بعد أن وضعت معركة النضال أوزارها منذ الأنفاس الأخيرة للموسم الدراسي السابق، وفي عز قساوة برودة الشتاء، تعود مجددا حرارة الاحتقان التعليمي إلى الشوارع، وتعود معها مشاهد المطالب والاحتجاج، تزامنا وإصدار حكم الاعتقال في حق أستاذ تارودانت، الذي أثارت قضية اعتقاله موجة من الإدانة والسخط والتنديد في أوساط نساء ورجال التعليم، ليتكرس بذلك، إحساس جماعي بالتذمر وفقدان الثقة والتوجس والقلق، في ظل ممارسة مهنية، باتت تغيب فيها شروط الحماية الأمنية والقانونية والقضائية والإدارية، ودون النبش في حفريات قضية لا زالت تثير الجدل واللغط، لتداعياتها المباشرة على المدرسة العمومية و أطرها التربوية والإدارية، نؤكد أن "الإصلاح" ليس له معنى أو مغزى، إذا لم يقدم الحلول الناجعة للمشاكل البنيوية القائمة منذ سنوات، بشكل يضمن استئصال شوكة الاحتجاج بكل مستوياته، وفي هذا الصدد، ورغم دخول "الرؤية الاستراتيجية للإصلاح" موسمها الخامس(2015-2030)، وقانونها الإطار الذي دخل حيز التنفيذ قبل أشهر، لا زالت مفردات "الإضراب" و"الاحتجاج" و رفع راية "المطالب" و"الحقوق"، حاضرة في القاموس التعليمي، بشكل يعيق عجلة الإصلاح. واستحضارا لتداعيات هذا الاحتقان المتعدد الزوايا على المدرسة العمومية وعلى السيرورة العادية للموسم الدراسي، واعتبارا للنقاشات الجارية بشأن "النموذج التنموي المرتقب" الذي لا يمكن تصوره، إلا في إطار "تعليم عصري ومنصف وناجع وفعال" في ظل "مدرسة عمومية آمنة ومستقرة"، نرى، أن المرحلة تقتضي مد جسور الحوار والتواصل، بما يضمن خلق حوار "مواطن" و"مسؤول" و"فعال" بين "الوزارة الوصية" و"الفاعلين الاجتماعيين" (النقابات)، بشكل يسمح بالعودة التي لا محيدة عنها إلى طاولة الحوار، والانكباب على مناقشة ومعالجة القضايا العالقة بدون قيد أو شرط، وبالقدر ما نطالب الوزارة الوصية بالجنوح إلى طاولة الحوار، بالقدر ما نؤكد أن الفاعلين الاجتماعيين بمختلف أطيافهم وانتماءاتهم، لابد أن يتجاوزوا واقع التشرذم والشتات، وأسباب القلاقل والنعرات، بما يضمن - ليس فقط - توحيد الخطاب وبلورة ملف "مطلبي شمولي" يستحضر مختلف المطالب الفئوية للشغيلة التعليمية وانتظاراتها وتطلعاتها، ولكن أيضا، التفاوض الفعال والمرافعة الناجعة، بشكل يدفع إلى صياغة "نظام أساسي جديد" ناجع، يستأصل شوكة الاحتجاج ويعبر عن التطلعات والانتظارات والأحلام.
وقبل الختم، نؤكد إن الرهان على إصلاح المنظومة التعليمية والارتقاء بها، لا يمكن أن يتحقق على أرض الواقع، إلا بإعادة الاعتبار للمهنة، وتمكين ممارسيها من كل شروط التحفيز، إذ، من السذاجة، أن نراهن على مشاريع إصلاحية خصصت لها إمكانيات مادية مهمة، في ظل مدرسين "منكسرين" سارت الشوارع ملاذهم الآمن للاحتجاح والبوح بالحقوق ورفع المطالب، وبعضهم، لا يجد حرجا في "عرض خدماته" أمام مدراء المؤسسات التعليمية الخصوصية، أو في سوق "ساعات الدعم الليلية"، سعيا وراء، مدخول مادي إضافي، يقي حرارة الحاجة والخصاص، بكل ما تحمله هكذا ممارسات، من مساس بنبل ورقي المهنة، ومن تداعيات على واقع الممارسة الفصلية، عسى أن يتم الانتباه إلى واقع حال المدرس(ة)، في أفق "النموذج التنموي المرتقب، لأنه "أس" الإصلاح و "أساسه"، ونختم بالقول، إن مشكلات "الشغيلة التعليمية" لا يمكن حلها، إلا بتنزيل نظام أساسي محفز و متوافق عليه، بعيدا كل البعد عن "المطالب الفئوية"(كل فئة تغني على ليلاها)التي لا تزيد الوضع إلا تعقيدا والصورة إلا غموضا وإبهاما ..