لا يسعنا بمناسبة عيد المرأة العالمي، إلا أن نثمن غاليا ما تحقق لها من حقوق مقارنة بما كانت عليه في الماضي سواء البعيد منه أو القريب، يوم لم تكن لدى بعض الأمم القديمة
أكثر من أية بضاعة تباع وتشترى في الأسواق. وضع يقف له زغب الرأس هولا لما
نعرف أنها كانت لدى البعض الآخر مخلوقا بدون روح يسكبون على بدنها الزيت أو
يربطونها بذيول الخيل و تجر حتى الموت على وقع قهقهاتهم الغاشمة، وعند الهنود لا
حق لها في الحياة بعد موت زوجها، إذ تحرق معه على موقد واحد. هذا دون الحديث عمن
اعتبرها لعنة بما أنها هي من أغوت آدم، وإذا حاضت فلا تُجالس ولا تُؤاكل و لا تُلمس
تماما كما نعيشه اليوم مع أي مصاب بفيروس كورونا. ومن جاهلية العجم إلى جاهلية
العرب لما كانت توأد وهي حية ترزق، وكان الواحد منهم لما يبشر بالأنثى يسود وجهه و
يتوارى عن قومه وهو كظيم لسوء ما بشر به. أما ما تعرضت له أثناء الحروب فتقشعر له
الأبدان من سبي وتشريد وتهجير دون مراعاة أية حرمة أو أطفال رضع في حضنها، بما
إنها غنيمة حرب كأي عتاد يخسره العدو، و ما يترتب عن ذلك من عبودية وقهر واستغلال
في أبشع صوره. إلى التاريخ الحديث وما كابدته خلال الحروب العالمية من اغتصاب
وهتك للأعراض واستعباد.
فقد كانت الحلقة الأضعف، مما جعل الهيئات الأممية تخصها بقوانين تتلاءم وجنسها لِمَا
تتعرض له من عنف جنسي و مخاطر على صحتها وعلى استقرارها الاجتماعي. فهل
هناك أكثر من إجبار النساء والفتيات على العبودية الجنسية من قبل الجيش الإمبراطوري
الياباني أثناء الحرب العالمية الثانية فيما يعرف ب "نساء المتعة" بمئات الآلاف بدون
مراعاة أبسط حقوقهن الآدمية. فاليوم على الأقل أصبحت للمرأة بفعل نضالاتها المستمرة
مكانة في مجتمعاتها و مؤسسات تدافع عنها وتسمع صوتها.
صحيح لم ينلن حقوقهن كاملة ليس في البلاد المتخلفة أو ما يسمونها تلطفا الدول النامية
وحسب، بل حتى في البلاد المتقدمة لا تزال العقلية الذكورية مهيمنة رغم القوانين التي
تؤكد على المساواة، بما أن القوانين لوحدها في أي مجال ولدى كل الشعوب لا يكون لها
أثر على أرض الواقع ما لم يواكبها تغيير في العقليات. لكن يبقى وضعها في عالمنا العربي
أبأس بكثير على تفاوت بين بلدانه طبعا، فتوليها مقعد المسؤوليات الرئيسية لا يزال دونه
خرط القتاد. فكم منهن تتولى الأمانة العامة لحزبها يخول لها تحمل رئاسة الحكومات في
إطار تسيير الشأن العام بما أن كل حزب هو في أساسه مشروع حكم، والحديث طبعا عن
الأحزاب الكبيرة. يزيد وضعها تأزما لما تتخذ المواقف منها لبوسا دينيا، بناء على تأويلات
مغرضة لمجموعة من النصوص الدينية، التي وإن صح سندها ومتنها، فإنها تتعرض
معانيها لمقصلة التحريف حتى تخدم أغراضهم الدنيئة بالإبقاء عليها حبيسة الجدران ليست
أكثر من مفرخة و إشباع رغباتهم الشبقية وتلبية مكبوتاتهم الذكورية في التحكم والتسلط.
و مما يندى له الجبين وعلى الرغم من إسهامات المرأة العظيمة في شتى المجالات
وحصول أكثر من امرأة على جائزة نوبل في أدق التخصصات، يشهد على ذلك قائمة
عالمات القرن العشرين فقط. فهن أكثر من أن يحصرن ابتداء من ماري كوري الحائزة
على جائزة نوبل لمرتين، وغيرها في الانتربولوجيا وعلم الفلك كمارغريت بوربيدج
البريطانية، وفي علم الأحياء نورا ليليان بريطانية متخصصة في علم الأمراض النباتية،
وفي علم الطيور العالمة الأمريكية غلاديس بلاك، نماذج كثيرة في الفيسيوبوجيا والطب
العام الأمريكية جرتي كوري الحاصلة على جائزة نوبل، و في علم الأحياء البحرية وفي
علم الوراثة وفي الزلازل وفي الرياضيات والهندسة الكهربائية وفي الكمبيوتر عالمات
بذكائهن غيرن معادلات علمية يعود إليها الفضل في إيجاد حلول مذهلة أحدثت قفزة نوعية
في خدمة الإنسانية. وللأسف يأتي اليوم بعض الرويبضات ممن لا حظ له من العلم غير