أخذت الحركة الامازيغية منذ بداياتها الاولى بالمغرب على عاتقها مهمات رئيسية استلهمتها من القيم الكونية لحقوق الانسان و من المنتجات الحضارية الايجابية التي راكمتها الشعوب في سبيل نضالها المعمد بالتضحيات الجسام من اجل الكرامة الانسانية ، فالحركة الامازيغية المغربية اعلنت منذ نشأتها إيمانها العميق بحقوق الانسان بدون تمييز بسبب اللون او الجنس او اللغة او الاصل الاجتماعي ... بل ان الحركة الامازيغية ولدت وترعرعت ضدا على كل مظاهر الاقصاء والتمييز والحكرة . من المهمات الرئيسية التي طرحت في اجندة النضال الحقوقي الامازيغي دمقرطة المشهد الثقافي واللغوي والاجتماعي المغربي وطالب الامازيغ في وثائقهم الاولى بالوحدة الوطنية في ظل الاختلاف والتنوع ، حيث ان الامازيغ بالمغرب تعرضوا لحملات تعريب وتهميش واقصاء ممنهج بخلفيات ودواعي ايديولوجية وسياسية واثنية واضحة، فكان من المحرم والمجرم في زمن ما ان تتحدث عن اللغة الامازيغية والثقافة الامازيغية في حقبة تاريخية ليست بالبعيدة عنا ابان سيطرة فكر قومي عربي اختزل الثقافة الامازيغية في الثقافة الشعبية واعتبر اي حديث عن التنوع والتعدد اللغوي ببلادنا دعوة للفتنة او خدمة للاجنبي الذي يتربص بنا او هكذا خيل له وروج ذلك على نطاق اعلامي واسع وصف الامازيغ بالبربر و اطلق بعض المثقفين المغاربة دعوات لاماتة ما اسموه باللهجات البربرية واعتبر المغرب بلدا عربيا صرفا وانتماؤه للمغرب "العربي" كما كان ذلك مكتوبا في دساتير المغرب . بعد عقود من نضالات الحركة الامازيغية المغربية ضد التهميش والتشكيك ومصادرة الحقوق تمكنت القضية الامازيغية ومعها الحركة الامازيغية من الصمود والتحدي المقرون بالسلمية والمدنية والعقلانية بل تقوت اكثر و طعمت ملفها المطلبي الذي مابات يرتكز على الحقوق الثقافية واللغوية الامازيغية فقط ، بل تعداها الى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، حيث اصبحت الحركة الامازيغية تتبنى مطالب اقتصادية عميقة كالحق في التوزيع العادل للثروات و جبر الضرر الجماعي للمناطق الامازيغية التي همشت تاريخيا بقرارات سياسية ظالمة ، و المطالبة بالغاء الظهائر الاستعمارية التي تستغل لنزع اراض الساكنة الاصلية الامازيغية بدعوى التحفيظ العقاري والاجهاز على غاباتهم و-خصوصا شجر الاركان الذي يعتبر موروثا ايكولوجيا عالميا حافظ عليه الامازيغ بتقنيات ومعرفة حياتية un bon savoir faire متميزة -وما شابه والمطالبة اساسا بدمقرطة الدولة والقضاء على الاحتكار السياسي للقرارات من طرف عائلات سياسية بعينها توارثت الحكومات من فجر الاستقلال بالمغرب وماتزال . الحركة الامازيغية عكس الحركات اليسارية التي خفت صوتها وانكمش نفوذها الجماهيري لعوامل ذاتية وموضوعية ، استطاعت ان تصمد وتزداد جماهيريتها و نفوذها المجتمعي والسياسي بفضل معقولية خطابها وتغلغله في كل الاوساط والشرائح الاجتماعية ، فمسيرات الحركة الامازيغية تجد فيها الشيخ الى جانب الطفل والنساء الى جانب الرجال والفنانين الى جانب الفلاحين، الطلبة الى جانب المحاميين والاطباء .. ، خطاب الحركة الامازيغية ليسا نخبويا او انتقائيا ، لا يهم طبقة محددة بعينها او فئة مهنية او شريحة سياسية ، بل هو خطاب متمدد متغلغل في كل ثنايا المجتمع و وصل صداه مؤخرا بشكل ملفت الى الجسم السياسي- رغم تكلس هذا الجسم وعناده الكبير للتغيير والانفتاح على المستجدات التي تعتمل في المجتمع – فباتت الاحزاب السياسية حتى المعادية للامازيغ تاريخيا تعيد مراجعة مواقفها وتضبطها احيانا بشكل انتهازي مع ايقاع المؤسسة الملكية المتقدمة جدا بمواقفها من القضية الامازيغية . صحيح ان مياه كثيرة جرت تحت جسر المجتمع المغربي وتغيرات كبيرة حصلت داخل اروقة الدولة المغربية من حيث افول بعض جهابذة الاقصاء و تراجع مواقعهم السياسية المهترئة امام رياح العولمة الثقافية والفكرية والسياسية الجارفة وامام صمود الحركة الامازيغية ، استطعنا كحركة امازيغية ان نربح جزء يسير من الاعتراف و الحق في الوجود وامامنا عمل كبير يجب القيام به ليس اقله نشر الفكر العلمي التاريخي بمشروعية