التعليم المغربي يغير جلده في السنين الأخيرة ،حقيقة تبدت مع موجة التوظيف الجهوي أو نظام التعاقد كما سمي في البداية حيث تم ضخ أكثر من خمسين ألف أستاذ وأستاذة بمختلف الأسلاك التعليمية والاستجابة لآلاف طلبات التقاعد النسبي فضلا عن مغادرة نسبة هامة لأطر التدريس الفصول الدراسية بفعل وصولها لسن التقاعد أو التحاقها بمهام إدارية .ما يعني انه في غضون عشر سنوات المقبلة سيشكل أساتذة التوظيف الجهوي العمود الفقري لهيئة التدريس بالمملكة ، لكن الملاحظة الأساسية التي تميز هذه التشكيلة الفتية الجديدة التي ستحمل مشعل تربية الأجيال القادمة هو الهيمنة شبه المطلقة للعنصر النسوي بها بما يزيد عن الثلثين أو أقل قليلا حيث وصل عدد المدرسات بالتعليم العمومي موسم 2017/2018 ما يزيد عن 64704 أستاذة و27502 أنثى بالتعليم الخصوصي،ما يطرح أسئلة جادة حولها : هل كان الأمر مجرد صدفة طيبة فرضته النقط الجيدة التي حصلت عليها الإناث في مباريات التعليم ،أم واقع فرضه الارتفاع الكثيف لنسب تخرج الإناث من الجامعات المغربية مقابل الذكور وتفشي البطالة بينهن ،أم أنه العقل الأمني للدولة الذي يجد الإناث أكثر طواعية في تفادي مظاهرات المطالب الاجتماعية والمادية التي لا تنتهي لرجال التعليم ،أم أن الأمر يتعدى ذلك باعتباره توجها استراتيجيا للدولة بتأنيث المدرسة المغربية بتكتم شديد خدمة لأهداف بيداغوجية بعيدة المدى ؟ فالشكاوى العديدة التي تضج بها وسائط التواصل الاجتماعي فور ظهور نتائج مباريات التعليم كل مرة تؤكد كل هذه الاحتمالات السابقة مجتمعة ،وتبين بالملموس أن التمييز الايجابي للعنصر النسوي أضحى ميزة فعالة في اختيار أطر التدريس الجديدة التي ستتحمل تنزيل الرؤية الإستراتيجة لمدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء الفردي والمجتمعي .
لقد عودتنا تجارب الإصلاح التربوي السابقة على مدى عقود أن المدرسة المغربية بمختلف أسلاكها تبقى حقلا للتجارب العشوائية دون أن يرتكز الأمر على بحوث تربوية رزينة تستشرف الايجابيات والسلبيات وتوازن بينهما حتى يتخذ صاحب القرار التربوي الإجراء الصحيح ،بل تترك الأمور لهوى المسؤول الوزاري الذي يشرف على قطاع التربية وما يوحى إليه من ضرورات أمنية وسياسية ونقابية واجتماعية ،فتضيع أجيال بين رغبة هذا المسؤول ورؤية الآخر للأمور ،حدث هذا مع تعريب تدريس العلوم ثم التراجع عنها واعتماد بيداغوجة الإدماج وتركها وكذا تبديل نظم البكالوريا والإجازة والماستر دون مساءلة جادة عن فوائد الاقرار ومزايا الترك ،وكأن الأمر يتعلق بمختبر تجارب متوسط المدى ولا يهم أجيالا صاعدة مؤثرة ستشكل العمود الفقري لمغرب الغد القريب.واذا كانت حدة التقلبات التربوية قد خفت مع اعتماد القانون الاطار للتربية والتكوين باعتباره نصا قانونيا ملزما سيؤطر تدخلات كل الفاعلين المستقبليين مع منظومة التعليم أيا كان موقعهم فإن تسربات جانبية متعددة كمثل تأنيث التعليم ستضغط بقوة على المخرجات الحقيقية المقبلة للعملية التعليمية التعلمية دون أن تكون موضع مناقشة مجتمعية لدراسة حدود ايجابياتها ومساوئها انطلاقا من تجارب لدول أخرى أو بحوث تربوية حول الموضوع .
