لقد أكدت التجارب أنه من الأسباب القاسية التي تؤدي إلى إفلاس الأحزاب السياسية هي الكلام النابي الصادر من أعلى سلطة داخل الحزب السياسي، وتغييب الديمقراطية وإحضار المحاباة والود والقرابة أو الصحبة المزيفة التي ليس الغرض منها إلا قضاء الحاجة، واكبر دليل على هذا الرأي، هناك ما وقع داخل مكتب الشبيبة الشعبية حيث ظهرت هذه المحاباة والتفاضل، إذ أصبح المسؤول أو القيادي الأول في الحزب يعبر عن انحيازه إلى طرف ضدا على طرف آخر، وهما مناضلان في صفوف نفس الحزب، فأين الديمقراطية التي تنادي بها الأحزاب السياسية أو على الأقل تقدير توظيف هذا المصطلح في خطاباتها السياسية ولا تأخذ بها حتى داخل صفوف مناضليها الشباب الذين يتأسون بأخلاق من سبقوهم إلى الحزب، أو معلمهم الأول الأمين العام الذي من الواجب عليه بل من اللازم عليه أن يكون محايدا، والمناضلون أمامه سواسية لا يفرق بين هذا وذاك، وإن استعصى الأمر فالاحتكام إلى صندوق الاقتراع، وفتح المجال لكل ذي كفاءة وقدرة لإقناع زملائه أو بالأحرى رفاقه في الحزب ليصوتوا عليه حتى يكون هو القائد العادل بينهم ولا يفضل جهة عن جهة أخرى، بحيث يجب أن يكون الجميع تحت جناحيه متساوون في الحقوق والواجبات، لا فرق بين غني ولا فقير، ولا ضعيف ولا قوي، إلا بالعمل الجدي والتقوى والإيمان بمبادئ الحزب وأخلاقياته، ومن خرج على ذلك فهو عاص وجب طرده بالعلان وبالحجة والبرهان، بعدما أن يفتح له الباب ليدافع عن نفسه من خلال لجنة الأخلاقيات أو الأدبيات السياسية. يؤسفنا جدا اليوم عندما نرى ونسمع أمينا عاما يتفوه بكلام نابي محاولا طرد أحد مناضليه بدل أن يفتح معه حوارا حتى يعرف من هو على الصواب، أو من هو على الخطأ، وبالتالي حل المشاكل (باللتي هي أحسن)، وخير الأمور أوسطها، فالحزب السياسي أو مقر هذا الأخير ليس ملكا لأحد فهو للمواطنين الذين يرغبون في المساهمة، أو الانخراط في الأحزاب السياسية، ولكن إذا ما سادت الفوضى وسوء التدبير، وغاب الاحترام المتبادل "اقرأ الفاتحة على هذا الحزب" الذي وقعت فيه الفوضى العارمة أو الضرب والجرح، أو صدر كلام نابي من المسؤول الأول في الحزب الذي هو في الحقيقة قدوة للأخلاق والديمقراطية، ولملمة المناضلين كبيرهم وصغيرهم، قديمهم وجديدهم، وحثهم على العمل والاحترام المتبادل حتى يصبحوا إخوانا في الحزب، وإلا لماذا الدولة تدعم الأحزاب السياسية بالأموال الطائلة؟ فالدولة تمنح هذه الأموال للأحزاب السياسية من أجل تأطير وتكوين الشباب بصفة خاصة، والمناضلون بصفة عامة، حتى يكونوا هم أيضا نموذجا في التربية وحسن الأخلاق للمواطن العادي الذي قد يعجب بسيرة هذا المناضل أو ذاك وينظم إلى الحزب، أو على الأقل يعمل بنصائح هذا الحزب وتوجيهاته السياسية وهو الأمر الذي من شأنه أن يرسخ الثقة في الحزب وأمينه العام.
أما و إن كان الحزب فاسدا أدبيا مع مناضليه وفاسدا ماديا مع المواطنين، فما الحاجة إذن إلى ذلك، إذا كان ذلك لا يجلب للحزب إلا الشر والشرانية، وبالتالي يتفكك هذا الحزب أو يتم تفكيكه أو حله سواء بقرار الحزب نفسه، أو بقرار القضاء المختص، لأن الدولة في غنى عن الفوضى وعن الاضطرابات والمخالفات التي لا يجني منها إلا سوء النظرة الخارجية واليأس، و دور الأحزاب السياسية الفعال هو التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية.
