استوقفني صاحبي ، وهمهم بسؤاله الروتيني لي كل صباح : " كيف حال سياستنا ..؟" " تسألني عنها كما لو كنت حفيا عنها ، إنها أشبه بسوق الخردة ، تجمع بين القديم والجديد .. لكن روائحها دوما نتنة .." " أشبه بالخردة ! لم أفهم " ، تلقف السؤال ثالثنا وكان حديث العهد بالشلة : " كل شيء داخلها قابل للمزاد السري .. والبيع والشراء .. سوق الهموزْ والصفقات .. بامتياز ." صاحبي وقد رفع عقيرته : " آسي المبروكي ! إنها السياسة بمفهومها الدقيق عندنا ، لا أخلاق ولا قيم لديها ولا هم يحزنون .. إنها المصلحة حاضرة بقوة ، بين الفينة والأخرى تتلقى غمزة من المال ...هه هها " . حاولت أن أستوضح جليسي ؛ عبد الله الماكْانا ، وقد سبق له مرارا أن تذوق مرارة الخسارة في الانتخابات البرلمانية : آسي عبد الله ! ماذا يبدو لك في سياستنا ، هل هناك ثمة فارق بين الأمس واليوم ؟ " " الأمس واليوم سيان دوما خانزة ، روائحها تزكم الأنوف حتى خارج الحدود ، وأصحابها ماتت لديهم حاسة الشم ، إما المال والمراوغة أو الركض وراء الهموز والصفقات .." المبروكي يولع فتيلته ، وقبل أن يعب منها توجه إلي بسؤال العارف المتبلد " أوتعتقد أننا بهذه الأساليب المفلسة في تدبير الشأن العام قادرون على حيازة رضى وثقة الشعب ؟ " ، إلا أن عبد الله الماكْانا انتفض في وجهه غير عابئ بالأدخنة التي كانت ترسلها مناخيره تباعا " الشعب ... الشعب ... ! هه هها أين هو الشعب ؟ لقد أسروه في دار غفلون ، وأغدقوا عليه من مواقع التواصل الاجتماعي كل أنواع التخدير حتى أصبح مدمنا على استهلاك صور الإثارة ؛ أشرطة وللا ومالي .."
سياستنا تحت الماسح الضوئي
همس صاحبي في أذني ونظراته مسمرة على حشد كبير من المولعين بسوق الخردة ، وقد أثث حضورهم كافة مناحي "الجوطية السياسية " ، والآن سنرى أمراض سياستنا قطعة تلو أخرى . لكن جوطية السياسة دأبت على عرف بألا تسمح بدخول أية قطعة سياسية إلا بعد خضوعها لماسح ضوئي ، وتصويرها كما هي بنقائصها وأعطابها . الحكومة : في شخص ملتح ، يضع على رأسه الحاسية طاقية مراكشية ، تتدلى من عنقه مسبحة بحبات صفراء فاقعة ؛ يقذف بفتاويه يمنة ويسرة كيفما اتفق له ، ولا يعلم للسياسة معنى سوى "ما كاين غير لمليح" التعليم : جهاز مخلخل التركيب ؛ تبرز من ثناياه فوهة مسودة من فرط إفرازه لتقارير مرقمة والتي بدت أطرافها ضالعة في ابتلاع الميزانيات الضخمة مقابل تفريخها لكائنات تعليمية وتربوية مشوهة " مزايد وسط الحشد " ديبلوماته حال وأحوال لا تسمن ولا تغني من جوع ... ليتني ظفرت فقط بإحدى ميزانياته السمينة " الصحة : تعرض على الماسح ؛ في صورة جهاز مهترئ تنكشف من ثناياه ثغرات كما لو كانت مقضومة من طرف جرذان سمينة . مزايد : " .. ما هذا الدخان المنبعث منها ؟ هل هي لوصلات غير محكمة أم دخان الرميد أم أن الأمر على علاقة بصحتنا العليلة ؟" القضاء : يلج سكة الماسح : شخص مهلهل البدن مصاب بالكساح وحول في عينه اليمنى " لكن لا أحد اهتم به بل الجميع استقبله ببرودة بادية وحوقلة وعضة شفاه ...! المالية : ولدى ولوجها وسط الجوطية تقاطر عليها العديد من الزبناء ، وضع أحد يده على ظهرها في محاولة لتقييم مدى صلابتها لكن ما إن وضع يده عليها حتى هوت إلى الأرض مصابة بالدوار ؛ أحدهم يوضح : " ... المالية مريضة ، ألم يدر في خلدكم هذا ؟ إنها مصابة بالحساسية أرهقوها من فرط الامتصاص حتى أضحت أشبه بنعجة بلا دم . الصيد : عبارة عن قارب تعتلي جنباته ثقوب سوداء ، تسكنها حشرات/مافيات تحتال على حمولته لتعيد بيعها في السوق السوداء للمرة الثالثة والخامسة وحتى العاشرة بعد أن تكون لزمت صناديق التصبير لمدة تزيد عن الشهر ! تجارة السلع : ..في صورة صناديق تعلوها بقع وخدوش رمادية داكنة ، تنبعث منها رائحة نتنة لعدم خضوعها لمعايير دولية أو التلاعب بجودة عناصر مكوناتها .. النقل : عربة معطوبة ؛ تبدو أشبه بدبابة من رواسب الحرب العالمية الأولى تجر خلفها حاوية محشوة بالتوابيت والنعوش ! الخارجية : امرأة مكتنزة شبه عارية لا تفتر عنها الإصابة بالأنفلونزا الإسبانية Spanish flut . الداخلية : رجل سمين يمتشق عصا غليظة ، بصره حاد لا يلوي على شيء .. يزبد ويلعن ويصرخ من حوله : " ليسمّيتو راجل يواجهْني " السياحة : امرأة شمطاء قاعدة أمام المرآة ، تجرب أصباغا وطلاءات .. لكن في كل مرة تكشف عن وجه ذابل أعيته المساحيق .. جهاز المراقبة : رجل كهل أحول العينين ، صدره مرتبط بخيوط أنبوب الإنعاش .. متصل بجهاز التحكم عن بعد ! الحكومة التي يريد الشعب
صاحبي يرفع عقيرته : " .. إنها حكومة متلاشيات .. كيف يمكن توظيفها أو بالأحرى استخدامها في تدبير الشأن العام ، وهي عبارة عن كومة أجهزة متقادمة الأعطاب ؛ من الصعوبة بمكان ترميمها أو محاولة استصلاح قطع غيارها ، فالحكومة التي نحتاج ليست المستقدمة من العهود الغابرة ولا هي المنبعثة من صناديق الاقتراع بل هي حكومة مستقلة غير قابلة لا للتحكم ولا للتوجيه ولا للاستظلال بأخرى ...