ليس هناك من شك في كون الانتخابات تعد مدخلاً أساسياً في البناء الديمقراطي والمؤسساتي، لكونها تعتبر أداة لتمكين المواطنات والمواطنين من التعبير عن حرية اختيارهم وتفضيلهم في من يتولى تدبير الشأن العام سواء على النطاق الترابي أو على المستوى الوطني في إطار ما يعرف في معجم القانون الدستوري بالنظام النيابي. فإذا كان النظام التمثيلي، أسمى ما ابتكره العقل البشري، قد نقل المجتمعات من الديمقراطية المباشرة ومعها حكم كل أفراد الشعب الذين كانوا يقررون في شؤونهم في الفضاء العام أو كما كان يعرف حينها بالأغورا "Agora" في عهد اليونان القديم، إلى نظام يرتكز على التفويض أو الوكالة التمثيلية، من خلال نواب أو ممثلين مفوض لهم القيام مقام الشعب واتخاذ القرارات بإسمه، وعلى أهمية هذا النظام في تدبير وتنظيم شؤون الجماعة، فإنه مع ذلك أبان عن مجموعة من الأعطاب والعلل يرجع السبب فيها إما إلى الناخب نفسه وتمثله للعملية الانتخابية والمؤسسات التمثيلية، وإما إلى المنظومة الانتخابية التي تؤطر مختلف العمليات الانتخابية وما قد يعتريها من نقائص وفراغات وما قد تفرزه من نخب لا تجسد وعودها على أرض الواقع، وإما أن السبب في ذلك يرجع إلى أزمة الوساطة التي من المفروض أن تلعبها بعض المؤسسات سواء السياسية أو الاجتماعية. إن الحديث عن الوساطة يدفعنا إلى طرح سؤال جوهري يرتبط أساساً بأدوار مؤسسات هذه الوساطة، ومدى فاعليتها وفعاليتها في تقريب وجهات النظر بين مختلف مكونات المجتمع وفض كل خلاف من شأنه أن يبرز بين الفينة والأخرى. إن الأمر هنا يتعلق أساساً بالأحزاب السياسية كلاعب محوري في العملية الانتخابية وفي البناء الديمقراطي برمته في ظل أي نظام سياسي كيفما كانت فيه طبيعة العلاقة ما بين السلط. فلا يستقيم الحديث عن الديمقراطية كأفضل نظام للبشرية، من دون استحضار أهمية الأحزاب السياسية في لعب دور الوساطة وترسيخ ودعم ثقافة المشاركة لدى المواطنات والمواطنين وكذا تفاعل هؤلاء مع المؤسسات من مختلف مكوناتها الرسمية وغير الرسمية، ثم دورها في التنشئة السياسية والاجتماعية وتحفيز مختلف شرائح المجتمع على التفاعل الإيجابي والبناء من خلال المشاركة في تدبير الشأن العام، والتغلب على كل الانطباعات والأحكام المتسرعة أحياناً وتجاوز المواقف السلبية أحياناً أخرى حيال بعض المؤسسات، وكذا تقوية حس المواطنة والمسؤولية بما يتحقق معه التلازم بين الحقوق والواجبات. إن هذه الأدوار هي التي تخلق نوعاً من التوازن داخل المجتمع وتحقق التوافق بين مختلف مكوناته السياسية والاجتماعية والاقتصادية وكذا المدنية، وتساعد من تم على بناء تعاقدات اجتماعية بما يضمن استقرار الدولة ومؤسساتها. وإذا ما تمعنا كثيراً في وظائف الأحزاب والغاية من وراء تأسيسها، فإننا نجد أن هذه الأدوار والوظائف، والتي تم الإيماء إليها بإيجاز، لا يمكن نظرياً حصرها في زمان أو مكان محدد ولا في ظرف أو سياق معين، بقدر ما يجب أن ترتبط بحياة الحزب وببقائه ككائن سياسي على أرض الواقع، بغض النظر عن قادته أو منخرطيه أو مناصريه أو المتعاطفين معه، فطالما أن الحزب كائن في الوجود، فلا بد وأن تكون هذه الأدوار لصيقة به وملازمة له