دعنا نتحدث بشكل أكثر منطقية، و لنحاول تتبع أحداث الانهيار العالمي الجديد لاقتصاد ما قبل كورونا، و حاول أن تفهم معي أنني لا أنكر وجود الفايروس، فهو حقيقة غير طبيعية، و لا يمكنني الجزم إلا بذلك، وفي مقالاتي السابقة و المنشورة بجرائد مختلفة، تطرقنا لمواضيع مختلفة مرتبطة بالتحول العالمي الجديد بسبب مرض كورونا نهاية سنة 2019، هذه السنة التي تعتبر نهاية عشريتين كاملتين من التحول الاقتصادي و الجيوسياسي و العسكري، الذي خلفه سقوط برجي التجارة العالميين، بالولاياتالمتحدةالأمريكية في 11 سبتمبر 2001، هذا التحول الذي بدأ بإرهاصات فانتازم نهاية العالم، و الترقبات المحتملة اقتصاديا لتحول نظام العالمي اقتصاديا، لكن الحال كانت أن العالم لم يكن مستعدا آنذاك للانقلاب الاقتصادي بشكل فوري، فكان لابد أولا من تهييء الوضع سياسيا و جيوعسكريا بتغيير الخريطة السياسية في الشرق الأوسط الذي يمثل أكبر وجهة استهلاكية للعالم المنتج، و لا يمكن أن نقف عند حدود ترتيب أوضاع الشرق الأوسط دون أن نتكلم عن ترتيب أوضاع التحالفات الآسيوية، و تسوية الصراعات بين الحلقات الكبار للإنتاج و الاقتصاد بالعالم، بآسيا و أوروبا و أمريكا، فتقوية الوجود الأمريكي بالشرق الأوسط بعد 11 سبتمبر، بعد حروب الاسترداد الجديد التي انطلقت بعد الهجمات، تؤكد أن تواجد الولاياتالأمريكية و حلفائها بالشرق الأوسط و الشرق الأدنى، و أفريقيا فيما بعد تحت حجة الحركات الإرهابية، التي أصبحت حركات عالمية، وجر تتبعها بجميع الأقطار، من طرف أمريكا وحلفائها، لم يكن لغايات رد الاعتبار العسكري لهجمات مدبرة، أو محاربة للإرهاب، بل كان لأهداف اقتصادية بحثة، وهي السيطرة على أهم المناطق ذات الثروات الطبيعية التي يمكن أن تستغلها الصين، و التحالف الآسيوي الممتد، المعارض للنظام العالمي بقيادة الولاياتالمتحدة، فهو تحصين للمكتسبات الاقتصادية و الاستهلاكية للولايات و حلفائها، بالمنطقة التي تمثل أكبر نسبة عدد من المستهلكين النشيطين، غير المنتجين، و الذين يمثلون أعلى نسبة للشعوب الواعية وعيا استهلاكيا، و القادرة ماديا أيضا على الاستهلاك، دون أن تكون قادرة على الانتاج. هذا التمهيد للتحول الاقتصادي الجديد، تبعه تحول آخر عبر تمهيد آخر جاء للتخلص من أنظمة تعرقل السياسات الجديدة للولايات المتحدة و حلفائها، و فعلا كان هذا التمهيد بعد عشر سنوات بالضبط من أحداث 11 سبتمبر 2001، و التي سميت بالربيع العربي، و الثورات الشعبية ضد الحكومات، سنة 2011، و التي لم تقف في الشرق الأوسط، بل امتدت بشكل منهجي، دعمته كل وسائل الاتصال و التواصل السمعية و البصرية، من إعلام عالمي، عربي وغربي، خصوصا مواقع التواصل الاجتماعي الحديثة...