العلمي: حصيلة الدورة الخريفية غنية.. ولجنة "المخطط الأخضر" تنطلق قريبا    المغرب يخسر نقطة في مكافحة الفساد .. وجمعية "ترانسبرانسي" تتأسف    المعارضة تنتقد تدبير الحكومة لمنظومة الاستثمار و"فشل الدعم الفلاحي"    مداولات البورصة تتشح ب"الأحمر"    ناصر جبور يكشف تفاصيل زلزال ليلة في المغرب والنشاط الزلزالي المعتاد في منطقة الريف    إحباط عملية للتهريب الدولي للمخدرات    "أمر دولي" يوقف فرنسيا بمراكش    تجديد التصريح الإجباري بالممتلكات    المغرب-ألمانيا: توقيع إعلان نوايا مشترك لتعزيز التعاون الثنائي في مجال الشؤون الدينية    البحرية الملكية تنقذ 41 مهاجرًا غير نظامي قبالة سواحل طانطان    ألطاف إلهية تحف حافلة مدرسية إثر حادث انقلاب بجماعة ملوسة وعامل الإقليم يزور المصابين    بسبب أزمة الديون.. لقجع يجتمع برؤساء الأندية    المغرب يستعد للمونديال بقانون جديد لتعزيز الأمن في الملاعب    الطالبي العلمي يتراجع عن وصف انسحاب الاتحاد المغربي للشغل ب"الخيانة" ويطالب بتدخل المحكمة الدستورية    نواب برلمانيون: توصيات المجلس الأعلى للحسابات أرضية لتقوية الرقابة    وزير الأوقاف يستقبل وزير الحج والعمرة السعودي في سياق تعزيز التعاون بين البلدين    حاسوب خارق يمنح برشلونة الأمل للفوز بلقب دوري أبطال أوروبا ويصدم ريال مدريد    "قُبلة المونديال" .. روبياليس "متأكد تماما" من موافقة هيرموسو    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    7 مغاربة يتوّجون بجائزة "ابن بطوطة"    أيقونة مجموعة "إزنزارن" مصطفى الشاطر في ذمة الله    منتج فيلم "روتيني" يلجأ إلى القضاء    احتفاء بالموسيقى المغربية الأندلسية    باحثون يطورون اختبارا جديدا يتنبأ بمرض الزهايمر قبل ظهور الأعراض    نصائح للحفاظ على الصحة العقلية مع التقدم في العمر    الرياضة .. سلاح فعال لمواجهة مشاكل النوم    منظمة الصحة العالمية تطلق برنامجا جديدا للعلاج المجاني لسرطان الأطفال    صندوق النقد الدولي بالمغرب يتوقع نموا بنسبة 3,9 في المائة في سنة 2025    تتويج الشاعر المغربي عبد الوهاب الرامي بجائزة "بول إيلوار 2024"    الطرق السيارة بالمغرب: تثبيت جسر الراجلين عند النقطة الكيلومترية "PK1" للطريق السيار الدار البيضاء-برشيد ليلة الأربعاء-الخميس    "النهج" يدين المخطط الأمريكي لتهجير الفلسطينيين ويدعو لتكثيف النضال لإسقاط التطبيع    هيركوليس يعلن عودته لتشجيع فارس البوغاز من المدرجات    أشرف بنشرقي يقوم بلفتة مميزة اتجاه عبد الحق نوري    وزيرة الثقافة الفرنسية تزور مدن الصحراء المغربية لتعزيز التعاون الثقافي بين المغرب وفرنسا    "التقدم والاشتراكية" يثير مخاوف بشأن القطيع الوطني ويدعو لاجتماع برلماني عاجل    ارتفاع أسعار السردين في المغرب قبيل شهر رمضان    اعتقالات تطال المتورطين في ملف "كازينو السعدي" بمراكش    "صحة الشباب والمراهقين والبحث العلمي" موضوع ملتقى دولي بالرباط    مباحثات مغربية إماراتية لتعزيز التعاون في مجال الطيران المدني    ترامب يتوعد حركة حماس ب"الجحيم"    هبة عبوك تتحدث عن علاقتها بأشرف حكيمي بعد الانفصال    رئيس أولمبيك آسفي ومدربه في لقاء مصالحة لإنهاء