زمانياً ومكانياً، وجوداً وعدماً، وذلك حتى يؤدي ما يجب أن يؤديه وهو التواصل والتعبئة المجتمعية والتنشئة السياسية، ثم نشر قيم المسؤولية والمواطنة وكذا إفشاء ثقافة وروح المشاركة. ولا شك أن المحطة الانتخابية تشكل لحظة مفصلية لمحاسبة هذه الأحزاب السياسية على لعب هذه الأدوار والقيام بهذه الوظائف وجعلها حقيقة ملموسة على أرض الواقع، وهي كذلك بمثابة محك حقيقي للأحزاب في علاقتها بالهيئة الناخبة. بيد أن واقع الممارسة السياسية والحزبية ببلادنا يبرز اليوم، بل وحتى منذ عقود خلت، نوعاً من القطيعة والتنافر للأحزاب السياسية مع محيطها الاجتماعي، ولا أدل على ذلك من كون ارتباطها بمختلف طبقات المجتمع لا يعدو سوى لحظة عابرة سرعان ما تنتهي بمجرد انتهاء كل استحقاق انتخابي. إن ظاهرة الدكاكين الاتتخابية، أو كما يسميها البعض الدكاكين الحزبية والتي لا ترقى حتى إلى هذه التسمية الأخيرة، تعتبر إحدى تجليات هذا التواصل المبتور للأحزاب السياسية مع المواطنات والمواطنين، وتشكل في الوقت ذاته صورة مشينة للعمل الحزبي ولطريقة، أقل ما يمكن القول عنها، إنها تَمثل غير سليم للفاعل السياسي لأدواره الدستورية وكذا التشريعية. فعندما نتحدث عن الدكان الانتخابي، فإننا نعني ذلك المكان المحدود في مساحته وأبعاده، لا يسمح بممارسة سياسية مريحة ولا يشكل في الوقت ذاته متنفساً كافياً لتحرك الفاعل السياسي في علاقته بناخبيه ولا مضماراً للتفاعل الفعال والمثمر والمستمر ما بين الفاعل السياسي والمواطنات والمواطنين بما يتعزز معه منسوب الثقة وتزداد وشائج التقارب وتُدعَّم العلاقة بين الطرفين بشكل قوي، وكأننا نستعير التسمية من كلمة "الدكان" الذي نعني به المكان التجاري الصغير الذي لا يسمح بممارسة تجارية محترفة لتموين السوق بما يضمن بشكل كاف توفير السلع والمواد لعدد مهم من الزبناء. ومن تم، وعطفاً على هذا التعريف، فالدكاكين الانتخابية هي إذن تلك الفضاءات التي تخلقها الأحزاب السياسية عند المناسبات الانتخابية لخلق مضمار مؤقت وفضاء متقطع وفي نفس الوقت محدود زمانياً ومكانياً للتواصل مع الناخبين، ولذلك فإن أقرب تشبيه لها هو كلمة "الدكاكين" المستعارة من الدكاكين التجارية التي تعرض فيها المواد والسلع، وهو ما يجعل عملية التواصل الحزبي محصورة في حيزين زماني ومكاني ضيقين. إن الدكاكين الانتخابية وبهذا التوصيف، بقدر ما هي محاولة من الفاعل الحزبي لخلق فضاء للتواصل، لا يمكّنه بأي حال من الأحوال من تجسيد أدواره على أرض الواقع وتحقيق غاياته الدستورية والتشريعية وتكريس القرب السياسي، بقدر ما تولد في الوقت ذاته نوعاً من الاشمئزاز وعدم الرضا لدى المواطن وكذا شعوره بكون الفاعل السياسي لا يعبر بهذا الشكل من الأشكال والممارسات سوى عن نوع من الأنانية المفرطة والرغبة الجامحة في استمالة أصوات الناخبين لتحقيق غايات ذاتية صرفة، وإلاّ فما المانع من أن يجعل هذه الصلة في علاقته بالناخبين مستدامة زمانياً ومكانياً من دون ربطها حصرياً بالمناسبات الانتخابية فقط أو لحظة عابرة؟ إنها بالفعل نوع من التعتيم للحقيقة والتمويه السياسي للناخبين بكون منتخبيهم يتواجدون بالقرب منهم وينصتون إليهم. إن العزوف السياسي والانتخابي والذي نعيشه بالأمس واليوم، وتزداد حدته بعد كل استحقاق انتخابي، لا يعدو سوى نتيجة طبيعية بل وحتمية لهذا النوع من السلوكات المشينة في حق المواطنات والمواطنين الذين غالباً ما تبقى أمالهم وأحلامهم معلقة على أن تفرز اللحظة الانتخابية نخباً سياسية في مستوى انتظاراتهم وتطلعاتهم، تتواصل معهم، تنصت إليهم، وتفكر بشكل جدي في مشاكل وهموم المجتمع ككل وتبحث عن أجوبة مقنعة لمختلف الإشكالات المطروحة، لكن سرعان ما تتبدد هذه الآمال بمجرد الإعلان عن قوائم الفائزين بالمقاعد وانصرام العملية الانتخابية. إن ربط هذا التواصل مع الناخبين ومد الجسور معهم له عدة مداخل ووسائل منها ما هو بشري من خلال نخب سياسية قادرة على جعل هذا التواصل فضاء للتفاعل البناء والحوار والتشاور المثمرين ومجال لإبداء الرأي المؤيد والمعارض، وكوسيلة كذلك لإيصال هموم ومشاكل الموطنات والمواطنين إلى صانعي القرار للبحث لها عن أجوبة وحلول أو صياغتها في شكل برامج انتخابية تعبر بشكل حقيقي وواقعي عن الهم المجتمعي. ومن هذه الوسائل أيضاً المدخل المؤسساتي الذي ينصرف إلى تلك التفريعات التي من المفروض أن يتوفر عليها كل حزب على امتداد التراب من خلال فروع جهوية وإقليمية ثم محلية تشتغل كل وقت وحين، وذلك حتى لا يبقى هذا الكيان السياسي حبيس مقره المركزي، أو تبقى هذه الفروع ذات وجود رمزي من دون فاعلية وفعالية. قد يتساءل البعض عن غياب الامتدادات الحزبية والسياسية أو عدم تواجدها بشكل كاف عبر مختلف التراب الوطني بما في ذلك المدن والقرى ، وهذا التساؤل يعتبر مشروعاً وله ما يبرره على اعتبار أن البحث له عن أجوبة هو كذلك في غاية الأهمية لمحاولة تقديم على الأقل تفسير للأطروحة الاستعمارية التي لازالت تلازمنا إلى يومنا هذا والمتمثلة في مقولة "المغرب النافع والمغرب غير النافع"، وإن كانت هذه المقولة قد صيغت في سياقاتها وبحمولاتها الاقتصادية والتنموية الصرفة وكذلك بهواجسها الأمنية، وارتبطت بسياسة كولونيالية كانت تسعى إلى تحقيق أهداف اقتصادية وفرض غزو ثقافي وواقع استعماري على بلد محتل لكن بأقل الخسائر وبتحقيق المزيد من المكتسبات، ومع ذلك يمكن لنا أن نعكسها (أي المقولة) على المشهد السياسي والحزبي الراهن ببلادنا، خاصة وأننا لا زلنا نعيش تحت وطأة التباينات الصارخة ما بين مناطق تعرف حركية سياسية ودينامية حزبية ملموسة (المغرب النافع) مقابل مناطق أخرى، وهي كثيرة جدّاً، تفتقر إلى ذلك بسبب غياب الفاعل السياسي عنها (المغرب غير النافع). إن فضولنا البحثي خاصة في المجال السياسي والحزبي يجعلنا نطرح أسئلة كثيرة بشأن هذا الفراغ الذي يسجل على نطاق مختلف المستويات الترابية للكيانات السياسية وضعف تغطيتها لها، وهذا الأمر لا يقتصر فقط على معظم القرى بل وحتى المدن بما فيها تلك التي عرفت ظهور ونشأة أولى الأحزاب السياسية ببلادنا. ومن تم، تطرح استفهامات عدة حول الأسباب الموضوعية التي تكمن وراء هذا الغياب أو على الأقل ضعف تغطية الأحزاب السياسية لمختلف هذه المجالات الترابية. وفي محاولة لتفسير أسباب الظاهرة، قد نعتبر - ضمن فرضيات البحث- أن الموارد المالية تشكل إكراهاً أمام الأحزاب