إن مهنة التعليم ليست وظيفة عادية كباقي الوظائف تحكمها حقوق وواجبات فقط ،لكنها شبكة معقدة من العلاقات التواصلية اليومية التي ينسجها المعلم أو المعلمة مع الأطفال والتي تؤثر في تشكيل شخصيتهم وصقلها ،فجميعنا نبني مواقف حاليا عن وعي أو دون وعي انطلاقا من
تجارب بسيطة عايشناها مع أحد أساتذتنا قولا أو فعلا تركت أثرا عميقا في نفسيتنا وترسخت في وجداننا ،لهذا فالتأثير الذي سيتركه الأستاذ أو الأستاذة في مراحل التعليم الأساسي أساسي جدا في صنع مستقبل البلد ،لهذا تتحرى دول حريصة على مكانتها الدولية أقصى درجات الحزم في اختيار معلمات ومعلمي الفصول الابتدائية بالخصوص تكوينا وتواصلا وحضورا نفسيا مع متابعة سنوية وتحفيزات دورية حتى لا يهدم العناء اليومي شعلة العطاء التربوي للمدرس الممارس، وتتابع كل صغيرة وكبيرة قد تمس جوهر العملية التعليمية . وحتى الآن لا زال موضوع تذكير وتأنيث هيأة التدريس بالمستويات الابتدائية يثير تجاذبات كبيرة بين الفاعلين التربويين بين منتصر لهذا الرأي أو ذاك في عدد من الدول التي اعتمدت تأنيث التعليم كليا أو جزئيا ثم تراجعت عنه أو العكس .فالمؤيدون لتأنيث التعليم يحاججون بأن طبيعة الأنثى الفطرية كأم ومربية لأولادها وعواطف الرحمة والحنان والرأفة والتضحية التي بثها الرحمان فيها تجعلها أقدر من الذكر في التعامل مع الصغار وأكثر صبرا في معالجة مشاكلهم وشغبهم وحماسهم الطفولي حتى في أوقات الاستراحة والفراغ ،بينما الرجل يتبرم وينفر بسرعة ويفقد أعصابه لأتفه الأسباب ما يجعل تواصله صعبا مع المتعلمين ،فيقل التواصل الايجابي ويغلب الحزم ما قد يؤثر على ذوي التعثرات التعلمية فيسهل تسربهم وهناك قصص أليمة سمعناها عن مغادرة تلاميذ وتلميذات للفصول نتيجة قسوة مدرسيهم، دون أن نغفل نقطة جوهرية وأساسية أن مهنة التعليم بالنسبة للمرأة تحقق لها الرضى الوظيفي وتمنحها طمأنينة كبيرة ومكانة اجتماعية محترمة ،ما يجعلها أكثر عطاء وكفاءة في القسم ،في حين تبقى هذه المهنة بالنسبة للطالب آخر الحلول الوظيفية بعدما يجرب حظه في ميادين شتى ،فيأتي إليها غالبا محملا بهزيمة نفسية لا تبين تنعكس فيما بعد على مردوديته وجديته ودافعيته للتدريس،وهذا ما يفسر غالبا الإشادات المتواترة للمفتشين التربويين والاداريين بأجواء العمل وروح
الحماس والعطاء والجهد التربوي لدى الفصول التي تسهر عليها الإناث بتفان واتقان ،وهو شيء جلي وواضح وملموس بالتجربة ولا يحتاج الى جدالات زائدة .
