تطوير تصورنا حول الديموقراطية والحداثة. ولما أتحدث عن الديموقراطية والحداثة، لا أتكلم عن المساواة في الولوج إلى الحانات. وليس الغرض منها الدفع بولوج المرأة إلى الشارع، فالمرأة قيمة اجتماعية منتجة. فلما أتحدث عن المساواة أتحدث عنها على مستوى القرارات السياسية، وفي الإنتاج والعلاقات والأدوار. يجب الحفاظ على الأنوثة وعلى جمال المرأة ولا إشكال في ذلك. وإني أستغرب من أن الفكر الرجعي يصرف بعض الأراجيف، من ذلك أن الغرض بالمساواة هو الدفع بالمرأة، إلى الإباحية والخروج إلى الشارع. ليس ذلك هو المراد. إننا نثمن المرأة، ونثمن أدوارها ونحافظ عليها، ولكن كقيمة إنسانية منتجة. ويجب الأخذ بعين العناية هذا المنظور». وأضاف أنه من خلال المحطات الدراسية التي نظمتها جمعية الألفية الثالثة لتنمية الفعل الجمعوي بالجنوب الشرقي وجب التمييز بين النساء والمرأة. إذ يجب أن ننتقل إلى مفهوم أوسع، مفهوم مقاربة النوع الاجتماعي. فإذا كان التعامل الفئوي بإنتاجاتها على مستوى الانتخابات وعلى مستوى الكوطا، وعلى مستوى الحركات السياسية في مرحلة ما حسنة، فإنه حان الوقت لننتقل إلى مرحلة أشمل وأوسع، ونشرع في الحديث عن مقاربة اجتماعية. وحق الإفصاح بأننا يجب أن نتحدث عن المرأة، ونقصد بكلامنا أن الإشكال ليس هو المرأة، إنه منظومة إنتاج معين مبني على التمييز الطبقي والجنسي. وإنه في العلاقة السببية بالفكر، نلفى أن لكل مفهوم قصدا معينا وللفاعلين السياسيين دراية بالعلاقات السببية. فلما أقول المجتمع المدني، فإني أقصد مفهوم الوطن، وأقصد مفهوم الدستور، وإني أفرغت المجتمع من حقيقته الصراعية، ومن حقيقته التاريخية الممتدة في الواقع وجردته لأبنيه على مفاهيم ممثلة. فإذا أخذنا مفهوم الدستور فإننا نتخيله يقول:«أيها الفقراء تعالوا إلى هنا، تعالوا لنتحاكم في دولة أخرى، هي دولة الدستور، التي هي مبنية على المساواة والحقوق». نحن متفقون، لكن، هل ذلك مجسد في الواقع؟ وهل يتحاكم ابن الغني والوزير على نفس المنظومة؟ لنتحدث في الواقع، وبالواضح، فنحن كاصطفاف ديموقراطي واعون بذلك. نعم للمجتمع المدني، ونعم للمشروع الديموقراطي الحداثي، لكن لا بد من أن نطور آلياتينا، لتضحى يد المقاومة المدنية، وذلك بتمكين الشعب من أدوات الممانعة. فمنطق الصراع الاجتماعي قائم، على أرضية مصالح واضحة، وأرضية السلطة واضحة، وأرضية المصالح ثابتة، أردت أم كرهت. وإن عملية تعطيل المسار التاريخي من ممارسة الإنسان. وبقدر ما أنت هادف، بقدر ما تعجل بتحقيق أهدافك. ولما أتحدث عن تحسين المشاركة السياسية فالقانون غير كاف، لا بد من تفعيل مؤسساتي، وتفعيل ثقافي، ولبلوغ ذلك المراد لابد من تفعيل المقاربة الثلاثية القانونية، والمقاربة المؤسساتية، والمقاربة الثقافية، وهي مقاربة شمولية تأخذ بعين العناية كل السياقات الثقافية والاجتماعية. سأوضح بالأمثلة. داخل الجماعة بالمنظور الجديد، في ظل الجهوية الجديدة أو ما يسمى الجهوية المتقدمة أو الجهوية الموسعة. إني لا أزال عاجزا عن فك شفرات هذا المفهوم، لماذا هي متقدمة؟ ولماذا هي موسعة؟ ويعنينا أن ما هو مهم في المنظور الجهوي الجديد مسألتان أساسيتان: أولاهما أن الجهوية المذكورة تثمن التراب، وقد حدث ذلك لأول مرة في تاريخ المغرب، إذ لا يمكن الحديث عن التنمية دون مقاربة الناس، في معنى حياتهم اليومية، أي: الحديث عن التراب ليس كتقطيع انتخابي، وهو تقطيع يحتكم إلى المقاربة الأمنية، كما حدث بالأمس، حيث نتعامل مع خريطة مجالية كاريكاتورية، بناء على أهداف انتخابوية وأهداف أمنية. فالتراب لم يكن بالأمس آلية التدبير العمومي، بل تحكمه خلفيات أمنية وخلفيات سياسوية ضيقة مما أفرز مجموعة من التشوهات. فإذا كان نموذج 15+1 هوالنموذج الفيدرالي الألماني الذي جرى استنساخه، بناء على مقاييس بعيدة كل البعد على طبيعة البنية التحتية، وطبيعة تطور المجتمع المغربي،... ولا باس من الوقوف عند هذا النموذج طمعا في توضيح معالمه وتملكه. إن هذا النموذج أفرز نموذجين مرضيين: الجهة المدينة والجهة القرية. فإذا لمسنا جهة الدارالبيضاء فهي لا تتعدى 60 كيلومترا مربعا، نلاحظ أن معدل الكثافة السكانية فيها يتعدى3300، مقابل 300 نسمة في جهة مكناس تافيلالت. ونجدها تسيطر على 90 في المئة من المؤسسات المنتجة، ونجد أن محور المغرب النافع يستغرق 75 في المئة من المؤسسات العلمية والتعليمية. فعلى أي جهوية نتكلم؟ وفي إطار هذه المنظومة الجهوية، نأخذ المؤشرات، فنجد أن المؤشر يكبر أو يصغر حسب المنطقة. فمؤشر الكثافة في الدارالبيضاء 3300 وفي جهة مكناس تافيلالت 300 وفي تازةالحسيمة تاونات، نجده لا يتعدى 26. فأي جهوية نقصد؟ فإذا كان المبدأ في الجهوية يقضي تفويض القرار المركزي للمصالح المحلية في إطار منظور اللاتركيز وفي إطار تقريب المصالح والخدمات للمواطنين، فعلى أي جهوية نتكلم؟!. إنها عوائق ورثها المغرب عن الاستعمار، والإستراتيجيات المعتمدة بعد الاستعمار، والتي تبنت المنهج المعتمد من لدن الاستعمار، وكلنا يعرف أهداف الاستعمار. إننا نتحدث في إطار خليط من الأشياء لا يزال يكتنفنا، ولما نبتغي الخروج منه نقدم على الفرار والهروب الثقافي (جلباب وطربوش، وطربوش مغربي وكسوة حديثة. إننا نعاني من ازدواجية ثقافية متناقضة: ربطة عنق، والمعطف الحديث، ورداء الرأس. وهذا يفسر بطبيعة الحال بدخول الاستعمار وقيمه وثقافته. تبين أننا نبحث عن جواب تبريري. نمارس الازدواجية بلغة الهروب الثقافي، وكأننا نبحث عن الجواب السيكولوجي الشافي، إما بالرجوع إلى التاريخ الملهم بحثا عن النقط المشرقة، أو بالاستئصال الثقافي: عندنا ابن خلدون وعندكم ماركس، ظهر علم النفس ولدينا الرازي. وهي هروب ثقافي. ولماذا تاريخ العرب وتاريخ المسلمين كله ثنائيات الأنا والأخر، النهضة والبعث، إنها إحساس بالنقص تجاه الأخر. يجب أن نأخذ معضلاتنا كما قال مهدي عامل في إطار المميز والتمايز الكوني. هناك أشياء نشترك فيها مع بني البشر، ويجب أن نؤمن بها، وهناك أشياء مرتبطة بالخصوصية، ولا أقصد الخصوصية كنزعة بل كإطار ثقافي قيمي وإثني وجب احترامه. ولما نتحدث عن تثمين التراب يجب استحضاره، وفق المقاربات المشار إليها، استحضاره كمعطى مبنى سوسيولوجبا. أي كمعطى ميداني، وليس كمعطى ميتافيزيقي تحدده مقاربات مؤسساتية أو