لقد مرت حوالي ازيد من شهرين على بداية فيروس كوفيد19 لأول مرة ببلادنا والذي تحول الى وباء ثم جائحة بعد ان أصبح عابرا للقارات ولا يعترف بالحدود وتسبب في خسائر بشرية جسيمة خاصة في صفوف المسنين والمصابين بامراض مزمنة. لقد ادت جائحة كورونا الى حدوث شلل شبه تام لعجلة الاقتصاد العالميةفضلا عن عموم قطاعات الاقتصاد الوطني وهو ما ادىالى فقدان ملايين الأشخاص لوظائفهم وارتباك الاوضاع الحياتية لملايين أخرى الى جانب تعطل مختلف المؤسسات التعليمية التربوية وتبنيها للتعليم عن بعد عوض الحضوري. وفي خضم تلك الاوضاع المضطربة ،لوحظ أن هناك أطراف تعاطت مع كورونا من زاوية انسانية واضعة كل الاعتبارات والحسابات والمصالح السياسيةجانبا في حين أطراف أخرى تعاطت مع جائحة كورونا من زاويةاقتصادية وسياسية وراحت تحاول تحقيق مكاسب على حساب الآخرين.وتعتبرالولاياتالمتحدةالأمريكية نموذجا بارزا الطرف الثاني.وقد تجلى ذلك بوضوح من خلال تصريحات وتغريدات الرئيس الأمريكي ترامب بعيدة عن واقع وجوهر الازمة الكارثة.فالرئيس الأمريكى اعتبر جائحة كورونا خدعة وتمادى في تجاهل تداعيات الجائحة رغم عبورها للقارات وعدم اعترافها بالحدود ووصولها الى الاراضي الامريكية مما اضطره في بدايةالامرالى اتخاد تدابيرجد متأخرة لكن الكارثة الموازية لتعامله الفاشل مع كورونا لم تنحصر بشقها الصحي وتداعياته على الشعب الامريكي بل تجاوزته الى تدميرسمعة ومكانة الولاياتالمتحدةالأمريكية عالميا وخلق ازمة ثقة بين واشنطن وحلفائها . والملفت للانتباه هو ان جائحة كورونا اجتاحت دولا ومجتمعات غنية ومتقدمة في المجالات الطبية والعلمية والاجتماعية في مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية واوربا عموما بينما كان انتشاره وتفشيه في الدول والمجتمعات النامية ذات الامكانيات والقدرات البسيطة والمحدودة اقل بكثير. ورغم ان الصورة تبدو غير واضحة في الوقت الحالي الا ان الحديث عن عالم مت بعد جائحة كورونا بات يفرض نفسه على الواقع .ويبدو ان جائحة كورونا ستغير خارطةالتوازنات والعلاقات والمعادلات الدولية على نطاق واسع . ولعل هذه المحطة التاريخية المهمة والخطيرة تشبه الى حد كبير في الكثير من تفاصيلها وجزئياتها محطة نهاية الحرب العالمية الثانية 1945م ومحطة تفكك المعسكر الشرقي وانعيار الاتحادالسوفياتي مع تسعينيات القرن الماضي..ويبدو ان التحدي الاكبر اليوم امام الولاياتالمتحدةالأمريكية واوربا سواء ككيان سياسي واخد متمثلا في الاتحاد الاوربي او كدول لها مكانتها ووزنها السياسي والاقتصادي في المشهد العالمي في مقابل آفاق جديدة تفتح أبوابها امام الصين. ان وباء كورونا سيسرع من تحول السلطة والنفوذ من الغرب الى الشرق بمعنى آخر ستتقدم الصين وستحتل موقع الريادة العالمية. ان أزمة كورونا فندت العديد من النظريات التي بشر بها الغرب الليبرالي وفي مقدمته الولاياتالمتحدةالأمريكية ومن بينها العولمة في بعدها الاقتصادي. فالفيروس الفتاك كوفيد19 سيسرع عملية الانتقال من العولمة التي تركز على الولاياتالمتحدةالأمريكية الى تلك التي تتمحور حول الصين. ان ازمة كورونا ستقوم بتعديل هيكل القوى العالمية كما إن المتضررين من أزمة كورونا هم من سيكتبون التاريخ في اشارة الى الصين .وانه من المرجح ان تساهم ازمة كورونا في اضعاف الاتحاد الاوربي كأسرة ديمقراطية مكونة حاليا من 27دولة كما ستحدث الازمة تفاعلات وتداعيات .وقد يكون العالم بحاجة الى مدة طويلة لتتبلور وتكتمل صورة العالم الجديدة وتتضح معادلاته وتوازناته.
وخلاصة القول،فلكل وباء موعد زواله وعمر افتراضي يزول بعده. وسيزول وباء كورونا وسيراجع النظر والحكم في كثير من حقائق هذا العالم وقيمه ودوله.