الشرارة الأولى لهذه الحملة، انطلقت من مدينة الجديدة، التي عرف ملفها مفاجأ من العيار الثقيل، حيث أمر قاضي التحقيق لدى استئنافية مدينة الجديدة، بوضع 17 مشتبهاً فيهم رهن الاعتقال الاحتياطي، في بعض القضايا المتعلقة بالاختلالات التي عرفها تسيير المجلس الجماعي للمدينة خلال الفترة الممتدة ما بين 2004-2007، ومن بين المعتقلين في هذا الملف، رئيس المجلس السابق وشقيقاه، واثنان من الأعضاء السابقين والحاليين في ذات المجلس، كما قرر قاضي التحقيق اعتقال ثلاثة موظفين والمستفيدين من صفقة تنظيم المعرض الكبير للجديدة، وأصحاب المقاهي الشاطئية التي أقيمت في الفترة ذاتها على كرنيش المدينة، ومن بينهم عضو بجماعة مولاي عبد الله باقليم الجديدة. وقد استمر الاستماع لحوالي 60 شخصاً إلى حدود وقت متأخر من ليلة الخميس والساعات الأولى من صباح أمس الجمعة، حيث تم وضع 17 شخصاً رهن الاعتقال، فيما تم اخلاء سبيل الآخري، على أساس المثول أمامه مرة ثانية يوم الأربعاء 23 مارس الجاري. وتعود تفاصيل هذا الملف، إلى التحقيق الذي أجراه المجلس الأعلى للحسابات، قبل أن يتم عرض الأمر على النيابة العامة، التي أحالت الملف على الشرطة القضائية، التي استمعت إلى المعنيين، قبل إحالته على الوكيل العام، الذي أمر بدوره على إحالة الملف على قاتي التحقيق. ولعل من بين أهم ملاحظات المجلس الأعلى للحسابات، هو صرف مبالغ مالية عن صفقات لم يتم إنجازها، أو صرف مبالغ مالية أكبر من حجم ما تم انجازه، إضافة إلى منح تراخيص الاستفادة من احتلال الملك العام لمقاهي على الكورنيش دون مقابل. وبإقليم سطات، أمر قاضي التحقيق بالغرفة الثانية لدي محكمة الاستئناف يوم الخميس 17 مارس 2011 بإيداع الرئيس السابق ( المعزول ) لجماعة الخيايطة بإقليم برشيد وخمسة أشخاص آخرين بالسجن الفلاحي بسطات، ووضعهم قيد الاعتقال الاحتياطي.
كما تابع 12 آخرين في حالة صراح منهم موظفين وأعضاء سابقين وحاليين وممونين، وجاء قرار قاضي التحقيق بعد الاستماع التفصيلي الذي استمر حثي منتصف الليل بناء على ملتمس للوكيل العام للملك، بعدما قرر إصدار صك اتهام يتضمن "تبديد واختلاس أموال عمومية، واستغلال النفوذ وخيانة الأمانة".
وجاءت متابعة الرئيس المعزول لجماعة الخيايطة رفقة خمسة متهمين آخرين من ضمنهم مهندسين بنفس الجماعة بعد انتهاء الفرقة القضائية من مسطرة بحث تمهيدي شرعت فيه مند منتصف السنة الماضية . وسارت تحريات عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء ، بتعليمات من الوكيل العام للملك باستئنافية سطات، بناء على أمر من وزير العدل بخصوص تقرير المجلس الجهوي للحسابات ولجنة من المفتشية العامة بالإدارة الترابية، ووقفوا من خلالها على مجموعة من الاختلالات همت مجالات التسيير والتدبير المالي بالجماعة خلال الولاية السابقة، خصوصا تلك المتعلقة بصفقات تهيئة المسالك وتعبيد الطرق وما تضمنه التقريران من خروقات وصفت بالخطيرة على مستوى إنجاز الأشغال وتتبعها.
وحسب مصدر "لصحيفة الخبر"، فإن الوكيل العام ركز في تحقيقاته خلال جلسة الاستماع على مساءلة واستنطاق مجموعة من الموظفين وأعضاء، كلا حسب تخصصه، والمصلحة التي يعمل بها. وأضاف المصدر ذاته أن التحقيق شمل كلا من مصلحة الصفقات، مصلحة العتاد والمحروقات، مصلحة المداخيل، مصلحة المصاريف وبعض الملفات ذات الصلة بتقارير لجان التفتيش والمراقبة التي حلت بالجماعة التي يرأسها محمد بلخدير قبل عزله من قبل وزير الداخلية . ومن النقط التي وردت في تقرير المفتشية العامة بالإدارة الترابية لوزارة الداخلية، ما أسماها التقرير «تزوير مقررات المجلس»، حيث لاحظ مفتشو الداخلية «أن رئيس المجلس السابق قام بتزوير المقرر المتخذ من طرف المجلس أثناء انعقاد دورة استثنائية بتاريخ 17/07/2003 عوض 21/07/2003 كما يدعي الرئيس المعزول في إحدى مراسلاته الموجهة إلى السلطة المحلية»، ويتعلق الأمر بالمقرر الذي اتخذه المجلس القاضي بتحويل مبلغ 22 مليون سنتيم المخصص لإعانة المؤسسات الاجتماعية، لكن الرئيس ومن خلال مراسلته للسلطة المحلية بشأن طلب التحويل، حسب التقرير دائما، غير هذا المبلغ بمبلغ آخر يصل إلى 40 مليون سنتيم. وأضاف تقرير المفتشية العامة لوزارة الداخلية أن المجلس الجماعي للخيايطة قرر خلال دورته العادية لشهر فبراير، والمنعقدة بتاريخ 14/02/2000، شراء سيارتين، لكن الرئيس قام بشراء سيارة رباعية الدفع بتاريخ 05/04/2004 بثمن 343 ألف درهم عن طريق مسطرة تفاوض دون اللجوء إلى طلب عروض أثمان. وبمدينة ميسور، أصدر الوكيل العام للمدينة أمراً للشرطة القضائية بالاستماع إلى المدير الجهوي للمياه والغابات، ونائب رئيس المجلس الجماعي للمدينة، وثلاث موظفين بالبلدية ذاتها، وخمسة أعضاء بلجنة محلية مكلفة بالاشراف على صفقات قطاع المياه والغابات، ومقاولين اثين. وحسب مصادر قضائية فإن المتورطين في القضية، تواجههم تهم تتعلق بتزوير شهادات مرجعية تقنية، والمشاركة والتلاعب بصفقات عمومية. لعل هذه الملفات المرتبطة بتدبير الشأن المحلي، والتي أحيلت على القضاء، يعود الفضل فيها إلى بالدرجة الأولى، إلى التقارير التي تنجزها المجالس الجهوية للحسابات، وكذا تقارير لجن التفتيش التابعة لوزارة الداخلية، وهي التقارير التي تفضح المستوى الخطير الذي بلغه التدبير المحلي بالمغرب، والمتمثل في تبديد الأموال العامة، وأحياناً اختلاسها، غير أنها تبقى في حدود انجاز التقارير، إلا أن الملفات المعروضة اليوم على القضاء، بكل من سطات، الجديدة وميسور، ربما تؤشر على العد العكسي لنهاية زمن الافلات من العقاب ، وأن التوجهات العامة التي قدمها الخطاب الملكي لمغرب الغذ، قد تم الشروع في تنفيذها، قبل التنصيص عليها في الدستور المقبل.