الخلافات    "هِمَمْ" تدين اعتقال الناشط المناهض للتطبيع رضوان القسطيط    سعيد الناصري يختار درب السلطان لتصوير فيلمه السينمائي "الشلاهبية"    بسمة بوسيل تحت الأضواء مجددا بعد تصريحاتها الجريئة حول طلاقها من تامر حسني    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    ترامب: "أوكرانيا قد تصبح روسية يوماً ما"    وزير الخارجية المصري لنظيره الأمريكي: العرب يرفضون خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين    مصرع شخص وإصابة آخرين جراء تصادم طائرتين بأمريكا    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    مناهضو التمييز يحذرون من وصم الأطفال بسبب "بوحمرون" ويدعون إلى إجراءات شاملة    باحثون صينيون يكشفون عن آلية عمل نظام غذائي يحاكي الصيام لتعزيز المناعة المضادة للورم    "صولير إكسبو": 120 عارضًا و10 آلاف زائر لاستكشاف حلول الطاقات المتجددة    الشراكة الأخلاقية بين الوضعي والروحي في المغرب..    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    والأرض صليب الفلسطيني وهو مسيحها..    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التربية على المواطنة وحقوق الإنسان
نشر في أخبارنا يوم 25 - 02 - 2020

لا يمكن الفصل بين الدولة الحديثة وفلسفة حقوق الإنسان والمواطنة والحريات المدنية، مخاض الحريات جاءت بالنتائج الحسنة في إقامة المؤسسات وتحكيم القوانين المدنية، نقلة نوعية في مسار البناء السليم للمجتمع المدني الحديث، الحق الطبيعي مدخل أساسي في عملية البناء للدولة والمجتمع، ودفاع الفلاسفة عن الحق الطبيعي مرده للخوف المستمر على البناء العام للمجتمع ضد القوى المضادة، لا يبقى التوجس والحذر من علامات المجتمع المدني ، ولا يستند الناس على القوة والحق الطبيعي المطلق في التصرف وفق ما تمليه الطبيعة الإنسانية في الفعل والسلوك، هذا النوع من الحق المطلق مهد للتفكير في صيغة توفيقية للجمع بين الحقوق الطبيعية والحقوق المدنية، والشرط الضروري لذلك التنازل عن الحق المطلق وعدم تسخير القوة غير المشروعية في إلحاق الضرر بالآخر، تشخيص الفكر التعاقدي في الغرب والفكر العقلاني والقانوني وصل للفكرة التالية، لا بديل عن حالة التمدن إلا بطرح القوة وترسيخ الفكر الحقوقي في المجتمع بالتربية والإرادة السياسية حتى يتم خلق مواطن كامل المواطنة، وكائن يلم بالحقوق والواجبات ، حقوق مشروعة لا يمكن المساس بها، كالحق في العيش بأمان وبقناعات ذاتية دون تهديد الإنسان في سلامته ووجوده، يعني صيانة الحق الطبيعي ، لان الانسان ولد حرا، فلا يمكن أن يستعبد أو تهان كرامته، وهكذا عندما نتأمل في إعلان حقوق الانسان والمواطن 1789 بفرنسا، وديباجة الاعلان العالمي لحقوق الانسان، والمواثيق الدولية ندرك الأهداف والغايات للفرد والمجتمع، عندما تكون منطلقاتها عامة وشاملة، ولا تعني تذويب المجتمعات الإنسانية في ثقافة الآخر أو إرغام تلك المجتمعات في التخلي عن قيمها، لكن تلك القوانين عامة، وغير قابلة للتجزئ خصوصا بنود الاعلان العالمي لحقوق الانسان بمثابة إعلان يفيد النوايا الحسنة في بناء الثقة وخلق نظرة موحدة للبشرية في حق الانسان وكل ما أصابه من تدمير نفسي واقتصادي