بشر العاهل المغربي الملك محمد السادس، المواطنين المغاربة بمرحلة جديدة قوامها نموذج تنموي متطور، تمس ثماره جميع فئات المجتمع المغربي. وأقر جلالته في خطابه السامي الذي ألقاه قبل قليل من مساء اليوم الإثنين 29 يوليوز الجاري، بمناسبة الذكرى ال20 لاعتلائه العرش، بالإختلالات التي صاحبت النموذج التنموي بما في ذلك عدم إحساس الفئات المهمشة والطبقة الوسطى بنتائجه، ليكون الملك واضحا في طرحه ومنسجما مع خطاباته السابقة (من وجهة نظرنا على الأقل) عندما قال بعدم "تحقيق كل ما كنا نطمح إليه"، مؤكدا على أن المغرب حقق نجاحات كبيرة خصوصا في مجال الطاقات المتجددة والقطار الفائق السرعة والطرق السيارة، مشيرا في الوقت ذاته إلى ضرورة إصلاح الإختلالات التي عرفتها التجربة بما في ذلك عدم مساس آثار التقدم والنجاح جميع طبقات المجتمع، خصوصا فيما يتعلق بالخدمات الإجتماعية. ومرة أخرى، أبدى الملك المغربي اهتمامه بالطبقة الوسطى وبضرورة تطويرها، وهو ما ينم عن تتبع دقيق من طرفه لأدق تفاصيل الحياة السياسية، الإقتصادية، والإجتماعية بالمملكة المغربية، ليشدد جلالته على أهمية تجديد النموذج التنموي عن طريق إعلانه إحداث "اللجنة الخاصة للنموذج التنموي" في شهر شتنبر المقبل موعد الدخول السياسي والإجتماعي. ليعود العاهل المغربي، ويطمئن الجميع بأن اللجنة المذكورة لن تكون حكومة في الظل أو هيئة رسمية موازية، مؤكدا على أنها(اللجنة الخاصة للنموذج التنموي) هيئة استشارية محددة الزمان، وستضم في عضويتها مزيجا متنوعا من الروافد المعرفية والفكرية والثقافية والإقتصادية، موصيا أعضاءها بالتحلي بالشجاعة لرفع الحقائق ولو كانت قاسية، مشيرا إلى أن النموذج التنموي الجديد الذي يصبو إليه الجميع لن يشكل قطيعة مع الماضي بل استمرار لإيجابياته، موضحا جلالته أن النموذج التنموي الجديد لن يكون هدفا في حد ذاته، بل هو مدخل فقط ومحطة عبور نحو مرحلة متطورة وجديدة تؤدي إلى رفاهية المغاربة والسير بهم نحو المجتمعات المتقدمة. بالمقابل، أكد الملك على أن المرحلة الجديدة والمتطورة التي يطمح إليها المجتمع المغربي بكل فئاته تتطلب بالضرورة ضخ دماء جديدة وكفاءات متميزة في جميع المؤسسات بما في ذلك التنظيمات الحزبية والحكومة، وهي رسائل واضحة من الملك ولا تتطلب مجهودا كبيرا لفهمها من وجهة نظرنا دائما. وحسم الملك المغربي في خطابه مسألة التعديل الحكومي من جهة، التي شغلت بال المتتبعين والمحللين منذ مدة، عندما كلف رئيس الحكومة وبشكل رسمي باقتراح أسماء جديدة لتطعيم الحكومة وضخ دماء جديدة فيها، أثناء الدخول المقبل ما يعني عمليا أن المغرب سيعرف تعديلا حكوميا لم يكشف الملك عن تفاصيله خلال شهر شتنبر المقبل، ومن جهة أخرى حسم كذلك الجدل الدائر حول استمرار حكومة "سعد الدين العثماني" من عدمه، وأبدى(الملك) رضاه على الأقل من ناحية الخطاب السياسي الموجه لمناوئي التجربة "الإسلامية" وحزب "العدالة والتنمية" بالمملكة المغربية، وهذا من وجهة نظرنا انتصار ملكي للمدافعين عن الطرح "الإسلامي" الذي يتزعمه حاليا المستشار الملكي السابق وصديق الملك "حسن أوريد" وهو موضوع سنعود إليه بالتحليل المستفيض في مقال مفصل. من جهة أخرى، فقد حدد العاهل المغربي معالم 20 سنة من حكمه بالمغرب، وبشكل لم يترك مجالا للجدل والنقاش، في 3 نقاط أو محاور مركزية: 1الملكية المواطنة التي تعتمد على القرب من المواطن وتفهم همومه 2الخيار التنموي والديمقراطي الذي اختارته المؤسسة الملكية بالمغرب 3 الإصلاحات العميقة التي دأب عليها الملك منذ اعتلاء عرشه أسلاف الميامين ومن منظورنا، فالملك كان جد واضح ووجه رسالة مفهومة سواء للداخل أو للخارج، عندما اختار "الملكية المواطنة" نموذجا للحكم في المملكة المغربية، ليسد الباب أمام جميع الأطروحات الأخرى وبشكل انسيابي بسيط يدل على قوة الطرح على الأقل من الناحية السياسية...خصوصا عندما اعتبر المغرب ملك لجميع المغاربة في ظل الحرية والكرامة الإنسانية، وهما شعاران ميزا وسايرا جميع الحركات الإجتماعية في المغرب الحديث...وهنا من وجهة نظرنا قوة الطرح(الملكية المواطنة) التي نعتبرها إنتاجا مغربيا خالصا كنظام حكم ملتصق بمطالب وحاجيات جميع الفئات الإجتماعية بالمغرب. كان هذا على المستوى الداخلي، أما على المستوى الخارجي فمرة أخرى وبشكل لا يدع مجالا للشك جدد جلالته تشبثه بالحكم الذاتي كحل وحيد وأوحد لملف الصحراء المغربية، وشدد الملك المغربي في هذه النقطة وبصرامة ظاهرة على أن حل هذا الملف المفتعل سيكون تحت المظلة الحصرية للأمم المتحدة ولا شيء سواها. ومن جديد مد العاهل المغربي يده للجزائر نظاما حاكما وشعبا، وأرسل رسالة جد واضحة مفادها وحدة المصير والتصور الإستراتيجي للبلدين الشقيقين، مستدلا على ذلك بالفرحة العارمة التي اعترت الشعب المغربي بل وملك البلاد كذلك، عندما فاز المنتخب الجزائري ببطولة إفريقيا الأخيرة لكرة القدم التي نظمت بمصر، وهي نقطة مفيدة وذكية ويبدو أنها تجاوزت الحمولات السياسية والإيديولوجية لدى جيراننا(المقصود هنا النظام الجزائري الحاكم وليس الشعب) وتنم عن بعد إنساني راق لملك تواق لتجمع مغاربي قوي في ظل زمن التكتلات الإقتصادية والسياسية.