ألخ، خصوصا "تويتر" و "فيسبوك" الذين عملا عملا ممنهجا في حقن الشعوب بأدرينالين الثورة، و لا تستغرب إذا علمت أن إرهاصات التحول الجديد، في النظام العالمي، بدأت بشكل ممنهج متتابع، عبر إصدار منصة "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي الموجه لجميع الطبقات، في 4 فبراير، سنة 2004، و منصة "يوتوب" لتحميل المقاطع المصورة، بعد سنة بالضبط في 14 فبراير سنة 2005، و موقع التواصل "تويتر" الموجه للنخبة، بعده بسنة أيضا بالضبط، سنة 2006، و هذه هي المواقع التي ساهمت في التحول الاقتصادي الجديد، و ظهور " الاقتصاد الرقمي"، و ساهمت معطيات في تأجيج هذا الوضع، و التخلص من أنظمة تبعية بالية، مخلصة للبيروقراطية التقليدية، التي أرادت حكومات النظام الجديد إزاحتها، للاستفادة من عدم استقرار أوضاعها سياسيا، و التحكم فيها بشكل أكبر عبر تولية رؤساء أشد خضوعا، و أكثر امتثالا للتصور الجيوسياسي للمنطقة، بعين أمريكية بحثة، قطعا من النفوذ الروسي و الصيني، بالسياسات القديمة لدول التأثر المزدوج بالحرب الباردة، و خلق أنظمة سياسة جديدة، موالية بشكل واضح للنظام الأمريكي الجديد، و قد تنبهت دول لهذا الصراع المفتعل و تدخلت في الحرب العالمية الاقتصادية التي قادتها الولاياتالمتحدة منذ 2001، لتحصين مكتسباتها بالشرق و أفريقيا، و احتدم صراع الغرب و الشرق بسوريا و ليبيا و اليمن إلى الآن، بعد أن حسمت أمريكا صراع الحرب الباردة في مصر و تونس و شمال أفريقيا عموما و أفريقيا لصالحها و صالح حلفائها، و الذي أصبح مارد الشيوعية القديمة جزءا منه، مضطرا، بل ومساهما فيه لعدم قدرته على كبح جماح تقدمه السريع، ليقف الصراع في العشر سنواتذ الأخيرة بشكل أكثر حدة بين النظام الاقتصادي الأمريكي و التمدد الصيني، الذي استغل فجوة الصراع بين الشرق و الغرب التقليدي ليصعد للمشهد الاقتصادي العالمي الجديد، كثاني قوة اقتصادية شيوعية، مواصفات رأسمالية. و بعد عشر سنوات بالضبط من هجمات ثورات الشرق الأوسط أيضا سيتم الانتقال للخطة رقم 3، من تحصين المكتسبات العالمية الاقتصادية، و بناء النظام الاقتصادي العالمي الجديد، هذا النظام الذي يتمثل كما أشرتُ سابقا، في بناء نظام "اقتصاد رقمي جديد" و قد بدأت إرهاصاته منذ ظهور مواقع التواصل الرقمي الاجتماعية التي أصبحت واجهة للإعلانات التجارية و منصة شبه رئيسية للعرض و الطلب، و البيع و الشراء، و معها تم خلق وسيلة جديدة للتعامل التجاري، بدل الطريقة التقليدية المتمثلة في العملات النقدية الورقية، و التحويلات البنكية المتعمدة على قيمة الذهب، و بشكل تجريبي تم إصدار عملة نقدية رقمية بقيمة تقريبية، سميت "البيتكوين" سنة 2009، هذه العملة التي ستعرف نجاحا بعد عشر سنوات أيضا، لتصبح قيمتها تقارب 265.008,37 درهم مغربي، هذه العملة المجهولة الهوية، و الصانع، والتي سُجلت تحت اسم رمزي غير معروف "ساتوشي ناكاموتو" و يكفي مرجعية الاسم جغرافيا لمعرفة مصدر هذه العملة، هذه الأخيرة التي تعمل بصيغة peer-to-peer، أو مبدأ للند للند، دون مراعات للإجرات البيروقراطية و المعاملات الورقية بين البائع و المشتري، فيكفي تحويل رقم تسلسلي