تشرف سنة 2019 على نهايتها وقد تركت في ذاكرة البريطانيين موجة من التجاذبات السياسية التي ميزت المشهد السياسي في المملكة المتحدة ، ولكن أيضا بريقا من الأمل في أن تمكن انتخابات 12 دجنبر من اخراج البلاد من مأزق البريكست. فقد سئمت الدوائر الاقتصادية والمواطنون والنواب والزعماء السياسيون من هذا المسلسل بدون نهاية والذي أغرق البلاد في حالة من الغموض منذ أن صوت 17.4 مليون بريطاني (51.9 في المائة من الأصوات) لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي ، على الرغم من ترديد الحكومة المحافظة للازمة "تنفيذ البريكست" بأي ثمن. وهكذا تميزت السنة الجارية في الإمبراطورية البريطانية السابقة بالعديد من الانتكاسات السياسية التي تكبدتها الحكومة داخل البرلمان البريطاني. وفي الوقت الذي امتدت فيه بعض المناقشات السياسية في مجلس العموم حتى الساعات الأولى من الصباح ، شهد برلمان وستمنستر هذا العام أكثر المشاهد إثارة في تاريخ هذه المؤسسة التشريعية العريقة. بعد أن منيت بالهزيمة تلو الأخرى، اضطرت الزعيمة السابقة للمحافظين تيريزا ماي الى الانسحاب على وقع الاهانات التي تعرضت لها بسبب الرفض المتكرر والمتتابع في البرلمان لاتفاقها بشأن البريكست الذي تم التفاوض عليه مع القادة الأوروبيين بعد أكثر من سنتين. بخيبة أمل وإرهاق ، اضطرت إلى الاستقالة بعد اعترافها بعدم قدرتها على تنفيذ البريكست. وقد أثرت الفوضى في وستمنستر بشكل كبير في سمعة ولكن أيضا في بنية الأحزاب السياسية الرئيسية، التي تشهد بعضها تصدعات داخلية حقيقية، لاسيما بعد موجة الاستقالات لنوابها لتشكيل مجموعة جديدة من المستقلين في مجلس العموم. وفي مواجهة المأزق التام الناتج عن الخلافات المستمرة بشأن البريكست ، لم يبق أمام البرلمان والحكومة والمعارضة الا سيناريو أخير :اجراء انتخابات تشريعية جديدة. على الرغم من أن الدعوة الى هذه الانتخابات - الثالثة في أربع سنوات – كانت بغرض تجديد البرلمان على أمل أن تنبثق عنها أغلبية بهدف تنفيذ البريكست في أخر المطاف ، فقد سلطت الضوء أيضا على مختلف القضايا التي هي مثار انشغال في البلاد. وخلال الحملة الاتخابية،خاض حزبا المحافظين والعمال، الحزبان الرئيسيان في البلاد، سباقا محموما لاقناع ناخبين يشعرون بالقلق ازاء حالة الغموض المرتبطةبالبريكست، بمشاريعهما الانتخابية. وبينما وعد الحزب المحافظ ب "هدية عيد ميلاد مبكرة" للبريطانيين ، فإن حزب العمال يقوم بحملة "جد يسارية". وتعهد حزب المحافظين بإعفاءات ضريبية تقدر قيمتها بمليار جنيه إسترليني سنوي ، مع التراجع عن وعده بتخفيض ضرائب الشركات ، بقصد ضخ مليارات الجنيهات لتعزيز الخدمات العامة ، بما في ذلك النظام الوطني للصحة في بريطانيا والمدارس وشبكات السكك الحديدية ، بينما وعد حزب العمال بتخفيض الضرائب االعقارية بالنسبة للشركات وتوفير شبكة انترنت عالية الصبيب مجانية لجميع الأسر والشركات في المملكة المتحدة. وأخير ا و في ختام الحملة ، تواجه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وخصمه المعارض العمالي جيريمي كوربين لأول مرة في مناظرة تلفزيونية حول البريكست. ووفق ا لاسطلاع رأي أجراه معهد يوغوف ، اعتقد 52 في المائة من البريطانيين أن جونسون دافع جيدا عن برنامجه بينما أعرب 48 في المائة عن تقديرهم لحجج جيريمي كوربين. وبصرف النظر عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ، كان النقاش المتلفز بين الزعيمين السياسيين فرصة لتقاطع مواقفهما حول الموضوعات الرئيسية للرأي العام ، والمتمثلة في نظام الرعاية الصحية الوطني، وأمن المواطنين في ضوء الهجوم المميت على جسر لندن واتجاهات معاداة السامية وكراهية الإسلام داخل الحزبين. ولئن تمت الدعوة الى اجراء الانتخابات التشريعية في 12 دجنبر لحل مأزق البريكست ، فستواجه الحكومة البريطانية القادمة بالتأكيد العديد من التحديات الكبرى. بالإضافة إلى إصلاح نظام الصحة الذي أجج مناقشات الحملة ، يتعين أن يواجه الفريق الجديد ظاهرة الجريمة طعنا بالسكين التي تزايدت في البلاد. وأعربت الشرطة عن قلقها بشأن زيادة هجمات الطعن ، والتي سجلت ارتفاعا بنسبة 22 في المائة في العام الماضي بينما يظل الاتجار بالأسلحة النارية محدودا للغاية في المملكة المتحدة. وبالنسبة لقضية إصلاح نظام الرعاية الصحية ، مصدر فخر البريطانيين والذي هو بصدد الانهيار بسبب سنوات التقشف العديدة، فانه تم إضعاف هذه الخدمة التي توفر الرعاية المجانية للجميع لأكثر من 70 عاما ، بسبب نقص الموظفين وإغلاق الآلاف من أسر ة المستشفيات خلال عشر سنوات من حكم المحافظين. من الواضح أن التحدي الرئيسي الآخر هو طمأنة الدوائر الاقتصادية التي ادت ثمن المسلسل الطويل للبريكست ، ولكن أيض ا تامين خروج سلس من الاتحاد الأوروبي بكل التدابير الانتقالية. كما سيتعين على الحكومة المقبلة تعزيز وحدة المملكة المتحدة ، المهددة بدعوات الاستقلال من اسكتلندا من قبل حكومة مؤيدة لاوروبا ، وأيض ا بمسألة الحفاظ على الحدود المفتوحة بين المقاطعة البريطانية ايرلندا الشمالية ، وجمهورية أيرلندا ، العضو في الاتحاد الأوروبي.