وعلى ضوء ما سبق ذكره أعلاه، ونرجو أن تكون هذه التصرفات الغير مسؤولة هي آخر المصائب السياسية، وان ينعم علينا الزمن بخير من ما عايشناه ورأيناه في الأيام الأخيرة القريبة، والأكيد ما حدث
لا يعبر إلا على شيء واحد، هو المصلحة الشخصية الذاتية، أما المصلحة العامة العليا فهي الأخيرة وهو ما يسمى بالتناقضات في اللغة السياسية، وأساسا في ظل الاستحقاقات المقبلة سنة 2021 ،التي قد تجد المجتمع المغربي وصل إلى درجة عالية من الوعي الحضاري والثقافي والسياسي بحيث كيف للناخب أن يصوت على حزب وأمينه العام يتفوه بكلام غير لائق، تندد به وترفضه الأسر المغربية المحافظة، حيث قال "سير …….." وكررها أكثر من مرة، وهذه الجملة يستنكرها الأب والأم كما يستنكرها الأبناء أمام الوالدين، وهم تربوا على أنها كلمة عيب ومنحطة "حشومة"، والمتعارف عليه أن الأسر المغربية محافظة والأبناء ينشئون في كنفها محافظون، فكيف لهؤلاء الشباب منذ أن وطأت أقدامهم الأرض وهم لا يسمعون إلا الكلام الطيب أن يسمعوا مثل هذا الكلام النابي، وقال الشاعر أحمد شوقي : (إنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا *** وإذا أصيب القوم في أخلاقهم *** فأقم عليهم مأثما وعويلا *** صلاح أمرك للأخلاق مرجعه *** فقوم النفس بالأخلاق تستقم).
وللتذكير فقط، لقد تحدثنا في مقال سابق عن نشأة حزب التقدم والاشتراكية، نشر في موقع أخبارنا في 08/10/2019، وأشرنا باختصار إلى الشخصيات التي قامت بتأسيسه، فهي شخصيات من منبع عائلي محترم، يحترمون الكبير قبل الصغير، لأن الصغير سينهل منهم أخلاقهم وطبائعهم، وأقول للأخ نبيل بن عبد الله، أنت من أسرة رباطية عريقة محافظة، ومما لا شك فيه أنك نهلت من أخلاقهم وطبائعهم في التعامل مع الناس، ولا تنسى أننا نعيش في القرن الذهبي للتكنولوجيا المتطورة، عصر الانترنيت والتويتر والفيس بوك، ونقل المعلومة بأخف من لمح البصر بين دول العالم، لذا فإن الكلمة التي صدرت منكم، أستسمحكم في أن تعتذروا لهذه المجتمعات، وفي المقدمة المجتمع المغربي بصفة عامة والمجتمع الرباطي بصفة خاصة، ربما تخفف عنكم موبقات سيكون وزنها ثقيل عليكم في الاستحقاقات المقبلة، وعفى الله عما سلف لأن الذنب يزول بالتوبة والمعذرة، وإن كانت زلة لسان مع غضب عرضي، والاعتراف بالخطأ فضيلة.
الأخلاق السياسية، تعتبر في رأيي، داخل صفوف المناضلين سدا مانعا ضد الانشقاقات والدسائس الداخلية التي قد تكون هي في حد ذاتها بذرة الخلافات بين القمة والقواعد.
