الصراع المفتعل الذي فرضه النظام الجزائري على المغرب ليرهن به المنطقة ويعطل المشاريع المغاربية قرابة نصف قرن من الزمن ، لم يجن منه هذا النظام أية مكاسب سوى أنه تسبب للشعب الجزائري الشقيق معاناة كبيرة راح ضحيتها جيلان من هذا الشعب. فالمواطن الجزائري الذي ولد عام 1975 اليوم عمره يطل على خمسين عاما عاش مع هذه الأزمة التي لا تعنيه في شيء وهو طفل، وعاش معها وهو شاب عاطل محروم، وها هو اليوم يكابد السنوات بعد أن أصبح مثقلا كأب وكمسؤول على عائلة بأعباء لم يوفر له النظام الجزائري الظروف الملائمة لكي ينهض بها. لكن خير ما فعله رجال هذا النظام لأنفسهم هو ذاك الخير الذي عاد عليهم وعلى ذويهم بالنفع العميم، فيما بقي الشعب الجزائري عرضة للفقر والتهميش، والحال أن الجزائر تعتبر من أغنى دول العالم من حيث الثروات الطبيعية. وأجزم أن الأموال الجزائرية المهربة إلى الخارج وأن ما صرف على حركة انفصالية لمضايقة المغرب كان كل ذلك على حساب القوت اليومي للشعب الجزائري الشقيق الغارق حد الثمالة في الحرمان. وكذلك أجزم أن ما تزخر به الجزائر من ثروات طبيعية من نفط وغاز وأراضي خصبة للزراعة كان كل ذلك من الممكن أن يجعل من هذا البلد منارة للتقدم والازدهار ونموذجا تنمويا في مشارق الأرض ومغاربها. لكن ما ابتلي به الشعب الجزائري من طبقة حاكمة فاسدة فوتت الفرصة عن هذا البلد بكامله حتى يكون على موعد مع التاريخ ومع المستقبل. فطوال ما يقارب ستين عاما أي منذ أن أنشأ الاستعمار الفرنسي دولة الجزائر، وقادتها تملكتهم عقدة إثبات الذات أمام المغرب كبلد عريق، وأصبح هاجسهم هو هاجس الريادة في المنطقة. ومن أجل ذلك راهنوا منذ ولادتهم على خيار خاسر وهو إضعاف المغرب، بيد أن العكس هو الذي كان ينبغي أن يحصل بمعنى أنه عوض إرهاق النفس في البحث عن كسر شوكة هذا البلد الضارب في القدم، كان على النظام الجزائري في إطار تحقيق حلم الزعامة أن يعتني ببيته الداخلي وأن يهتم بأحوال شعبه وأن ينهج سياسة تنموية شاملة لتطوير قدرات وطاقات الجزائر وهي طاقات يزخر بها الأشقاء الجزائريون . لكن الظلم والاستبداد ونظام الثكنات لم يسمح بتطوير تلك الطاقات، وبالتالي فاته الركب ولن يتحقق له ذلك الحلم لا لشيء سوى أن القوة تكمن اليوم في تكتلات إقليمية لا في الدولة القطرية. وكان من المفروض أن نشاهد في الوقت الراهن جزائر متطورة في مختلف المجالات وأن نعمة الازدهار يفترض فيها أن تكون بادية للعيان كما نراها اليوم في دول الخليج . فالثروة في الجزائر هي نفسها الموجودة في الإمارات العربية المتحدة لكن وضعية المواطن الإماراتي أو الخليجي بصفة عامة ليست هي تلك الوضعية المزرية للمواطن الجزائري التي تثير الشفقة والرحمة. ومرد هذا التباين في المستوى المعيشي يعود إلى طينة الطبقة السياسية التي تحكم البلاد في الجزائر وهي طبقة فاسدة وحقودة حتى على شعبها وعدوة له، بينما الطبقة الحاكمة في الخليج استطاعت أن تواكب تطورات العصر وأن تواكب التكنولوجيا الحديثة لخدمة شعوبها حتى تنعم في بحبوحة من العيش كما هي عليه اليوم. ولأن النظام الجزائري في ورطة أمام شعبه يحب كعادته أن ينهج سياسة التمويه ويسوق أزماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية على أنها تواطؤ من الخارج مثلما كان يفعل دائما مع المغرب وما زال، ها هو اليوم بعد فشل مخططاته في حشد التحالف ضد المغرب، يهاجم الدول الخليجية عبر أبواقه الإعلامية التي تشن هذه الأيام حملة مسعورة على أقطار ذنبها الوحيد أنها أبانت عن تضامنها مع المغرب. ففي الوقت الذي كان يتوهم فيه هذا النظام أنه قد استطاع أن يعزل المغرب عن حلفائه الطبيعيين صعق وأصيب بخيبة كبيرة لما وجد نفسه يركد وراء سراب. وكانت ردة فعله تهديدا ووعيدا لأولئك الذين اعتبرهم الإعلام الجزائري بأنها دويلات صغيرة يحكمها بدو، وأن هذه الدويلات ليس لها مستقبل، حسب تلك الأبواق الإعلامية الجزائرية، وأنها معرضة للانقراض بانقراض ثروات النفط. وهذا وهم من أوهام النظام الجزائري. وكذلك، لأن النظام العسكري متخلف فطبيعي أن يكون