تكابد عدد من القرى الغربية لمحافظة الخليل جنوب الضفة الغربيةالمحتلة الدخان الذي ينطلق في ساعات المساء، لتغطّ الأجواء بالأدخنة السوداء الناتجة عن حرق المعادن في تلك المنطقة. وتعدّ قرية الكوم غرب الخليل، إحدى أكثر قرى المنطقة تضررا من الدخان، مشكلا ذلك مصدر قلق وإزعاج كبير للسكان، يتمثل في دخان حرق المعادن من نحاس وألمنيوم، وسط "لامبالاة" من قبل الحارقين من تجار الخردة، وعدم معالجة رسمية للظاهرة بشكل نهائي. وتتواصل المشكلة - بحسب سكان القرية - منذ أعوام ثلاثة أو أكثر، وتتصاعد يوما بعد يوم نتيجة ازدياد أعداد العاملين بمهنة الخردة في منطقتي إذنا والكوم، وازدياد ظاهرة حرق المعادن القادمة من "إسرائيل". وتقدم الأهالي بشكاوى لعدة جهات حكومية، متهمين تلك الجهات بالتقصير في حل المشكلة التي باتت كابوسا يهدد بانتشار العديد من الأمراض والفيروسات الخطرة الناتجة عن التلوث البيئي وتضاعف حالات الربو والجهاز التنفسي. شكوى المواطن جبر محيسن أحد سكان القرية يشير إلى أنَّه تقدَّم مع مجموعة من سكان قريته بشكوى موقعة باسم 400 اسم من سكان القرية إلى رئيس الحكومة الفلسطينية في رام الله سلام فياض، مطالبين فيها بالتدخل العاجل لإنقاذ المنطقة من الأخطار الصحية والبيئية التي تداهمها. وأضاف أن السكان يعانون بشكل دائم من هذا الدخان، الذي أمرض الأصحاء وضاعف حالات مرضية أخرى خصوصا مصابو أمراض الجهاز التنفسي، مشيراً إلى أن الشكاوى للشرطة وغيرها من المؤسسات المعنية لم تفلح في استئصال هذه الظاهرة. ويستغل حارقو هذه المعادن المنطقة كونها غير آهلة بالسكان، ويشعلون النيران في المعادن في طرفيها الجنوبي والغربي لتغط القرية في سحابة كثيفة من الدخان السام بشكل يومي في النهار، ويتفاقم في ساعات الليل، حسب محيسن الذي طالب بحل سريع للأزمة في المنطقة وإنهاء هذه الظاهرة بشكل جذري وقطعي. حالة متكررة أما المواطن المصاب بالربو عوض الرجوب (55 عاما) من سكان القرية، فيشير إلى أنَّ حالته الصحية تتفاقم وتزداد سوءا حينما تدخل تلك الأدخنة إلى منزله، مشيراً إلى أن هذه الحالة متكررة ولا يجد لها حلا عبر سنوات عديدة. ويناشد كافة الجهات المسئولة التدخل الفعلي والعاجل لإنهاء هذه الأزمة التي أصبحت تتفاقم وتسيء حالته الصحية وسكان قريته. بدوره، أكد المواطن محمد محمود طالب هذه المواد المحروقة لا تعرف طبيعتها بالتحديد، وتأتي من "إسرائيل". وأشار إلى أن القضية أصبحت حديث الناس في مجالسهم، خاصة وأن عددا كبيرا من الأهالي أصبح يعاني فعلا من أزمات صدرية وضيق في التنفس، فضلا عن الضرر البيئي. أما الأرض التي يتم فيها الحرق فباتت لا تنبت، وهناك تخوف من تسرب المواد الكيميائية إلى المياه الجوفية، بحسب الرجوب. ويهدد بقاء الوضع على حاله السلم الاجتماعي في المنطقة، خاصة وأن أهالي المنطقة يهددون بأخذ القانون باليد لمنع ظاهرة الحرق في حال بقاء الجهات الرسمية عاجزة عن التدخل. من جانبه، يرى الطبيب سعدي الرجوب من سكان قرية الكوم، أن الكثير من حالات الاختناق عند الأطفال والربو بالإضافة إلى أزمات الصدر يتركها هذا النوع من الدخان المنبعث من الحرائق الناجمة عن مخلفات المعادن. أضرار صحية ويضيف أنَّ العديد من مشاكل الجهاز التنفسي وخطر الإصابة بالسرطانات متوقعة مع مرور الزمن بسبب إنتاج الحرائق لغاز ثاني أكسيد الكربون والعديد من المواد الكيميائية الخطرة. وأشار إلى أن المواد المحروقة قادمة من داخل "إسرائيل" وأصبحت البيئة المحلية أماكن لنفايات الخردة التي تترك آثارها على البيئة والمزارعين ومزروعاتهم. وتتأثر العديد من المحاصيل الزراعية بشكل كبير وتترك آثارا كبيرة على مستويات الإنتاج الزراعي، كما تأثر محصول الزيتون هذا العام بشكل كبير بهذه الأدخنة، حسب مواطنين. وبينوا أن الأشجار تغيّر لونها إلى السواد، بينما حاول المزارعون التخلص من هذا السواد عن الثمار دون فائدة، كما حصل مع المواطن ياسر محمد من المنطقة. وقال محمد "لقد قمت بغسل ثمار الزيتون التي قطفتها سبع مرات دون فائدة، وبقي السواد ومخلفات المواد الكيميائية الناجمة عن الحرق ملتصقة عليها". وتابع أنَّ عصر هذه الثمار قد ينتج زيتا مسموما أو ملوثا، عادا أن ثمار محصوله هذا العام بات خاسرا، في إشارة إلى إتلافها؛ لأنها لا تصلح للعصر أو الأكل أو حتى البيع. وأشار إلى أن حاله لا تختلف عن حال كثيرين ممن وجدوا أشجار زيتونهم سوداء ولم يتمكنوا من قطافها، بينما أصيب آخرون بمشاكل في التنفس أثناء عمليات القطف.