مع اقتراب افتتاح كل دورة تشريعية، يكثر التساؤل حول الرهانات المطروحة أمام المؤسسة التشريعية، ومدى قدرتها على الاستثمار الناجع للزمن التشريعي وتفاعلها مع الرسائل التي التقطتها من الخطب الملكية، كمرجع أساسي للعمل التشريعي والحكومي على حد سواء. فدورة أكتوبر ترتبط في الأذهان بمشروع القانون المالي السنوي، النص التشريعي الذي يطبق السياسة الحكومية في مجال الاقتصاد والمالية، والذي تطرح أمامه أيضا رهانات كبرى. وفي هذا الصدد، اعتبر أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، السيد عبد الكريم الحديكي، أن الدورة التشريعية المقرر افتتاحها في الأسبوع الثاني من شهر أكتوبر من هذه السنة، ستنصب كعادتها على مناقشة مشروع القانون المالي السنوي، الذي قد يتضمن بعض التغييرات المرتبطة بتفعيل التوجهات الملكية، خاصة قطاع التعليم بمختلف مستوياته وأصنافه. وأضاف، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن البرلمان مدعو خلال هذه الدورة إلى تسريع وتيرة التشريع والعمل على تجاوز المعيقات التي تؤخر خروج عدد من مشاريع القوانين المهمة إلى حيز الوجود. وفي ظل الاختصاص الموكول للبرلمان المغربي، يضيف السيد الحديكي، ينتظر من مجلسي البرلمان الإسراع بتبني مشاريع النصوص القانونية المرتبطة بالقانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، التي ستعرضها عليهما الحكومة استكمالا لورش إصلاح المنظومة، وبذلك فدور المجلسين بالنسبة لهذه المشاريع هو المساهمة في تجويدها بإدخال بعض التعديلات الجزئية غير المؤثرة على هيكلتها وتوجهاتها إن برزت بها نواقص أو ثغرات أو غموض. وذكر في هذا السياق بأن معالم تدخل البرلمان محددة في المواد 6 و 17 و 43 و 53 من القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، التي تنص على اتخاذ ما يلزم من التدابير التشريعية والمالية لتحديد التوجهات التي ينبغي اتباعها في مجال السياسة العمومية المتعلقة بكل مكون من مكونات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وإقرار نظام خاص ومتكامل للتحفيز على إبرام الشراكات، ومراجعة النصوص التشريعية المنظمة لمهام التقييم. أما المادة 47 فتتعلق بإحداث صندوق خاص لتنويع مصادر تمويل منظومة التربية والتكوين، والذي من المحتمل أن يتم إدراجه في مشروع قانون المالية السنوي المقرر عرضه على الدورة البرلمانية المقبلة. ومن المنتظر، حسب الأكاديمي، أن يظل مشروع القانون التنظيمي المتعلق بممارسة حق الإضراب في الدورة المقبلة بدون بت في مقتضياته، بحكم الخلاف حوله بين الفرق البرلمانية ومعارضة النقابات الشديدة له. وخلافا لذلك، يضيف المتحدث، قد تعرف الدورة استمرار تعزيز الإطار التشريعي ل "الجهوية المتقدمة"، والتي تعد إحدى مقومات التنزيل المستقبلي للنموذج التنموي الجديد. هذا النموذج، الذي ينتظر بلورته من لدن اللجنة المعينة لهذا الغرض، يستبعد الباحث الجامعي أن تتم بلورة خطوطه العريضة قبل نهاية السنة الحالية، ويرى بالتالي أن الاحتمال الغالب هو استبعاد أن يتداول البرلمان في تشريع خاص به خلال هذه الدورة. وقد تكون الدورة المقبلة أيضا مناسبة للتصويت من جهة على مشروع القانون المتعلق بمؤسسة الأعمال الاجتماعية لموظفي وأعوان الجماعات الترابية ومجموعاتها وهيئاتها، وعلى مشروع القانون المتعلق بإعادة تنظيم مؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاجتماعية لفائدة رجال السلطة التابعين لوزارة الداخلية، واللذين عرضا على المجلس الحكومي على التوالي في 29 غشت و5 شتنبر من سنة 2019، إضافة إلى مجموعة من الاتفاقيات الدولية المصادق عليها حديثا. أما في المجال الرقابي، فيرى السيد الحديكي أن الوضع سيستمر كما هو معمول به في الدورات المنصرمة ، باستعمال مكثف لآلية الأسئلة الكتابية والشفوية التي تحظى باهتمام بالغ من قبل نواب الغرفتين، والتي تدعمها الجلسات الشهرية المتعلقة بمناقشة السياسة العامة في مجال معين لقطاع حكومي. ويبقى الرهان البارز أمام البرلمان برسم الدورة الخريفية هو الاستثمار الناجع للزمن التشريعي والتفاعل الإيجابي مع القضايا المجتمعية.