إعلامه بحكم الارتباط مسايرا لحماقاته. ونؤكد لتلك الأبواق متى كانت البداوة رمزا لهذا الذي تتهمون به دول الخليج، بل على العكس من ذلك فالبداوة هي رمز للإباء والشموخ والأنفة وعزة النفس. أن أكون بدويا متواضعا قريبا من أبناء شعبي افضل بكثير من أن أكون قائد ثكنة عسكرية متسلط يتحكم في البلاد والعباد. فهل الحداثة عند هؤلاء الحكام هو البنطلون الفرنسي أم هي مواكبة تطورات العصر بكل مستلزماته، كما يفعل المغرب وحلفاؤه الخليجيون . والنتائج اليوم مبهرة تتحدث عن نفسها بالأرقام بخصوص المسيرة التنموية. هؤلاء البدو، كما تزعمون، يأخذون بناصية العلم في العديد من المجالات، وقد استطاعوا أن يلجوا عالم الطاقات المتجددة وعالم التكنولوجيا المتطورة، وهم يعلمون جيدا أن ذلك هو الرهان الذي يجب الوثوق به في بناء مستقبل واعد لمرحلة ما بعد النفط. أما الجنرالات في الجزائر هم الذين أخلفوا الموعد مع الحدث ومع المستقبل ومازالوا يركنون إلى آليات تقادمت في القطاع البنكي وفي البنى التحتية وغيرها. وكذلك على مستوى الدخل الفردي، نجد دخل المواطن الخليجي أضعاف مضاعفة لدخل المواطن الجزائري. وأنماط العيش في دول الخليج أنماط تبعث على الرفاه، ونمط العيش لدى المواطن الجزائري يثير الشفقة والرحمة، مع العلم أن الدخل الإجمالي لدولة الجزائر يعادل أو يزيد عن دخل الدول الخليجية. لكن النهب والتهريب في الجزائر هو الذي يحدث هذه الفوارق وهذه التفاوتات في المعيش اليومي للإنسان الخليجي ولشقيقه في الجزائر. كما أن صدمة النظام الجزائري لن تتوقف عند حدود التضامن الخليجي مع المغرب والاعتراف الفعلي بمغربية الصحراء، بل قد يتجاوزه في المستقبل بالشكل الذي سوف يزيد من سعار النظام الجزائري بجرعات أكثر ما هو عليه حاليا. ويخطأ حكام الجزائر إذا كانوا يعتقدون أن العلاقات المغربية الخليجية محكومة بمواقف معينة في هذه القضية أو تلك أو تتوقف عند وجود مصلحة ما، بل هي قائمة على منظومة من المفاهيم والقيم تتميز بالديمومة والاستمرارية في البقاء والوجود. فالمغرب جزء من المنظومة الخليجية وكذلك الدول الخليجية جزء من منظومة الأمة لمغربية. ويحق فيهم ما جاء في الحديث النبوي لشريف " مثل المومنين في توادهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". وإذا كان النظام الجزائري يعتقد أن سقف هذا التضامن هو فتح قنصليات خليجية وعربية في الصحراء المغربية فهو كذلك واهم. الأمر أكبر من ذلك، فاهتمام الأشقاء بأقاليمنا الجنوبية يندرج في سياق أفق واسع وسياسة شاملة ترمي من جملة ما ترمي إليه هو المشاركة والإسهام في المزيد من تنمية أقاليمنا الصحراوية تنمية شاملة وتطوير المنطقة من خلال استثمارات واعدة تغطي مختلف المجالات لتعود على ساكنة الأقاليم الجنوبية بالنفع العميم.
وما دام مستقبل المنطقة واعدا، فإنه من المفترض أن يكون هذا الوضع محفزا لأبناء المنطقة للانخراط في هذه العملية التنموية للأقاليم. والدعوة في هذا الشأن موجهة إلى أشقائنا المحتجزين في مخيمات الذل والعار الذين يكابدون ظروف اجتماعية مزرية في تلك المخيمات من فقر مدقع وحرمان من أبسط مقومات العيش الذي يليق بآدميتهم. ونقول لهم لا تراهنوا على قيادة البوليساريو فإنها تتاجر فيكم لدى النظام الجزائري. فماذا حققت لكم هذه القيادة بعد خمسة وأربعين سنة من المعاناة. فهم يعيشون عيشة هنية في فلل وفنادق من خمسة نجوم، وأنتم تعيشون في المخيمات عيشة ضنكا . فاسألوا إخوانكم وأبناء عمومتكم في الأقاليم الجنوبية ليتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود. ولتعلموا أن النظام الجزائري لا يستخدمكم من أجل قضية نبيلة، إنما كورقة تجارية يريد بها من خلالكم مساومة المغرب. إنها المتاجرة بالبشر. وبعد أن أصبح النظام الجزائري في عزلة تامة حيث التزم حلفاءه الصمت غير المعهود كما هو الاتحاد الإفريقي، وبعد أن سقطت كل أوراقه وانكشفت كل ادعاءاته، باتت الفرصة أمامكم مواتية لتنتفضوا. فوطنكم في انتظاركم وأهلكم يترقبون عودتكم . فأهلا وسهلا بكم، وبالأحضان يا ذاك الوطن الغفور الرحيم.