حتى يمكن لها التموقع بجانب المواطنات والمواطنين والتواجد بالقرب منهم من خلال إنشاء فروع لها سواء جهوية، إقليمية أو محلية، ومن تم، تكون بمقربة منهم والتفاعل معهم بشكل مباشر ومستمر، لكن هذا المبرر في تقديرنا ليس كافياً للقول جزماً بأنه يشكل بالفعل عائقاً حقيقياَ يحول دون قيام الفاعل السياسي بأدواره المنوطة به، ودليلنا في ذلك ما تتلقاه الأحزاب السياسية من موارد مالية مهمة من الدولة سواء عند خوضها لكل استحقاق انتخابي إما كمكافئة لها عن تغطيتها للدوائر الانتخابية التشريعية أو الترابية، أو عن نسبة تمثيليتها في مجلس النواب، أو عن مستوى إشراكها للنساء في لوائح ترشيحاتها، أو عند قيامها بأنشطتها. بل إن اهتمام الدولة بالأحزاب السياسية ودعهما لها مالياً أضحى حاضراً وبقوة وشغل اهتمام أعلى سلطة في البلاد وهي الملك، عندما دعا أمام أعضاء مجلسي البرلمان، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية العاشرة يوم 12 أكتوبر من سنة 2018، إلى الرفع من الدعم العمومي للأحزاب، مع تخصيص جزء منه لفائدة الكفاءات التي توظفها، في مجالات التفكير والتحليل والابتكار. هو ما تمت ترجمته على مستوى التشريعات المؤطرة للأحزاب السياسية وكذلك لمجلس النواب وأيضاً من خلال المراسيم التطبيقية والقرارات المتصلة بها. فمثلاً عندما نتفحص المجال التنظيمي، نجد أن الدولة قد خصصت ما قدره 160مليون درهم كمساهمة كلية منها في تمويل الحملات الانتخابية التي تقوم بها الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات العامة لانتخاب أعضاء مجلس النواب ليوم 8 شتنبر 2021، و180 مليون درهم كمبلغ كلي لمساهمتها في تمويل الحملات الانتخابية التي تقوم بها الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات العامة الجماعية والانتخابات العامة الجهوية المقرر إجراؤها يوم 8 شتنبر 2021، منها 100 مليون درهم برسم الانتخابات العامة الجماعية مقابل 80 مليون درهم برسم الانتخابات العامة الجهوية. أما فيما يتعلق بمشاركة الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية في انتخاب أعضاء مجلس المستشارين، فقد حددت مساهمة الدولة لها في مبلغ كلي يقدر ب20 مليون درهم، يوزع على أساس 12 مليون درهم لفائدة الأحزاب السياسية و8 ملايين للمنظمات النقابية، أضف إلى ذلك مصادر التمويل الأخرى والتي نص عليها التشريع المغربي من واجب الانخراطات وهبات ووصايا وتبرعات وغيرها. ولا شك أن هذه المبالغ سواء المرصودة من المالية العمومية أو المتأتية من مصادر تمويل أخرى، تعتبر جد مهمة لتمكين الأحزاب السياسية من القيام بأدوارها حتى تكون أكثر قرباً من المواطنات والمواطنين وإنصاتاً لهم وتجويد أدائها وتحديث أساليب اشتغالها للاستجابة لمتطلبات العصر ومن بينها التحديث السياسي، خاصة وأنه من بين هذه الأموال هناك أموال عمومية جزء منها يتأتى من الضرائب التي تجبيها الدولة من الأشخاص الذاتيين والاعتباريين، ومن تم، فلا بد وأن يظهر أثرها ووقعها الإيجابي على الفعل السياسي وكذا الحزبي بشكل ملحوظ. وبذلك، تبقى فرضية الإكراه المالي لدى الأحزاب السياسية ضعيفة إلى حد ما بالنظر إلى الاعتبار سالف