جراء الحرب العالمية الأولى والثانية، وتبقى التفاصيل الجزئية قابلة للتقارب في الحوار الاممي بين الشعوب والحضارات ، ولا تعني أن القوانين الدولية مثالية في التطبيق إذا تحولنا من المواد المكتوبة إلى قراءة المشهد السياسي العالمي، نجد هذا الشرخ بين القول والفعل في الحرب الباردة، ناهيك عن انتهاكات حقوق الانسان من قبل الدول الرأسمالية في تأجيج الحروب المتتالية والتدخل في سيادة الدول والسكوت على الأنظمة الشمولية، وفي الألفية الجديدة هناك عودة بقوة لفلسفة حقوق الانسان في الخطاب السياسي، وفي معترك النضال الاجتماعي من خلال جمعيات ومنظمات المجتمع المدني، وظهرت مؤشرات جديدة في مقياس احترام حقوق الانسان،

ومؤشرات التنمية البشرية، وصيانة الحقوق الإنسانية ضد ترهيب الدول وسياستها الداخلية والخارجية، وضد الأنظمة الشمولية المقيدة للحريات المدنية، مناهضة كل أشكل الظلم والتهميش وتعزيز ترسانة الحقوق والتشريعات، وتصنيفات بعض الدول المتدنية في المؤشرات الدولية لكونها لا تساير إيقاع التنمية البشرية .

حقوق الانسان فلسفة عميقة ومتغلغلة في ذهن الانسان وسلوكه لأنها بالفعل حقوق مشروعة ومتأصلة في النفس ، وتنتقل هذه الحقوق من مستوى التنظير إلى مستوى الفعل والممارسة، تنعكس مباشرة في السلوك بفعل التربية والتعليم وبفعل البرامج والمخططات الهادفة للتدرج نحو غرس نماذج السلوك السوي في الأسرة والمدرسة والمجتمع ، وفي دواليب العمل السياسي، وفي عمل المنظمات والجمعيات الحقوقية، ترفع الدولة التقارير المحلية عن حالة الحقوق ببلادنا وترفع بالموازاة التقارير الموازية من قبل الجمعية المغربية لحقوق الانسان، ومن المنتديات والهيئات التي تراقب الشأن السياسي والحقوقي، نشطاء في المجال يبسطون الآراء في إيقاظ الوعي الاجتماعي بالدفاع عن الحق والحريات، وإضفاء صبغة المشروعية على الدولة المدنية للثبات على فلسفة حقوق الانسان، وتكريس المواطنة المتوازنة، دون تمييز على أساس اللون والجنس والمجال الجغرافي، حقوق الانسان كما تبلورت في الفكر السياسي والاجتماعي من مرجعية كونية، ومن مبادئ مدنية مما يجعل من هذه الحقوق غير قابلة للتقسيم والتجزئ ، باسم الخصوصية والتميز الخاص بالثقافة والهوية، تحاول الدول التدرج في إغناء التجربة الحقوقية عبر إثارة النقاش والحوار بين مختلف مكونات المجتمع عن المسموح والمرغوب فيه، وعن المرفوض أو التحفظ على بعض البنود حتى يتم تحقيق الإجماع من قبل الكل، المرجعية الدولة أساسية بالنسبة للأصوات الحقوقية والعلمانية، والرافضة للمرجعية الدولية بالنسبة للقوى المحافظة أو التحفظ على بعض البنود الخاصة بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، هنا تفتح نيران الحقوق الخاصة بالأقليات والجماعات، وتأخذ طابعا هوياتيا وقيميا يفرض على الدولة التعديل من القوانين، وتحيين بعضها حتى تنسجم وفلسفة المواطنة وحقوق الانسان، وحتى لا يتجلى الشرخ بين الخطاب والممارسة ، والتحفظ على بعض القوانين الخاصة بالاستقلال الذاتي وتقرير المصير وفك الارتباط بالدولة أو اختيار أنماط بديلة من السلوك، وأشكال معينة من التدين في سياق الحريات الفردية دون قيود أو شروط سوى التطبيق الحرفي لكل البنود والمواد .