وكما تعلمون السيد الأمين العام، أخلاقيا يعاب على الدبلوماسي والسياسي الغضب حتى لا ينفلت منه الصواب والتركيز في تناول الكلمة، وعليه أن يأخذ ولا يعطي، وهاتين الصفتين أنتم السيد الأمين العام ملقب بهما، بحيث كنتم سفيرا لصاحب الجلالة، يعني اكتسبت صفة دبلوماسي وانتم تمارسون السياسة كأمين عام منذ أمد طويل، وبالإضافة إلى هذا وذاك، تربيتم في أحضان أسرة محافظة "آل بن عبد الله" فالوالد كان رجلا طيبا لا ينطق إلا بالكلمة الطيبة، وكذلك عمك رحمه الله كان مديرا بوزارة الصناعة التقليدية مشرفا على إدارة الصناعة التقليدية بالرباط، حيث كان رحمه الله من أطيب الناس لا يؤذي أحدا ولا يجلب لنفسه أذى، كان يحب الناس وهم يحبونه، ولا تجد من يقول فيه رحمه الله إلا الكلام الطيب والتنويه، كان يمد يد المساعدة للجميع، يحب العلم وأهل العلم، كان يشجع على العمل الذي يغني عن الناس، سواء احتراف الصناعة التقليدية أو غيرها، لكسب لقمة العيش الحلال، وعموما أرجو أن تشفع لك السيرة الطاهرة لأبيك وعمك، وبعد الاعتذار، تراجع نفسك وتعترف بالخطأ، لأن الاعتراف بالخطأ فضيلة، وبالتالي تكون قدوة لمناضلي حزبك "حزب التقدم والاشتراكية" الذي كان على رأسه رجلان فاضلان وهما، السيد علي يعتة رحمه الله ومولاي اسماعيل العلوي أطال الله في عمره مع موفور الصحة والعافية، ولا أخفي عليك فإنني اعرفهما حق المعرفة، وحتى يوم كنا نواري جثمان المرحوم الأستاذ المعطي بوعبيد في مقبرة الشهداء بالدار البيضاء، كان السيد علي يعتة يظهر عليه التعب وجلس
على قبر، وقال "قرب الأجل آ الشريف" وماهي إلا أسابيع وسمعنا بوفاته يرحمه الله، وهو الرجل المتواضع الذي كان يحب بلده وأهله.
ولا تنسى، السي نبيل بن عبد الله، أن حزبكم دائما ينادي بتفعيل الديمقراطية، وقد يتساءل المرء "حزب ينادي بالديمقراطية والحوار وهو لا يعمل بهذا داخل صفوف المناضلين في حزب التقدم والاشتراكية !!!!"، ألا يفقد ذلك الثقة في أقوالكم وتعهداتكم من خلال مشاريعكم الانتخابية؟، وأستسمح إن أطلت عليكم أو تجاوزت وإنما هي الغيرة الوطنية الصادقة، أما الحزب الذي وقع في مقر شبيبته تبادل الضرب والجرح أي حزب الحركة الشعبية فإني لم أجد لتلك الفوضى مبررا إلا غياب الانضباط والتاطير، وحزب الحركة الشعبية ليس وليد اليوم، وإنما هو من أعرق الأحزاب المغربية التي ظهرت مباشرة بعد الاستقلال وحصل حزب الحركة الشعبية على (45) مقعدا في الانتخابات التشريعية، اختيار أعضاء مجلس النواب في يونيو 1977، وكان له فريقا يسمى فريق الأصالة المغربية والعدالة الاجتماعية رئيس الفريق النيابي هو محمد معتصم.
حزب التقدم والاشتراكية، كان دائما يعبر عن الخيار الديمقراطي من خلال صياغة إستراتيجية النضال الديمقراطي وهو مبدأ أساسي في أدبيات حزب التقدم والاشتراكية.
وبالعودة إلى حزب الحركة الشعبية التي وقع في مقرها الضرب والجرح وتدخل الأمن لفض النزاع، يعود بنا هذا إلى الأيام الأولى لتأسيس الحركة الشعبية، حيث أعلن "السيد أحرضان" في فبراير 1959 عن التكوين الرسمي لحزب الحركة الشعبية كحزب سياسي جديد، وأقيم جهازها المركزي بالرباط، وأصبح "المحجوبي أحرضان" أمينا عاما لها، ولقد استقبله جلالة الملك بهاته الصفة رفقة صديقه الدكتور الخطيب، ولقد انعقد المؤتمر التأسيسي للحركة الشعبية في دجنبر 1959 وألقى بالمناسبة احرضان خطابا حدد فيه التوجهات العامة للحزب التي يمكن تلخيصها كما يلي:
الحركة الشعبية تناهض الديكتاتورية، وجاء في هذا الخطاب الكلمة التالية (المغاربة لم يحرزوا على الاستقلال ليفقدوا الحرية، وهنا واجب احترام الكلمة التاريخية والعمل بها داخل صفوف الحزب، مناهضة الديكتاتورية الحزبية ومحاربتها بكل الأشكال والسبل)
وجاء في الخطاب التأسيسي أيضا:
فمحاربة الديكتاتورية تتم عن طريق "اشتراكية إسلامية" تتلاءم مع روح الإسلام وتحترم مقومات البلاد.
