قرأت مؤخرا قصة مفادها: «أن مهندساً زراعياً كان يعمل في إحدى القرى – في بلد عربي - ركب القطار من القرية في طريقة إلى العاصمة وجلس بجانبه فلاح مسن من أهالي القرية، فلاحظ المهندس أن بين قدمي الفلاح المسن كيساً وخلال الطريق كان الفلاح يقلب الكيس ويخلط محتوياته بعد كل ربع ساعة ثم يعيد تثبيته بين قدميه، واستمر على هذه الحال طوال الطريق. استغرب المهندس الزراعي من تصرف الفلاح العجوز فسأله: ما قصة هذا الكيس؟ وماذا بداخله؟ ولماذا تقلبه وتخلط محتوياته كل ربع ساعة؟ قال الفلاح المسن: أنا أقوم باصطياد الجرذان والفئران وأبيعها على المركز الوطني للبحوث ليستخدمها في التجارب المخبرية، فقال المهندس: ولماذا تقلب الكيس وتهزه بين الفينة والأخرى؟ فرد الفلاح: هذا الكيس فيه فئران وجرذان ولو تركته من دون تقليب وهز لأكثر من ربع ساعة فإن الفئران والجرذان ستشعر بالراحة والاستقرار وستتوقف عن «التوتر الغريزي» ولن يطول الوقت حتى تبدأ في قضم الكيس ثم ثقبه، ولذلك أهزّه كل ربع ساعة كي أثير خوفها وتوترها فتنشغل بالعراك في ما بينها منساقة بغرائزها وتنسى الكيس ريثما أصل إلى مركز البحوث في العاصمة»» إن المتأمل لمضامين هذه القصة ،يجد أنها تحمل بين طياتها العديد من المعاني و الدلالات،و تستحق أن تكون موضوعا للدارسة في معاهد السياسة و الإعلام و توجيه الرأي العام،للتشابه بين واقع الفئران و المجتمعات العربية من جهة و حنكة و دهاء الفلاح بحكام العرب من جهة أخرى. إن المجتمعات العربية لا تخلو من تشويش وزعزعة بين الحين و الآخر على جميع الأصعدة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و غيرها،لتشتيت الأفكار و تفريق الآراء و نشر الخلافات بين أفرادها ،و جعلهم ينشغلون ببعض، و أحيانا بتفاهات هم في غنى عنها لو كانوا يعقلون، لكن هز الكيس بقوة و تقليبه بين الفينة و الأخرى هو ما يجعل أفراد المجتمع دائما في توتر وصخب، يعرفون مصدره ولا المخرج منه .
وفي الختام،نقول أن المجتمعات العربية مطالبة بفك الوثاق عنها و الخروج من الكيس،من أجل النهوض و الرقي بمجتمعاتها،و أن سبل النهوض بهذه المجتمعات رهين بإعادة هيكلة و صياغة العقل العربي،و كذا تقوية شخصية المواطن العربي وبنائها على أسس قيادية متينة. فالحل ليس كما يعتقد البعض في تغيير الدساتير والحكام، فالدساتير الجديدة لا ولن تختلف كثيرا عن القديمة التي ينقصها الجانب التنفيذي، ولا في كثرة الأحزاب فكثير من الأحزاب العربية التي حكمت بعد الاستقلال كانت وطنية، ولكنها انحرفت بسبب ضعف الوعي لدى المواطن واستقالته من الشأن العام وتفريطه في حقوقه وقبوله بالظلم وتحوّله من شريك في تسيير الوطن وتدبير شؤونه إلى منقاد يحتاج إلى يقوده و يحكمه.