مر العديد من سنوات العمر ومعها العشرات من الأحداث بمرّها وحلوها سرعان ما طواها النسيان ولم يعلق منها في الذاكرة إلا القليل إن لم يكن النسيان طواها بكاملها. إلا أن سنة 2011 ستبقى في الذاكرة وستدون في تاريخ مصر الحديث بل وفي اغلب دول المنطقة وذلك لما مرت به من أحداث في الطريق لتغيير خريطة الشرق الأوسط برمتها. وإن كان بعض المستفيدين من الأنظمة العتيقة أطلقوا عليها سنة الانقلابات فإن مئات الآلاف من المتضررين من هذه الأنظمة الفاسدة قدموه للعالم على انه عام تصحيح الأوضاع او تعديل المسار نحو الديمقراطية. لقد بدأت الشرارة في مطلع هذا العام بثورة الياسمين في تونس وإن كنت أرى أن الثورة الحقيقية هي ثورة اللوتس والتي أضاء شعلتها أحفاد الفراعنة مع مطلع يوم 25 يناير فسطع نورها في اغلب دول المنطقة إلى حد أن شعاراتنا نقلت إلى دول الجوار بدون زيادة او نقصان فكانت مطالب الثورة (الشعب يريد إسقاط النظام) ورسالة الثورة للقادة والحكام من كلمة واحدة (إرحل) والوسيلة لتحقيق أهداف الثورة (سلمية). ومن خلال مجريات الأحداث فاني أتوقع قبل نهاية 2011 أن تكون الثورة رسمت لنا صورة لمصر الجديدة بل وقد أسهمت في وضع حجر الأساس لرسم خريطة لشرق أوسط جديد وإن كنت اشدد أن ملامح الثورة لم تتحدد بعد على عكس ما يعتقد الكثيرون وان الثورة ما زالت في مهدها وإن كانت وضعتنا على مفترق طرق وهو حدث في حد ذاته لم نتوقع حدوثه بهذه السرعة، لكن في تقديري ان المرحلة القادمة هي الأهم والأصعب لرسم ملامح الصورة الجديدة لمصر وإن كانت الثورة نجحت في إسقاط شرعية القائمين على النظام السابق إلا أن ذيول هذا النظام باقية . وبنفس النهج القديم تم إدارة واحدة من المحاولات أسقطها المصريين عندما عادوا ليزرعوا بذور الفتنة بين أبناء الشعب الواحد ويهيجوا مصريين على مصريين في عدة وقائع منها كنيسة أطفيح وشهداء المقطم والعودة إلى النهج القديم بعدم تفعيل سيادة القانون واستبداله بالجلسات العرفية مما يعيدنا إلى وقت ما قبل الثورة ويذكرنا ان الفرعون لا زال باقٍ في كرسيه على عرش مصر وكذلك فتحي سرور وأحمد عز وصفوت الشريف وأحمد نظيف ...لم تذهب سوى الأسماء وإن تغيّرت الوجوه لكنهم جاؤنا بأسماء وأشكال أخرى . فما الفرق بين وزير الداخلية السابق عندما أطلق الرصاص على المواطنين في العامرية أو على جمهور المتظاهرين وبين طنطاوي الذي صفقنا له كثيرا لوقوفه على الحياد في تظاهرات ثورة يناير ؟ وهذا لا يعفيه إطلاقا من مسؤوليته في هذا العمل الإجرامي أن يصوّب النيران على المواطنين .وما الفرق إذاً بين الداخلية والقوات المسلحة ؟ كلاهما أجهزة أمنية مسؤولة عن أمن وآمان المواطن والبلد وكلاهما متورط ومدان أمام الثورة والشعب والقانون وبنفس النهج العتيق في إثارة الفتنة حتى يتحول هتاف الشعب بإسقاط النظام وذيوله أو حتى يمرر صوب أنظارنا الاستفتاء على الدستور بلا إهتمام وبدون المطالبة بترسيخ الديمقراطية من خلال دولة مدنية والعودة بتفصيل القوانين لأشخاص بذاتهم او لاستبعاد أشخاص آخرين كالمادة 175 والتي تنص على حرمان مزدوج الجنسية والمتزوج من أجنبية من الترشح لرئاسة الجمهورية على الرغم أنهم مصريين بحكم كل القوانين وبنص الدستور المصري وكإغفال المادة الثانية كعائق في طريق الدولة المدنية وكذلك عدم تفعيل الفقرة الأخيرة من المادة 5 والتي تنص بعدم تأسيس أحزاب سياسية على مرجعية دينية .فان كان الأمر كذلك فمن الذي أعطى الحق للإخوان المسلمين أن يتفاوضوا على نسبة 33% من مقاعد البرلمان ؟ وباي حق ننتقي مواد ونرفض الأخرى من دستور اسقط الشعب شرعيته بقيام الثورة، فلا بديل عن دستور مدني جديد يهتم بالمواطنين، كل المواطنين بمختلف ثقافاتهم وتوجهاتهم دون التمييز بسبب الدين أو العرق أو النوع . والشعب الذي اسقط النظام يعلم جيدا أن للنظام ذيول واحتفاظه بها لا يعني أبداً أنها فوق المحاسبة ولكن للصالح العام لا بد الاحتفاظ بها في هذه الفترة الانتقالية وإن كان الشعب رفض عمر سليمان النائب السابق لرئيس الجمهورية وحكومة أحمد شفيق لأنها بقايا النظام السابق واحتفظ منها بالمشير طنطاوي لإدارة المرحلة الانتقالية على الرغم انه من ذيول نفس النظام .