لا بدّ من وقفة عند الأيام العشرة الأخيرة من شهر شعبان، فشهر شعبان أهمّ من شهر رجب، خصوصًا آخر شهر شعبان أهمّ من أوّله، وإذا لم يوفق أحدنا لخيرات شعبان المباركة، فلا أقلّ من اغتنام فرصة العشر الأواخر، التي يمكن فيها تدارك ما فات. إنّ شعبان مضى أكثره، وهذا آخر عشرة أيام فيه فتدارك فيما بقي منه تقصيرك فيما مضى منه وعليك بالإقبال على ما يعنيك وترك ما لا يعنيك، وأكثر من الدعاء والاستغفار وتلاوة القرآن، وتب إلى الله من ذنوبك ليقبل شهر الله إليك وأنت مخلص لله عز وجل ولا تدع أمانة في عنقك إلا أديتها، ولا في قلبك حقدًا على مؤمن إلا نزعته، ولا ذنبًا أنت مرتكبه إلا أقلعت عنه، واتق الله وتوكل عليه في سر أمرك وعلانيتك. (ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرًا)، وأكثر من أن تقول فيما بقى من هذا الشهر "اللهم إن لم تكن قد غفرت لنا فيما مضى من شعبان فاغفر لنا فيما بقي منه، فإن الله تبارك وتعالى يعتق في هذا الشهر رقابًا من النار لحرمة شهر رمضان، وطبيعي أن يكون الهاجس الذي يعيشه المؤمن في هذه الأيام المتبقية كيف يتدارك فيما بقي من شهر شعبان تقصيره فيما مضى؟ وفي هذا توجيهات عدة يمكن اعتبار الأول منها عنوانًا لكل ما ينبغي فعله، لا في شعبان وحده، بل في كل وقت، فلا أقل من أن نعوِّد أنفسنا الانصراف عما لا يعنينا في أيام هي على أبواب أفضل الشهور، فلعل وعسى، كما يمكن اعتبار الثاني والثالث والرابع مقدمات التوبة، فإنها تلين القلب وتستصلحه ليصبح مستعدًا لتقبل بذرة توبة صادقة نصوح ويتحقق الإكثار من الدعاء والاستغفار بالإكثار من قول "أستغفر الله"، وأنّ من صيغ الاستغفار في شعبان"استغفر الله وأسأله التوبة" أو: استغفر الله الذي لا إله إلاّ هو الرحمن الرحيم الحيّ القيوم وأتوب إليه" سبعين مرة يوميًا، ويبدو في ضوء بعض الروايات أن "الإكثار" يتحقق بعدد مائة، والزيادة نور على نور. كما أن الثواب يكون كبيرًا فيها لقراءة كتاب الله تعالى، وأما التوبة وهي بيت القصيد، فينبغي التنبه إلى أن فترة الأيام العشرة الأخيرة من شعبان
موسم استثنائي لقبول التوبة، فلنغتنم فرصتها السانحة.
حثَّ أئمّة أهل البيت في الرّوايات الواردة عنهم، على إحياء الأيّام الفضيلة في شهر شعبان، ولا سيّما العشر الأواخر منه، لما لذلك من فضل كبير، وأجر عظيم كتبه الله للمؤمنين، فتدارك فيما بقي تقصيرك فيما مضى منه، وعليك بالإقبال على ما يعني، وأكثر من الدّعاء والاستغفار وتلاوة القرآن، وتب إلى الله من ذنوبك، ليقبل شهر رمضان إليك وأنت مخلص لله عزّ وجلّ، ولا تدع أمانةً في عنقك إلّا أدّيتها، ولا في قلبك حقدًا على مؤمن إلّا نزعته، ولا ذنبًا أنت مرتكبه إلّا أقلعت عنه.
واتقّ الله وتوكّل عليه في سرائرك وعلانيتك {وَمَنْ يَتَوكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ اِنَّ اللهَ بالِغُ اَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَىء قَدْرًا}.
وأكثر من أن تقول فيما بقى من هذا الشَّهر: اَللّهُمَّ اِنْ لَمْ تَكُنْ غَفَرْتَ لَنا فيما مَضى مِنْ شَعْبانَ، فَاغْفِرْ لَنا فيما بَقِيَ مِنْهُ، فإنّ الله تبارك وتعالى يعتق في هذا الشّهر رقابًا من النّار لحرمة هذا الشّهر"، الّتي تعلمنا أن نتدارك الوقت بالخيرات، ونكثر من قراءة القرآن والدعاء بروح منفتحة واعية، وأن نتوب من الذّنوب بصدق، ونؤدّي الأمانات إلى أهلها كما أمرنا تعالى، وأن نتوكّل على الله وحده ونتّقيه في كلّ صغيرة وكبيرة، وأن نسعى جدّيًا في سبيل طلب المغفرة والعفو والرّحمة.
وها هو شهر شعبان قد اقترب العشر الأواخر منه، فلنستغلّ هذه الفرصة بالصّيام والدّعاء وطاعة الله، حتّى ندخل شهر رمضان ونحن على أتمّ الاستعداد الرّوحيّ لهذا الشّهر الفضيل.