تزامنا مع حديث الإعلام المحلي والعالمي عن سيطرة حركة "طالبان" على أفغانستان، وما يمكن أن يعقبه من تطورات في المنطقة؛ سلط الرأي العام الضوء على هذه الحركة التي كادت أن تتوارى عن مسامع الناس، لتظهر من جديد بقوة أكبر استأثرت باهتمام العالم الخائف من "حمامات الدم". ومن ضمن من تفاعلوا مع هذه الحركة محاولا إلقاء الضوء عليها لمعرفة طموحاتها ورهاناتها؛ يوجد الباحث في الفكر الإسلامي وقضايا التطرف والإرهاب عبد الوهاب رفيقي الملقب ب"أبو حفص"، الذي قال إن "المهم جدا عند تناول أي موضوع معرفته بدقة، وتناوله بكثير من المصداقية والعلمية، أقول هذا الكلام بمناسبة ما أقف عليه من مغالطات مقصودة وغير مقصودة بخصوص موضوع طالبان، والتعامل معه بسطحية وقلة دراية". وأضاف رفيقي في تدوينة له على صفحته الفيسبوكية: "يخلط الكثير بين القاعدة وداعش من جهة، وطالبان من جهة أخرى؛ القاعدة وداعش تنظيمان جهاديان بإيديولوجية سلفية وهابية، بأحلام طوباوية ومشاريع عالمية، من قبيل الخلافة والدولة الإسلامية واسترجاع الأراضي التي حكمها المسلمون يوما، وغزو بني الأصفر وقسطنيطينية ورومية، والغزو والفتح والسبي، فيما طالبان حركة محلية، تأسست من عدد من طلبة المدارس الدينية (لهذا يسمون طالبان). عقيدتهم ماتوريدية، وهي المصنفة عند السلفيين بأنها عقيدة ضالة، ومتعصبون فقهيا للمذهب الحنفي الذي لا تكن له السلفية كثيرا من الود". رفيقي زاد أن "طالبان حركة دينية متشددة ومنغلقة، تفكيرها بسيط وساذج، تظن أن ما تؤمن به هو الإسلام، تفرض النقاب، وتحرم المرأة من التعليم، وتحارب الصور والتماثيل، لكنها لا تريد تطبيق ذلك إلا في حدود مناطق حكمها، خصوصا بين البشتون الذين لم يكن عند أغلبهم مانع من تطبيق تلك الأحكام، على خلاف الأوزبك المنفتحين نسبيا، والذين كانوا يتذمرون من تسلط طالبان وقمعها للحريات، لكن الحركة لم تكن تحمل أي مشروع عالمي أو نوايا للهيمنة دوليا". "أكثر من ذلك، طالبان بعد دخولها كابل سنة 1996 سعت للحصول على الاعتراف الدولي، واعترفت بها رسميا كل من السعودية والإمارات وباكستان وتركمانستان، وكانت تريد مقعدا بالأمم المتحدة، وهو ما جعل السلفيين الجهاديين يتوقفون عن تأييدها في البدايات"، يوضح "أبو حفص". وتساءل رفيقي: "لكن ما الذي حصل حتى تورطت الطالبان مع القاعدة؟ حسب رأيي، فإن القاعدة بما كانت تملك من دهاء وخبث سياسي استغلت سذاجة الطلبة لإقحامهم في معركتهم ضد أمريكا. كانت البداية بتقديم المساندة في التخلص من خصوم الحركة، وكلنا يتذكر الهدية التي قدمها أسامة بن لادن للملا عمر، وهي التخلص من أكبر عدو لطالبان، وهو أحمد شاه مسعود، وكان المقابل غض الطرف عن أنشطة القاعدة ومعسكراتها، لكن الملا عمر اشترط على بن لادن عدم استهداف أمريكا من فوق أرضه، ووافق بن لادن على ذلك، ثم التجأ لبعض المشايخ ليفتوه في جواز تخلصه من هذا العهد، وهو ما كان فعلا، حيث قرر بن لادن مهاجمة أمريكا في عقر دارها دون إخبار الملا عمر، الذي وجد نفسه في ورطة كبيرة". واستطرد الباحث في الفكر الإسلامي وقضايا التطرف والإرهاب قائلا: "فبدل أن يتعامل الملا عمر ببراغماتية ويسلم بن لادن لأمريكا، لجأ بسذاجته لمجلس علماء طالبان، وكلهم من فقهاء محدودي التفكير، فاتفقوا على أنه دينا لا يجوز تسليم مسلم لكافر، وهي الفتوى التي جرت على بلد بكامله مسارا من الدمار والاحتلال. كان هذا قبل عشرين عاما، ومن المؤكد أن طالبان اليوم تختلف عن طالبان الأمس، طالبان الأمس حركة متطرفة دينيا، لا تؤمن بحقوق الإنسان ولا الحريات، حركة قمعية مستبدة، لكنها ليست مشروعا جهاديا".
وعن أسباب تأسيس "طالبان"، قال رفيقي إنها "تأسست لأول مرة لأسباب جيو سياسية، وتعود اليوم لأسباب جيوسياسية أيضا، قد يكون ذلك بسذاجة مرة أخرى، وقد يكون بوعي لتقاطع المصالح، قد نرى طالبان بنسخة جديدة وأفكار أكثر انفتاحا واستيعابا لدروس الماضي، في ظل بحث الولاياتالمتحدة عن حليف يتصدى للمشاريع الصينية والإيرانية في المنطقة. الأيام المقبلة كفيلة بأن تجيبنا عن كثير من الأسئلة والهواجس المطروحة اليوم، وسط سيل من المغالطات وقلة التدقيق المعرفي".