قانونية، فنخلق صراعا إقليميا خطيرا للغاية، إلى جانب صراع القطب والهامش، وقد حضر الآن ذلك الصراع بين الرشيدية وورزازت، وقد حضر صراع القطب بين فاسومكناس، وقس ما لم يُقل على هذا. وقد ينجر عن ذلك إحياء صراع قديم بين الحضري والقروي (العروبي) وبين الأمازيغ والعرب. أريد أن أقف عند استنتاج مهم مادام الوقت بعضه لم يمكنني من إنهاء ما أبتغي تقديمه: - لا يمكن الحديث عن التنمية بدون ثلاثية: تثمين الإمكان الترابي، وتثمين الإمكان البشري، وتثمين الإمكان الطبيعي. ولايمكن الحديث عن التنمية دون احترام هذه الثلاثية. ولما أتحدث عن الإمكان البشري فإني أستحضر المساواة وعدم الميز، ونبذ جميع أشكال الميز كيفما كان نوعه. ذلك أن المسار العام للمجتمع المدني، في هذه المرحلة أنه يلعب الدور بين المشروعية المجتمعية والشرعية، أي يحول ما يراه المجتمع شرعيا إلى قوانين، وعليه أن يرافع بغية تفعيل تلك القوانين، بتعاون مع الفاعلين المحليين العموميين المدنيين، والأحزاب السياسية، والخواص. وحسبنا أن البورجوازية في حد ذاتها، لا ترى نفعا، ولا جدوى في أن تظل الإدارة مرتشية، وليس يجديها البيروقراطية، وليس يضير البورجوازية أن تنخرط في المشروع الحداثي والديموقراطي. إن تثمين البشر هو أحسن رأس المال، وبدون تثمين البشر لا يمكن الحديث عن شيء يسمى التنمية. ولتحسين مشاركة المرأة في الحياة السياسية، وجب الانتباه إلى ثلاث عناصر: أولها أن دستور 2011 لا يزال غامضا، وبالتالي، فالمعركة مستمرة، ولا بد، في ظل التحولات الراهنة حيث اختل ميزان القوى، من ممارسة الضغط. وضغط المجتمع المدني مفيد للغاية لانتزاع بعض المكاسب، تنزيل القوانين، الميثاق الجماعي، والجماعة الترابية بصفة عامة. ذلك أن هناك مفاهيم ذكية، من ذلك عبارة و«يسعى المجتمع إلى المناصفة» فمتى ستتحقق المناصفة؟ قد يحدث ذلك في أجل غير مسمى. فالعبارة تحوي مماطلة وتسويفا بينا وتسويف بارزا. النقطة الثانية، إلى جانب المقاربة القانونية التي حق استحضارها بمذكرات مطلبية، وبلقاءات دراسية. ذلك أن وجود المجتمع المدني يستصحب مقترحات عملية. ومن جانب آخر، فإن الأحزاب قادرة على لعب الدور في ذلك، أي الانخراط في الصراع المجتمع بمنظور جديد. لقد لوحظ تهميش المثقف، وتهميش القيم، وتحالفت السياسة مع الرأسمال. لقد حصل تغليب الطابع البراكماتي الارتشائي على الطابع النضالي، ولا بد من الانفتاح على المجتمع المدني. ذلك أن للمجتمع المدني قدرة على تفجير النقاش، لكنه لا يعاني من الإكراه السياسوي الضيق. هناك إشكالات كبيرة يجب أن ننتبه إليها. ذلك أن كل من له شرعية داخل الحزب السياسيي اكتسب شرعيه من التاريخ. والتاريخ عنصر مكبل للممارسة السياسية، نعم لنضاليتك وتاريخها، لكن ما أنت فاعل الآن؟ يجب الانخراط على جميع الفئات الشابة وحثها على الانخراط على أساس الكفاءة والفهم. ويجب التطرق من بين الاستنتاجات إلى أشكال المقاومة الثقافية، مفادها أن على المجتمع المدني أن يخترط هذه الطابوهات، ويحاول أن يفجرالنقاش الحقيقي حول قبول العنف، من لدن الفاعلين والمؤسسات، وأن هذا القبول يجب أن يستفز. فالبحث المنجز في المغرب حول بنيات الاستقبال الأولية، والتي تلعب دورا مهما جدا، وعددها في المغرب 15 بنية استقبالية، وتتكون من الدرك، والنيابة العامة، والمجتمع المدني، تبين أن أول واحد يلعب دور العرقلة والمقاومة الثقافية هو الطبيب، إذ يدعو المرأة ألا تقاوم العنف الممارس عليها من لدن الزوج. وعلى المجتمع المدني أن يلعب دورا مهما في تفكيك هذه البنية الثقافية». المداخلة الثانية في المحور الأكاديمي النطري للسيد سليمان مزيان سمتها «تجربة جمعية الألفية الثالثة لتنمية الفعل الجمعوي بالجنوب الشرقي في مجال تعزيز المشاركة السياسية للنساء». أشار في البداية إلى مهمة الجمعية، وحسبها تقضي المشاركة في ترسيخ ديمقراطية مبنية على المشاركة المحلية، وتشجيع نشوء المواطنة الفعالة، والعالمية والديناميكية، وخالها من زاوية أخرى تكمن في المساهمة الفعالة في تحقيق مشروع مجتمعي، يقوم على المساواة والديمقراطية. وذكر، بما وجب التذكير به في كل مناسبة، أن جمعية الألفية الثالثة لتنمية الفعل الجمعوي بالجنوب الشرقي المغربي تعمل في جميع أنحاء الجنوب الشرقي المغربي والمقصود به الأقاليم الإدارية الأربع: زاكورة وورزازات وتنغير والرشيدية. وبعد بيان مجال ممارسة الجمعية أشار إلى أنها تشتغل أساسا في ثلاث فضاءات موضوعاتية منتظمة في برامج، منها ما هو خاص بالمرأة وأخرى تهم الشباب، وبرامج الحكامة المجالية. وتشتغل الجمعية، فضلا عن ذلك، في ثلاث محاور: محور العمل عن قرب، ومحور تقوية القدرات، ومحور المرافعة. وفوق المحاور والمقاربات حددت الجمعية إستراتيجية تنبني على المشاركة في ترسيخ ديمقراطية تشاركية محلية لتشجيع قيم مواطنة حقيقية وفعالة، والمساهمة الفعالة في تحقيق مشروع مجتمعي قائم على المساواة والديمقراطية. وعن برنامج المرأة سرد السيد سليمان مزيان عدة محطات: في سنة 1999 حصل الانخراط في الحملة الوطنية لدعم الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية. - وفي السنوات الثلاث المتتالية 1999و2000و2001 كان تأسيس الشبكة الجهوية بالجنوب الشرقي لدعم الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية. - وجرى في سنة 2000 أول دورة تكوينية بالمنطقة حول النوع الاجتماعي بشراكة مع الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب والمنظمة الألمانية فريدريك إيبيرث. - وصادف سنة2001 تأسيس أول مركز للاستماع والتوجيه لفائدة النساء ضحايا العنف بالمنطقة. - وفي سنة 2002 حصل للجمعية أن كانت عضوا مؤسسا وفاعلا داخل ربيع المساواة من أجل مراجعة مدونة الأحوال الشخصية سابقا. - وفي سنتي2003 و2004 أُدمج النوع الاجتماعي كمحور أفقي (عرضاني) في كل أنشطة الجمعية. - في سنة 2007 جرى الافتحاص التنظيمي للجمعية المبني على النوع الاجتماعي وبلورة خطة لتقوية وتنمية الجمعية مبنية على النوع الاجتماعي. وعُقب السرد الدياكروني لأهم محطات تمكين المرأة الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. وقف عند مقاربة الألفية الثالثة عند علاقات الرجال والنساء معا والتنمية. وهي علاقات قائمة بالأساس على عد المساواة بين الرجال والنساء