أحسن الرئيس الايراني محمد احمدي نجاد صنعا عندما ركز في كلمته التي القاها في الجمعية العامة للامم المتحدة مساء امس على ممارسة والغرب 'الترهيب النووي' لبلاده الذي بلغ ذروته في الاشهر الاخيرة. جرت العادة ان تستخدم اسرائيل، بل تستغل كلمات وتصريحات الرئيس الايراني لتصوير نفسها بانها الطرف الضعيف المستهدف بالمحو من على الخريطة من قبل الرئيس والمسؤولين الايرانيين الآخرين، لكي تستقطب تعاطف العالم الغربي اولا، وتحرضه ضد ايران مصدر الخطر الذي يهددها ووجودها ثانيا. اسرائيل هي التي تهدد ايران ومنذ حوالى عشر سنوات، وتلوح باستخدام اسلحة غير تقليدية لتدمير منشآتها النووية التي تقول وعلى لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو انها باتت على بعد اشهر معدودة من انتاج اسلحة نووية. الرئيس الايراني فاجأ الكثيرين عندما تحول الى محاضر في الاقتصاد والسياسة والتاريخ يلقي دروسا على الغرب حول ديونه التي تجاوزت 60 تريليون دولار (ديون الدول 18 الصناعية الكبرى وحدها)، وتحدث عن الحروب والهيمنة وسياسات التفرقة بين الامم، وحتمية اصلاح الاممالمتحدة. المفاجأة تكمن في تجنب الرئيس الايراني الحديث عن ازدحام مياه الخليج العربي بثلاث حاملات طائرات امريكية ورابعة بريطانية ومئات الزوارق والبوارج الحربية مما ينبئ بان الحرب باتت وشيكة. فهذه السفن الحربية، وبهذه الكثرة، لم تتواجد بهدف اجراء مناورات او تدريبات عسكرية وانما بهدف المشاركة في حرب ضد ايران اذا ما صدرت لها، ولقيادتها، الاوامر من واشنطن بالبدء في الهجوم. السيد نجاد خرج عن المألوف، واستخدم لغة مختلفة عن نظرائه المسؤولين الايرانيين الذين اطلقوا تصريحات بقدرة الصواريخ الايرانية على الوصول الى اي مكان في العالم، وتدمير اسرائيل بالكامل اذا ما تجرأت على شن هجوم على ايران، بل ان احد جنرالات الحرس الثوري الايراني لم يتردد بالقول بان ايران قد تقدم على توجيه ضربة استباقية اذا ما تأكدت بانها عازمة على مهاجمة بلاده. هل هي الحكمة والتبصر، ام ان الرئيس الايراني تعمد التخلي عن لهجته القوية لكسب الرأي العام العالمي من منبر الاممالمتحدة وتقديم نفسه وبلاده كضحية، خاصة انه يعلم جيدا ان بنيامين نتنياهو سيلقي خطابا بعده يحرض فيه العالم بأسره ضد ايران، ودعم اي عدوان اسرائيلي متوقع ضدها؟ لا نعرف ما في البواطن، ولكن قراءة ما بين سطور خطاب الرئيس الايراني تجعل المرء يخرج بانطباع مفاده ان السيد نجاد الذي سيكون خطابه هذا هو الاخير له امام المنظمة الدولية بسبب انتهاء مدة رئاسته منتصف العام المقبل، قد جرى نصحه، او طلب منه، ان يقدم خطابا مختلفا هذه المرة، وان يتخلى عن لهجة التهديد والوعيد التي اشتهر بها. يقيننا ان هذا الخطاب الاكثر هدوءا على غير العادة، دليل على اقتراب الحرب، وتبلور قناعة ايرانية راسخة في هذا الخصوص، وان ايران التي تريد ان تكون الضحية، قد لا تكون البادئة في اطلاق الرصاصة الاولى، وعقدت العزم على امتصاص الضربة الاسرائيلية الاولى ثم بعد ذلك الرد بكل ما اوتيت من قوة والله اعلم في جميع الاحوال.