بقيمة معينة، دون بيانات للبضاعة و نوع السلعة، و تحديد لقيمتها المادية ومصدرها، ما جعل الآلاف من التجار اليوم يعتمدونها في معاملاتهم الرقمية، فهي عملة تساهم في تجارة "الديب ويب" و عالمية التجارة في الممنوعات و التخلص من إشكالية تبييض الأموال، وغير ذلك كثير... إلى جانب أن تقنينها قد يصبح بين ليلة وضحاها لتعتمد رسميا في المعاملات التجارية و الاقتصادية مستقبلا .. و اليوم بعد عشر سنوات من ظهور مواقع التواصل الرقمي، يجد العالم نفسه أمام عملية التطبيق الفعلية للتحول العالمي الاقتصادي الجديد، و القطع مع طرق الاقتصاد التقليدي، فإخراج فايروس عالمي للوجود، ينتشر بالمعاملات المباشرة، يعني أننا أمام إشكالية تجارية اقتصادية بحثة، في نظام المعاملات التقليدية، و تهديدا لاستقرار الحياة الاقتصادية للناس، ما يعني إيجاد بديل، خصوصاً أن الفايروس المفتعل، فرض الحجر الصحي العالمي، و القطيعة المؤقتة للمعاملات التجارية، و هذه نكسة ما بعد الصحوة، إذ كان لابد من هذه العملية لأهداف استراتيجية أهمها الإطاحة بقيمة الذهب، و قيمة الأموال التقليدية، أعني ضرب عملات نقدية محددة، أما الدولار فقد عرف ارتفاعا بسبب سيطرة الشركات الأمريكية الرقمية على الوضع الاقتصادي إبان الحجر الصحي، فارتفعت نسبة أسهم شركات رقمية عديدة، و أصبحت "أمازون" و "علي بابا" اللتين تمثلان التوجه الاقتصادي العالمي الجديد بين أمريكا و الصين، هي السائدة في هذه الفترة، بقيمة أرباح جعلت "جيف بيزوس" رئيس شركة أمازون أغنى رجل بالعالم السنة الماضية، قبل أن يتجاوزه رجل العهد الجديد و الصناعات الرقمية و الإلكترونية المستقلبية " إيلون ماسك" بقيمة تجاوزت 200 مليار دولار!!
إن سياسة خلق فايروس يضطر الشعوب لعدم استعمال التواصل الطبيعي، واابقاء في بيوتهم بعيدا عن قضاء واقتناء حوائجهم الضرورية ولو مؤقتا، هو سياسة ستمتد لسنوات، لتثبيت معالم النظام الاقتصادي الرقمي الجديد في جميع المعاملات والأنظمة، و السياسات، بما فيها الحياة الاجتماعية و التربوية و الإدارية، فالتطبيقات ستغدو رسميا بديلا عن المتاجر التقليدية، و الهاتف بديلا عن المحافظ و النقود، و ستقل المدارس والجامعات و الإدارات لأنه لا حاجة لإدارات كثيرة و تأخذ مساحة كبيرة من الأرض، لقضاء غرض يمكن قضاؤه رقميا، إنها عملية تقليص لعملية استغلال المساحات و توفير لأكبر قدر من الأرض الصالحة للسكن، و للاستثمارات المستقبلية و الثروات، و لا أخفيكم الخطر الكبير، من التحول الرقمي، الذي قد يعتمد في الاجتماعات و الجلسات السرية للدول، و الذي رغم سريته قد يخضع للاختراق من طرف الجهة التي مهدت من الأول لهذا التحول، فالسيطرة اليوم على أنظمة التواصل الرقمي، يعني عالما افتراضيا يتحكم في العالم الواقعي، بل شعوبا افتراضية، يتحكم بها نظام رقمي، أو قل : شعوب تعيش في عالم افتراضي، وتتعامل بشكل افتراضي، أي مشاعر افتراضية و حياة افتراضية...