نضالنا ومواجهة كل دعاوى التشكيك والتبخيس والجحود . ثمة امور اصبحت اليوم مكسبا مهما حققته الحركة الثقافية الامازيغية في سبيل نضالها من اجل دمقرطة الدولة والمجتمع ،اولها كسب رهان كون الحركة الامازيغية في عمومها حركة عقلانية منفتحة ضد كل انوع الانغلاق والتطرف والاحتكار بكل اشكاله ، بل يمكن ان نقول بان الحركة الامازيغية صمام امان امام انتشار الفكر الداعشي والاسلاموي المتطرف ، لان مرجعية الحركة الامازيغية تأبه الصنميات والزعامات و كل منابع التطرف والتزمت واغلب حركي التنظيمات الامازيغية علمانيون منفتحون متشبعون بالقيم الكونية . ثمة عدد من العناصر المشجعة والمساهمة في تقدم الخطاب الامازيغي -رغم سيطرة الجناح السياسي المحافظ اليوم على السياسة المغربية وسعيه الدؤوب نحو تقزيم المطالب الامازيغية وتأخير إنصافها- علينا تقوية واستثمار هذه المكتسبات والفتوحات النضالية الكبرى ، من بين هذه العناصر الاساسية والحاسمة في تليين بل تغيير العقلية السياسية المتحجرة للفاعل السياسي ببلادنا ، الارادة الملكية الصادقة والمتنورة التي أمنت بالحقوق الامازيغية وتجاوزت الأطروحات الحزبية المغربية بل وأحرجتها وترجمت تلك الارادة الملكية عن طريق عدد من الخطابات الملكية التي دعت الى انصاف الامازيغية ببلادنا و اعادة لاعتبار للثقافة واللغة الامازيغية ، امام هذه الارادة الملكية نحو التغيير والتنوير والاعتراف بالهوية الامازيغية للمغرب هناك قوى وجيوب مقاومة للمطلب الامازيغي في مختلف المستويات والاصعدة مما يبرر التلكؤ الواضح في اخراج القوانين التنظيمية الامازيغية في ظل حكومتين "اسلاميتين" حاولتا بكل وضوح الاجهاز على المكتسبات الامازيغية في التعليم والاعلام وكل مناحي الحياة. العنصر الثاني في نجاح الحركة الامازيغية هو صمود المناضلين و صعود اجيال جديدة خلفت الاجيال السابقة في تناغم و تراكم نضالي رفيع مكن من تلاقح خبرات القدامى مع عطاءات المناضلين الجدد، لذلك فضرع الامازيغية لم يجف كما حصل مع حركات اخرى ماتت بموت الزعماء المخلدين الذين ارتبطت بهم القضية ارتباط وجود لا ارتباط مبادئ وقيم . وهناك عنصر ثالث هو المعطى الاقليمي والدولي المشجع الذي اقتنع بان محاصرة المد الاسلامي و الارهاب المتنقل عبر الساحل والصحراء وفي كل مكان لا يمكن مواجهته الا بفتح المجال امام القوى المجتمعية ومنها الحركة الامازيغية التي تؤمن بالمشروعية الديموقراطية من جهة و تسعى من جهة اخرى لنشر قيم التنوير والتحديث والدمقرطة ، لذلك نرى الدور الهام الذي يلعبه الامازيغ في المصالحة الوطنية في ليبيا واستنجاد الغرب بهم للمساهمة في حل الازمة الليبية و الحراك الامازيغي الكبير الذي يعتمل داخل الجزائر مطالبا اساسا بالدمقرطة والحقوق والحريات والذي توج باعتراف النظام الجزئري بالامازيغية كلغة رسمية وبراس السنة الامازيغية كعيد رسمي و تنامي الوعي الامازيغي لدى امازيغ تونس رغم استمرار حصارهم من قبل مؤسسات الاخوان المسلمين و التواجد النوعي للحركة الأمازيغية المغربية في قلب كل المعارك الديموقراطية بالمغرب وليس اخرها حركة عشرين فبراير التي كان للامازيغ تواجد نوعي ومميز في حراكها الشبابي الديموقراطي والذي صادر الاسلاميون للاسف الشديد نفسه الديموقراطي .
الحركة الامازيغية المغربية ماضية في نضالها التاريخي من اجل المساهمة في دمقرطة الدولة المغربية و تغيير العقلية السلبية لدى النخب المغربية التي تجاوز الزمن بعضها ولكن رهانها الحقيقي هو حول إقناع المجتمع المغربي والمغاربي والدولي بعدالة القضية الامازيغية وبانها قضية شعب مقهور تاريخيا مضطهد سياسيا و مقصي فكريا من قبل ايديولوجيات اقصائية سعت الى التحكم في رقاب المواطنين والمواطنات باستغلال الدين واساءت للقضية الامازيغية بنفس اساءتها للدين نفسه ، فالامازيغ شعب يحترم كل اللغات والاديان والثقافات ويسعى فقط للعيش المشترك الانساني في ظل مناخ الحقوق والحريات المكفولة والمصونة للكرامة الانسانية و في كنف الديموقراطية الحقيقية التي تحترم حقوق الشعوب في العيش الكريم والمساهمة الفعالة في السلم العالمي.