موضوعا أفقيا (عرضانيا) في أنشطة الألفية الثالثة منذ 2004. ولما كانت مهمة الجمعية، جمعية الألفية الثالثة لتنمية الفعل الجمعوي تقتصر على دعم التغييرات الاجتماعية التي تساهم في تحسين ظروف العيش المستدامة وتتبعها وتشجيعها، فإنها تسعى لتنمية الفعل الجمعوي إلى التعاون مع الفاعلين المحليين والجهويين والوطنيين والدوليين الملتزمين في مسلسل التنمية المستدامة القائمة على المشاركة والتمسك بمبادئها، بما في ذلك تعزيز المساواة بين الرجال والنساء. وفي مجال تعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية للنساء بما هو مشروع ذو أهمية لدى الجمعية من أهدافه المساهمة، بشكل عام، في تعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية بالجنوب الشرقي، وهو برنامج هادف بشكل خاص إلى تعبئة النساء للترشيح للانتخابات الجماعية ل 12 يونيو 2009 وتحسيسهن للغاية ذاتها، وإلى تقوية قدرات ثلاثين (30) مرشحة للانتخابات الجماعية على صعيد الجنوب الشرقي في سنة 2009، ورام تحسيس النساء والشباب وتشجيعهم على أهمية المشاركة السياسية في تدبير الشأن العام المحلي،وابتغى أيضا تحسيس الأحزاب السياسية والجمعيات على أهمية المشاركة السياسية للنساء بالجنوب الشرقي، جرى تنظيم يوم دراسي [لم يذكر تاريخه ومكان] حول أهمية المشاركة السياسية للنساء، تحت شعار: النساء في الجماعات المحلية رافعة للحكامة المحلية. شاركت في اليوم الدراسي جمعيات الجنوب الشرقي المغربي، والأحزاب السياسية. وتوفق اليوم الدراسي في تغطية النقط العمرانية المركزية وبادياتها وهي تندرارة، وبوعنان، وفيجيج، وبوعرفة، وبوذنيب، وعين الشواطر، والريصاني، وكلميمة، والريش، وبومالن دادس، وقلعة مكومة، وتنغير، وأرفود، وميدلت، والرشيدية، وتنغير، وإملشيل. وكان عدد النساء المستفيدات من التكوين 31 امرأة، فاز منهن بالمقاعد 17، وهو عدد دال. وهدف البرنامج المذكور على المستوى المحلي إلى تقوية قدرات أربعين امرأة (40) مستشارة وتمكينهن من آليات تدبير الشأن المحلي عن طريق الجماعة المنتخبة وتقنياته، وهدف أيضا ممارسة أنشطة تحسيسية لتشجيع المشاركة الكاملة للمرأة على ممارسة حقها الدستوري في الترشيح والتصويت في الانتخابات. كما ابتغى تحسيس السكان والمجتمع المدني والأحزاب السياسية بأهمية المشاركة السياسية وتعبئتهن للاستحقاقات التشريعية المقبلة. واستهدف البرنامج فئات النساء بالأحزاب السياسية، والمجتمع المدني، وسكان الجنوب الشرقي. ومن الأنشطة المقررة لتلك الغاية ما يروم المساهمة في التحسيس على ضمان التواجد الفعلي للنساء والشباب داخل الهياكل التقريرية والتنفيذية للأحزاب السياسية والمؤسسات المنتخبة. وإيمانا من جمعية الألفية الثالثة، بأهمية المشاركة السياسية للنساء ومساهمتها في جعل جماعة المستقبل تتوافر على مستشارات جماعيات ذوات كفاؤة وتأهيل لتدبير شؤون الجماعة المنتخبة عن طريق تقوية قدراتهن، ومشاركتهن في بلورة خطط التنمية المحلية من أجل تنمية مستدامة ديمقراطية وبرامجها وصياغتها، انخرطت الجمعية في تأهيل المستشارة الجماعية للاضطلاع بدورها في تنمية الجماعة التي تنتمي