والسبيل لإقامة الاشتراكية الإسلامية هو الملكية الدستورية، ولذلك تطالب الحركة الشعبية بانتخاب مجلس تأسيسي توكل إليه مهمة تزويد بدستوري ديمقراطي يضمن حقوق المواطنين في الحرية والكرامة.
والسؤال أين هذا في سياق التنظيم الحزبي؟
الحرية التي نادى بها الخطاب التأسيسي كان يقصد بها حرية الرأي، حرية الفرد داخل المجتمع، حرية الاختيار، لكن اليوم نلمس التدخل في اختيار أعضاء مكتب الشبيبة الشعبية الذي هو اختيار فردي وديمقراطي، فهؤلاء الشباب لهم حرية اختيار من يمثلهم في هياكل الحزب حتى يعبروا عن رأيهم ويتابعوا مسار الحزب عن قرب، لا يفرض عليهم أحد الشباب ليكون على رأس مجموعة من الشباب المتطلعين إلى الحرية والديمقراطية، وهم يرفضون كل أشكال الدكتاتورية وفرض الأمر الواقع، ويقول المثل أهل مكة أدرى بشعابها، ولكن ما جرى كان تعبيرا صريحا على أن الشباب لازالوا ناقصي
الأهلية، ولابد لهم من يفرض عليهم رأيه ويوجههم، والأمر هذا أن الحركة الشعبية نشأت في إطار تكريس المنظومة الحزبية "التعددية"، والتعددية تدل على تنوع الأفكار والمواهب والتطلعات إلى مستقبل أفضل في سياق تلاحم وتناسق نحو الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وبالتالي مناهضة الديكتاتورية والرأي المفروض الفوقي الأحادي.
فالشباب المغربي اليوم وصل إلى درجة عالية من الوعي الثقافي والديمقراطي، الأمر الذي من شأنه يؤهله لتحمل المسؤولية وهو مقتنع برأيه الخاص لا يمليه عليه احد، وبهذه الديمقراطية وهذه الحرية قد يسير الشباب بالبلد إلى الأمام، أما وإن تأثر بما يمليه عليه الغير وأساسا معلموه أو مربوه أو مؤطروه، قد يزيغ عن السكة وتفلت منه زمام الأمور، جراء التأثير الذي تجسد في عقليته.
ومن هذا المنطلق، فالشباب محتاج إلى الحرية في اتخاذ القرار الحر حتى يتوارث الإيمان بالحرية ومعه تتجدد العقليات، وتتطور الوقائع والأحداث، فالأحزاب السياسية في رأيي الخاص يجب أن تكون بمثابة مراكز تكوين وتاطير وصقل الأفكار والمواهب الشبابية وتشجيعهم على الممارسة السياسية اليومية في إطار الأخلاقيات والأدبيات السائدة، وهو ما يمكن أن يعبر عنه بالتاطير السياسي من طرف الأحزاب السياسية لأن الحزب يعد مدرسة تكميلية لما تعلمه الشاب المناضل في المؤسسات التربوية والتعليمية العمومية، ومن هذا المنطلق يعتبر الشاب المناضل في صفوف الحزب السياسي بمثابة مشروع تحمل المسؤولية بكل أمانة وثقة، غير انه لابد من الابتعاد عن التمييز و أن يعتبر الأمين العام للحزب بأن الشبيبة هي منبع الاستمرارية، وبالتالي يكون الأب الروحي للجميع، وان يشملهم بعطفه ونصائحه سواء بطريقة مباشرة أو عبر الخطاب التوجيهي.