كان الهدف من تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج بتاريخ 25 ماي 1981 هو تحقيق التنسيق والتكامل والترابط والتلاحم بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها وتعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات ، وتم اعتبار وحدة دول مجلس التعاون الخليجي هي أول وأنجح وأطول تجربة وحدة عربية تتم في العالم العربي . لكن إبان الربيع العربي ظهرت عدة صراعات بين دول المجلس في تعاطيها مع ثورات الشعوب العربية ، واستمرار هذه الصراعات والأزمات قد يعجل بانهيار هذا المجلس وتفكك دوله وتجميد نشاطه .
ويمكن إجمال أزمة مجلس التعاون لدول الخليج في نقطتين :
أولا : صراع دول مجلس التعاون الخليجي إقليميا .
فبعد ظهور الحراك الشعبي ( الربيع العربي ) بالعديد من الدول العربية سنة 2011 ، خاصة في مصر ، ليبيا ، سوريا ، اليمن ، والسودان مؤخرا ، طفت العديد من الصراعات في تعامل دول مجلس التعاون الخليجي مع هذه الأزمات ، خاصة بين قطر من جهة ، والسعودية والإمارات العربية المتحدة من جهة أخرى .
وتجلت أولى الصراعات بين الجانبين بوضوح في الحراك الشعبي المصري ، حيث دعمت قطر جماعة الإخوان المسلمين بزعامة مرسي ، بينما دعمت السعودية حكم حسني مبارك في بداية الثورة ، ومن بعده حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي ، وحتى في السودان مؤخرا
دعمت السعودية حكم العسكر ( البرهان ) ، بينما دعمت قطر التيارات الإسلامية السنية المناوئة له .
أما في ليبيا وسوريا فقد كان لهم نفس الهدف وهو إسقاط حكم كل من معمر القذافي وبشار الأسد بأي ثمن ، لكن كل دولة بأدواتها ووسائلها ، أي اتفقوا على إسقاط الهدف ، دون التحالف والتنسيق بينهما في ذلك .
أما في اليمن فرغم انضمام قطر إلى عاصفة الحزم بقيادة السعودية ، فإن تدخلها كان محدودا جدا مقارنة بالسعودية والإمارات ، ورغم مرور تقريبا خمس سنوات على الحرب في اليمن ، فإنها لم تحقق ما كان منتظرا منها ، بل فجرت أزمة صامتة جديدة بين الإمارات والسعودية، أدت بالإمارات الإعلان عن انسحاب جنودها من اليمن ، بينما فتحت السعودية قنوات الاتصال للتفاوض مع الحوثيين لإنهاء الأزمة .
أما علاقة دول مجلس التعاون الخليجي مع إيران وتركيا فتطبعها الكثير من التناقضات ، فقطر وعمان لهما علاقات جيدة مع الجار الإيراني والتركي ، بينما علاقات السعودية والإمارات والبحرين بالجار الفارسي والتركي يطبعها التوتر والتهديد والقطيعة .
ثانيا: انفجار الأزمة داخل مجلس التعاون لدول الخليج .
ظهرت بوادر الأزمة داخل المجلس الخليجي سنة 2014 ، حيث قامت كل من السعودية والبحرين والإمارات بسحب سفرائها من دولة قطر بسبب عدم التزام الدوحة بمقررات تم التوافق عليها سابقا بمجلس التعاون الخليجي ، وكذا اتهام السعودية والإماراتلقطر بعدم بذل ما يكفي لمكافحة الإرهاب ، وطرق تدبيره وتمويله ، وإعطاء جماعات العنف منابر فضائية للتعبير عن أفكارها ، إضافة إلى طبيعة علاقتها مع إيران .
وتطورت الأزمة بين دول المجلس في 5 يونيو 2017 إلى حد قطع العلاقات مع قطر وإغلاق المنافذ الجوية والبحرية والبرية كافة ، أي تطبيق الحصار الكلي على قطر ، حيث
صرحت السعودية في بيان لها أنه " منذ 1995 بذلت السعودية وأشقاؤها جهودا مضنية ومتواصلة لحث السلطات في الدوحة على الالتزام بتعهداتها والتقيد بالاتفاقات ، إلا أن هذه السلطات دأبت على نكث التزاماتها الدولية وخرق الاتفاقات التي وقعتها تحت مظلة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بالتوقف عن الأعمال العدائية ضد السعودية ، والوقوف ضد الجماعات والنشاطات الإرهابية ، وكان آخر ذلك عدم تنفيذها لاتفاق الرياض لعام 2014 " .
أما قطر فقد ردت عن أسفها للقرار ، وبأن الاتهامات مجرد أسباب مختلقة بدون مبررات شرعية ، والهدف منها فرض وصاية على سيادة قطر .
وظهرت في 2019 بوادر انفراج الأزمة بين قطر ودول مجلس التعاون الخليجي في القمة الخليجية المنعقدة بالسعودية بعد الوساطة الكويتية ، لكن سرعان ما انهارت المفاوضات بعد رفض السعودية فتح الحدود دون تعهدات قطرية جديدة .
كما قامت قطر في أبريل 2020 ، أي بعد مرور تقريبا ثلاثة أعوام على الحصار المفروض عليها ، بتجديد دعوتها لمجلس الأمن الدولي ، لإنهاء ما وصفته بالحصار الجائر وغير القانوني عليها ، واستعدادها لتسوية الأزمة " عبر الحوار " .
فمن خلال المحطات التي تم ذكرها يتبين أن الأزمة عميقة بين دول مجلس التعاون الخليجي تعود جذورها لعام 1995 ، وأن دول المجلس غير مستعدة لحل الأزمة إن لم تفي قطر بتعهداتها ، كما أن السعودية بدورها غير مستعدة لحل الأزمة خاصة بعد انفجار أزمة صامتة أخرى بين السعودية والإمارات العربية ، وقيام هذه الأخيرة بسحب جنودها من اليمن وفتح قنوات التواصل مع إيران .
إن الأزمة الخليجية لا يبدو حلها قريبا . وما الصرخة التي أطلقتها قطر بمجلس الأمن مؤخرا إلا تأكيد على استمرارها في ظل تشبث كل دولة بمواقفها ، وأن الصرخة القطرية لا
ندري أهي صرخة استسلام أم هي صرخة مكابرة وإعلان بموت سريري لمجلس التعاون لدول الخليج العربية .