إليها، وأداء دورها السياسي بكل كفاءة وعدم الإبقاء على دورها كمتفرج وذلك بإخضاعها لمجموعة من التكوين وعلى إثرها نظمت جمعية الألفية الثالثة لتنمية الفعل الجمعوي بالجنوب الشرقي ثلاث دورات تكوينية لفائدة أربعين40 مستشارة جماعية بالجنوب الشرقي مثلن مختلف مناطق الجنوب الشرقي. ونظمت ثلاث دورات تكوينية لفائدة المجتمع المدني والفاعلين والفاعلات بالجنوب الشرقي. المحور الثاني مرتبط بالمقاربة السياسية، دعي لتنشيطه أربعة ممثلين للأحزاب من بينهم امرأة واحدة: في البدء نودي على السيد سعيد السوهير عن الاتحاد الاشتراكي، وقد دعي للمساهمة في محور المقاربة السياسية:« تحية مجددا للأخوات.قبل أن أدخل في غمار الموضوع أرى ذا فائدة استحضار المرجعيات، أي الدستور المغربي الذي حمل في فصوله بعض أدوار المرأة، من ذلك الفصل 19 الذي ركز على المساواة كشعار لجميع المغاربة. وقد كسبنا ذلك جراء ما لقيته المرأة والرجل من تعذيب في سنوات الرصاص». وللاستشهاد عن ذلك استحضر السيد سعيد السوهير المناضلة سعيدة المنبهي، وقال: «نحيي روحها بما هي امرأة مغربية عانت من أجل تحقيق ما نلفاه اليوم من هامش ديموقراطي». ولئن كان الفصل 19 كله يشير إلى المساواة وضمنها المساوة في الحق في الترشيح فإن ذلك كله شعارات. لذلك بدا ضروريا المرافعة الشرسة لتفعيل بنود الدستور. ولا بد من معركة وترك الخلافات المجانية. وتنظيم نضالات تحدد هوياتنا . واستشهد بمثال بسيط مفاده أنه «ما قُدم من قانون في ما يتعلق بالاغتصاب، والذي رُفض تحت وقع الاحتجاج ليخرج بصيغة أخرى». وود أن يُحيي من ناضل من أجل رفضه، في مسيرات في الرباط. وقال:«يجب الحذر والوقوف عند ما يجمعنا. وأننا لا نفرق بين الرجل والمرأة. وقد سبق أن نظمنا مؤتمرا وطنيا للاتحاديات، تشكلت أثناءه لجنة وطنية للدفاع عن المرأة، والنهوض بها ومتابعة القوانين الصادرة والمعدة في شأنها». وأضاف:«نحن لا نفرق بين الرجل والمرأة لذلك تناولت الموضوع بصفتي رجلا، وكان أولى بي أن تقوم الأستاذة هشومة عمري علوي بهذا العرض، لكنها لم تتمكن من الحضور لسبب ما». وعن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أشار السيد سعيد السوهير: «كانت نقطة انطلاقا من قانون الأحزاب الذي يفرض 30 في المئة من التمثيل النسائي، وقد وصلنا أكثر من 40 في المئة من تمثيل النساء في اللجنة الإدارية، لأننا أضفنا شابات، وكانت نسبة مشرفة للحزب». وأضاف «إن مسؤولية القرار الحزبي ظل منذ سنوات، تشارك فيه النساء. ولا غرو فقد قدمن الكثير. وإنه في حكومة التناوب التي ترأسها الأخ عبد الرحمان اليوسفي كان الحضور النسوي وازنا ومشرفا. ويجب علينا أن نبلغ المناصفة. ولا بد من تحديد تحقيق سقف زماني لبلوغ ذلك الشأو دون أن تتصدر التعبير عنه كلمة (نسعى)». ورأى أن المرأة «عنصر مهم في الحزب، ولا فرق بين ما هو محلي وما هو جهوي. ذلك أن العنصر النسوي هو من سيتحدد من يمثله. واستحضر أن العنصر النسوي يشارك في الانتخابات، وقد لاحظت ذلك أثناء تتبعي للانتحابات 60 في المئة من الأصوات المعبر عنها نساء. لكن النساء المعبرات عن صوتهن لسن واعيات في الغالب بأنه