لم أنم ليلة أمس أرقا، أحاول إتمام كتابة مقالنا حول وضعية فايروس كورونا بمقارنات طويلة بين الدول وتجاربها معه، وبينما كنت أقوم بالبحث في حيثيات انتشار الفايروس، ابتداء بالبؤرة الرئيسية بالصين، وصولا للدول التي انتشر فيها بحدة، كإيران و إيطاليا، و التي لم ينتشر فيها بشكل شامل كبريطانيا و ألمانيا، و التي لم يصلها بعد ككوريا الشمالية! و في خضم البحث و التقصي، لاحظت أن الفايروس يرتكز في الشمال من كل دولة يصيبها بشكل كبير، شمال إيطاليا، شمال إيران قم مشهد و جيلان، و طهران، أو الشرق ووسط البلاد الصين ووهان عاصمة هوبي وتوجد بوسط البلاد و تشيغيانغ شرق البلاد، وكلاهما مقاطعتان صناعيتان، و أما جيلان الإيرانية فمنطقة حدودية، وطهران عاصمة الدولة حيث التجمعات الكبرى، و أما شمال إيطاليا، فالمقصد الأكبر للسياح، إضافة لوجود مدن صناعية وارتكازها هناك، مثل ليچوريا ولومباردي الواقعتان بالشمال الغربي للبلاد، حيث الكثافة السكانية، و أرجح انتشار الفايروس بإيطاليا و الصين و إيران بشكل كبير لخصوصيات كل دولة، و اشتراكهما في سلوكيات و خصائص عامة : - إيطاليا : مقصد عالمي للسياح، و دولة صناعية بعادات و سلوكيات مشهورة، أولها تقديس العائلة، فالعائلة الإيطالية شبيهة في تعلقها بالعائلة العربية، وفي هذا الجانب فالتجمعات العائلية كثيرة جدا، لذلك فشخص واحد قادر على نشر الفايروس بين أفراد أسرة كبيرة، السلوك الآخر هو عادات العناق والتقبيل التي يشتهر بها الإيطاليون كعادات منتشرة، بين الأصدقاء و الأسر و العائلات، الأمر الآخر هو سياسة المافيا، و هي سياسة تقوم على الجريمة المنظمة، و هذا يجعل من أي عملية خارج إطار القانون، غير خاضعة للرقابة، أضف لذلك تكثل جالية كبيرة جدا من الأجانب و العمال، و عادات الأكل القائمة على شكليات غير وقائية، إضافة أن إيطاليا بها أكبر نسبة من المسنين بنسبة 22%، ما يفسر بعض أسباب ارتفاع نسبة الإصابة.
إيران : دولة تخضع للعقوبات، و الحجر الاقتصادي، ما يجعل شعبها يلجأ للتهريب، و هذا يعني مئات العمال و المهربين من المناطق الحدودية، إضافة لعادات التجمع العائلي، والتجمعات الدينية، والطقوس التي لا تخلو من التجمهر، كالحسينيات، و تجمعات العزاء، و طقوس البكاء و اللطميات، و تجمهرات إحياء الليالي ...ألخ، إضافة إلى أنها قبلة لكل علماء الدين و الطلبة و التجار القادمين من البلدان المجاورة، و الحجاج القاصدين تأدية واجب العزاء للأماكن المقدسة كمشهد وقم، و هما بؤرتا الفايروس بإيران، دون أن نغفل سلوكيات المجتمع الإيراني في الأكل و الطهي التي تختلف في الشمال عن الجنوب لاختلاف العادات والتقاليد.
- الصين : طبعا هي بؤرة الفايروس بالعالم، لكن انتشاره بقوة كان بين الفئات العمرية الكبيرة في السن و التي تشكل نسبة تقارب 6% من مجموع السكان، و هي نسبة مهمة جدا في دولة يفوق تعدادها مليار و أربع مائة ألف نسمة، كما تركز انتشار الفايروس بالمدن الصناعية، و المدن ذات الكثافة السكانية العالية، وهي فئة ترتكز بوسط البلاد و الشمال، وطريقة احتواء الفايروس كانت عبر الحجر الاستباقي للحالات المشكوك فيها، بدل الحجر الموضعي للحالات المصابة، مع إلزامية الحجر الذاتي للمواطنين، و السماح لفرد واحد من كل أسرة بالخروج مرتين فقط لإحضار الحاجيات الضرورية.
تفسير : لطالما ترتكز المناطق الخصبة و الزراعية بالمناطق الشمالية ذات الوفرة و التساقطات المطرية الكثيفة، ما يجعلها أماكن جذب للتنزه و السياحة من جهة، و بما أنها أماكن خصبة، فإن المدن الصناعية و المعامل ترتكز بالمناطق الجنوبية للمدن الشمالية، فتصبح قبلة للعمال، و غالبا ما تكون الدول الشمالية دولا متقدمة كأوروبا، ما يجعلها مركزا للاجئين، و المهاجرين، و هذا يفسر الكثافة السكانية، و انعدام الضبط لهذا الكم الكبير من السكان الغير ثابتي الحركة، والكثيري التنقل، خصوصا المهاجرون، و الجاليات المقيمة هناك، فالمناطق الشمالية تعتبر منطقة عبور أيضا تكثر بها المناطق الحدوية و المعابر، و بالنظر لمجمل الإصابات بدول أوروبا فأغلبها لمسافرين قادمين من شمال إيطاليا، كما وثقت ذلك مقدونيا و لتوانيا و جمهوريك التشيك و سويسرا و جزر البلطيق و دول أخرى ...
تحذير : و بما أن منطقة الشمال المغربي منطقة العبور الأولى بالمغرب، ومنطقة سياحية و صناعية أيضا، فأنا أحذر من انتشار الفايروس بها، و تفشي العدوى للمناطق الأخرى، في حالة عدم تدارك واستباق تفشي الوباء، و احتواء الحالات المشكوك فيها، و أدعو الحكومة لفرض حجر صحي شامل استباقي على جهة الشمال، و على مدينتي الدارالبيضاء و مراكش، كإجراء استباقي لعزل الفايروس، لأن السماح ببقاء التنقل و حرية الانتقال بين المدن الشمالية سيعجل بتفشي الفايروس، و من خلال تجربة الدول سواء الناجحة كالصين، أو المؤسفة لحد الآن كإيران و إيطاليا، فلابد من حجر صحي استباقي، و توعية مجتمعية عاجلة بتغيير العادات و السلوكيات القديمة، و لزوم البيوت، و تعقيم الأماكن العامة ومحطات القطار و الحافلات و سيارات الأجرة، و التوقف العام عن العمل لمدة ثلاثة أيام، مع حظر للتجوال بعد منتصف الليل، فلابد من الإجراء الوقائي العام الاستباقي، و إلا فإن كلام الخبيرة البيولوجية و المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل سيكون صحيحا حينما صرّحت أنه «إذا استمرّ الوضع على ما هو، وطالما لم نتمكّن من إيجاد المضاد الحيوي، فإن 70 في المائة من سكّان العالم قد يصابون بهذا الفيروس في الأشهر أو السنوات المقبلة».