لكن الأمر عند علماء السوسيولوجيا والباحثين التربويين الذين يضعون الأمور تحت مبضع التشريح والتحليل طويل المدى ليس بهذه البساطة ،فقد توصل قسم كبير منهم بعد ملاحظات طويلة الزمن أن تأنيث التعليم يسبب تشوهات مجتمعية خطيرة واضطرابا وغموضا وتصدعا في شخصية المتعلمين والمتعلمات في مراحل شبابهم، حيث يغلب على طبعهم الليونة والميوعة وعدم القدرة على تحمل المسؤولية وغلبة سلوكات انثوية ،بل قد يصل الأمر الى ميول جنسية مشوهة لدى الجنسين نتيجة تعودهما على تقليد تصرفات وحركات معلمته ،وكذا عدم الانضباط لتعليماتها لرخاوة وسلاسة العلاقة بينهما داخل الفصل خصوصا اذا كان الأب غائبا أو منشغلا عن أولاده في أغلب الأوقات نتيجة ضغوطات العمل المكثفة،دون أن ننسى زيادة حالات التنمر بين الصبيان والمضايقات والتحرشات الناعمة التي تتعرض لها الفتيات في الأقسام الختامية للمدارس الابتدائية والاعدادية من الفتيان في الأقسام التي تشرف عليها الأستاذات ،حيث يتجاهلن غالبا مثل هذه الشكاوى التي تترك أثرا نفسيا سيئا لديهن في المستقبل ،وهناك الآن في بعض الدول الأروبية والأمريكية اتجاه جدي نحو حقن مزيد من المعلمين الذكور في المدارس لتعويض الخصاص الكبير فيهم بعدما هجر الرجال مهنة التعليم بل ووصل الأمر لإعداد توصيات ملزمة لإعادة فصل الجنسين في الفصول الدراسية بفرنسا وبريطانيا في المدارس الثانوية حتى تزيد نسبة التحصيل الدراسي.
إن المجلس الأعلى للتعليم وخصوصا هيئة التقويم به ووزارة التربية الوطنية ملزمتان بدراسة متأنية وعميقة لهذه الظاهرة التي تغزو المدارس
العمومية والخصوصية المغربية بكثافة وصمت، وأن تخضعها لدراسة بحثية مقارنة بمختلف جهات المملكة عوض ترك الحبل على الغارب حتى نصدم بآثارها الاجتماعية في نهاية تحصيل الرؤية الاستراتيجية لنتباكى حينها على جيل معطوب نفسيا ،فهناك مدارس كثيرة في المدن كل طاقمها إناث باستثناء المدير المغلوب على أمره وحارس الأمن بعدما أفسدت الحركات الانتقالية السخية مع الالتحاق بالأزواج البنية التربوية للطاقم التعليمي بالمؤسسات التعليمية ،واذا كان لا بد من ابتكار حلول عوض النقد المرسل فإنني أدعو بوضوح إلى اجبارية تلقيح المدارس المؤنثة كليا أو بنسب تفوق التسعين في المائة بأساتذة ذكور منعا لأن يتربى جيل كامل على يد أستاذات من الحضانة حتى القسم السادس لأن في هذا الأمر جريمة وتعد واضح على حق الطفل في الاستفادة من مهارة الجنسين في تعلمه وتكوين شخصيته والذي تكفله المواثيق الوطنية والدولية ،وأحبذ أن يقتصر تأنيث التعليم على الفصول الدنيا من التعليم الابتدائي وأقصد بالضبط المستويات الأول والثاني والثالث بتوصيات صريحة من السيد الوزير حتى لا يشعر الطفل باختلاف جو الأسرة عن جو المدرسة في مراحلها الأولى مع تقليل بارز لرزم التقويمات والاختبارات الغبية التي تثقل كاهل المتعلمين والمتعلمات وأولياء أمورهم في مثل هذه السنوات الأولى لتسهيل آليات النجاح في هذه السن المبكرة للطفل دون أعطاب نفسية لا مبرر لها ،وأن يتم تذكير التعليم في المستويات التالية الرابع والخامس والسادس بنسب مهمة كلما سمحت البنية التعليمية بذلك لصنع جيل متوازن يستطيع أن يستكمل حياته بثقة أكبر ويدافع عن موقع بلده بين الأمم .