حقوق الانسان فلسفة في بناء المجتمع المدني السليم بمنهج يروم التعميم والشمولية والتدرج ، والبحث عن التوازن بين القيم الاجتماعية الأصيلة وصيانة الحرية والحق والكرامة ، خطوة المغرب في هذا المضمار جاءت بصيغة الاعتراف والتعهد على صيانة الكرامة والحق الطبيعي والمدني من خلال العدالة الانتقالية التي جاءت لجبر الضرر وطي صفحات من الماضي الجسيم ، نقلة نوعية في مجال الاعتراف بالأخطاء التي عطلت من ولوج المغرب إلى بناء الدولة الحديثة ، إنشاء اللجان المختصة في معالجة الملفات، إنشاء وزارة حقوق الانسان ،الإقرار بالحريات الفردية والجماعية، حق التظاهر والتعبير، هيئة الإنصاف والمصالحة، الكف عن سياسة الاعتقال التعسفي وضمان المحاكمة العادلة يعني اللجوء للمؤسسات في حل القضايا واللازمات، وأعتقد أن الخطوات كانت بالفعل ايجابية للتفكير في طرق الانتقال إلى تفعيل البنود والتوصيات، والزيادة في جرعة الحقوق من خلال ايلاء أهمية قصوى للمنظومة التعليمية في إدخال


المضامين الجوهرية لهذه الفلسفة. فمن دون إنزالها في البرامج وتكريسها في الفصول التعليمية وتلقينها للصغار والكبار، لا يمكن أن يستوعب شبابنا معاني كالحق والواجب والحرية واحترام القوانين والمؤسسات، و لا يستوعب الناس اللجوء في حالة النزاعات إلى المؤسسات، شيدنا الطرق وما يتعلق بالبنية التحتية دون العناية أكثر بالعنصر البشري ، دون خلق هذا المواطن بالمواطنة الكاملة ، تركنا بناء الانسان وانصب اهتمامنا على القوانين وصياغة التقارير الدولية عن الملاءمة والانسجام بين الخطاب والفعل، وترك فينا الصراع على الفكرة سياسة الاحتواء للأصوات المنددة، وسياسة الخوف من الحرية وبناء المواطن الصالح، الشد والجدب في المواقف، فكان التوافق الغائب الأكبر في ميلاد نظرة مشتركة بين الدولة والمجتمع المدني لإيجاد الحلول المناسبة للازمات والتعاون المثمر في بناء الانسان المواطن . ينبهنا المفكر المغربي عبد الله العروي دائما للمفاهيم التي ينبغي استيعابها في المشروع الحداثي من المواطنة والحرية والتحرر والدولة والقانون والواجب ، وتثمين عمل الدولة ككيان موحد لكل الأهواء والرغبات، ولكل حرية فردية مطلقة حتى ترسي الدولة مبادئها في مجتمعات لا تزال تعاني ويلات الجمود والتقاليد، وكعادته يلتف العروي على التاريخ والمفاهيم للتحليل وعرض النظريات في سياقات متنوعة، والبحث عن مفهوم الحرية في منطق البداوة والحرية في الإسلام وتحرير الناس من عبادة الأوثان والأصنام، والحرية في الفكر الليبرالي والجدال المستمر بين منظري الرأسمالية والفكر الماركسي عن الحرية والدولة والطبقات الاجتماعية، تأملات العروي للدولة في سياقها التاريخي لا يخرج عن حاجتنا للتفكير في قيمة التأسيس للدولة المدنية، ولن تتحقق هذه المفاهيم بالنضال وحده بل كذلك بالتربية والتعليم ، وترسيخ ثقافة حقوق الانسان والمواطنة كفكر وسلوك معا .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.