الذكر، لتبرير عدم تغطيتها للنطاقات الترابية من خلال وجود فروع لها على هذه المستويات، وبالتالي تواجدها المستمر بجانب المواطنات والمواطنين والإنصات إليهم وتعبئتهم وتنشئتهم سياسياً ولعبها لدور الوساطة كما يجب أن تلعبها. أما الفرضية الثانية، والتي تعد في تقديرنا من الفرضيات القريبة جدّاً إلى الصواب، وهي أن الأحزاب السياسية ببلادنا لم تقطع مع الممارسات القديمة والتي أصبحت بحكم السياقات والظروف التي نعيشها اليوم متجاوزة، خاصة في علاقتها بالمواطنات والمواطنين بالرغم من كل الاصلاحات الدستورية والتشريعية التي أقدم عليها المغرب في مجال التأطير القانوني للعمل الحزبي والمجال السياسي ككل والارتقاء بهما، وكذا المكتسبات التي حققتها في ظل هذه الإصلاحات. فهي لا تبحث في الواقع إلا عن النتيجة، وهي السعي نحو نيل أصوات الناخبين وكسب ثقتهم، ومن تم الوصول إلى المقاعد الانتخابية وممارسة السلطة ومهام التمثيل، بغض النظر عن طبيعة الوسائل التي تلجأ إليها ومنهجيات الاشتغال التي توظفها للوصول إلى هذه الغايات. فباستحضار مضامين الفصل 7 من الدستور، نجد مقتضيات مهمة تنص على أن الأحزاب السياسية تعمل على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية. فكيف يمكن والحالة هاته القيام بهذه الوظائف كما نص عليها الدستور والفاعل السياسي لا زال متشبتاً بثقافة مترسخة في فكره، أقل ما يمكن القول عنها إنها أصبحت اليوم متجاوزة ولا تخدم بأي حال من الأحوال العمل السياسي والارتقاء به إلى ما هو أحسن، ولا إلى توطيد الصرح الديمقراطي، وتحقيق الانتقال الذي ننشده جميعاً. إن الدكاكين الانتخابية، والتي تعبّر عن هذا التواصل المتقطع والمحدود زمانياً ومكانياً، وعن تلك الفضاءات الضيقة التي لا تسمح بربط علاقات قوامها الديمومة والثقة المتبادلة وكذا خدمة الصالح العام، تعد ممارسة مشينة للعمل الحزبي وللفعل السياسي، بل إنها تعد انتكاسة حقيقية وترهل للكيانات السياسية ووجه من أوجه معيقات التحديث الحزبي والتنمية السياسية كما صاغها مجموعة من رواد ومفكري علم السياسة والاجتماع. كما لا يمكن لهذه الدكاكين أن تكون بديلاً عن البنيات المؤسساتية الترابية الحزبية سواء كانت جهوية، إقليمية أو محلية، والتي لا يخلو أي قانون أساسي لحزب مغربي من التنصيص عليها في متنه، على اعتبار أنها تبقى الأداة الفعالة للقرب والتواصل السياسي مع الهيئة الناخبة، ولا أن تحل، لأي اعتبار كان، محل هذه الأخيرة ما دامت خلفيات إحداثها لا تعدو سوى تسويق سياسي كاذب لصورة الحزب، وإخفاء حقيقة مرة في سجل الأحزاب ببلادنا وهي أن الفاعل السياسي لا يبحث اليوم إلاّ عن تحقيق مقاصد وغايات يغيب فيها النبل والأخلاق، ويحضر فيها بقوة النزوع نحو الذاتية المفرطة والمصلحة الشخصية، وهذا ما يحول دون تحقيق التحديث الحزبي والتنمية السياسية المنشودين ببلادنا.
وخلاصة القول، إن الاحزاب السياسية مطالبة، أكثر من أي وقت مضى، باستعاضة أساليبها القديمة والمتجاوزة بممارسات فضلى وسليمة خاصة في طريقة اشتغالها وكيفية تواصلها وتفاعلها مع الجسم الانتخابي بشكل يساهم في محو الهوة التي أصبحت شاسعة بينها وبين المواطنات والمواطنين.