لاشك أن الإعلام التقليدي بوسائله المختلفة المقروءة و المسموعة والمرئية، قد هيمن على الساحة الإعلامية عبر العالم، فهو من ينتج و يصنع المعلومة وينقل الوقائع والأحداث.غير أنه يتباذر إلى الذهن سؤال أساسي: كيف يمكن التحقق من صدقية المعلومات التي تقدمها هذه الشبكات التلفزيونية والمؤسسات الإعلامية التقليدية ؟ أ لا يمكن أن تضلل المواطن و تقلب الحقائق؟ و سواء تعلق الأمر بأنظمة سياسية ديمقراطية أو استبدادية، فإنها تسعى جميعاللهيمنة على الإعلام الجماهيري و توجيه بوصلته لخدمة أجندتها الخاصة. ذلك أن الإعلام التقليدي في الدول الديمقراطية يعاني،في معظمه،من سطوة المال و تدخل جماعات المصالح و اللوبيات في خط تحريرها، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بينما واقع الحال في الدول الاستبدادية أقل تعقيدا فالإعلام برمته خاضع لسلطة النظام السياسي. و مع نهاية الألفية الثانية، بدأت شبكة الإنترنت بالانتشار عبر العالم كما و كيفا، فظهرت المواقع الإلكترونية، ثم المدونات وشبكات التواصل الاجتماعي وغيرها من التطبيقات المختلفة، و لم تعد المعلومة حكرا على المؤسسات الإعلامية التقليدية، بل ظهر نوع جديد من الممارسة الإعلامية يطلق عليه مصطلح "صحافة المواطن" أو "الصحافة التشاركية" أو "الصحافة البديلة"، أو "صحافة الشارع"،أو "الإعلام التفاعلي" أو "التعاضدي"، و "الإعلام البديل" أو "الصحافة المدنية"،والعديد من المسميات الأخرى، التي تتفق في النهاية على فكرة مفادها أن المواطن يصبح صحفيا قادرا على نقل الحدث و التعليق عليه، والنشر والإعلام، والتأثير في الرأي العام، والمساهمة في عرض القضايا والأفكار والموضوعات التي تشكل حيزا مهما من اهتمامات مجتمعه، من دون الحاجة الى أن يكون صحفيا محترفا يمتهن الصحافة ويمارسها في إطار قانوني محدد و ضمن مؤسسة إعلامية.فالمواطن الصحافي هو شخص متطوع عدته كاميرته الخاصة أو هاتفه الذكي أو شهادة العيان، يعمل على نشر ما يسمعه ويشاهده ويحصل عليه من معلومات وأخبار في شبكة الإنترنت،في إطار الالتزام الذاتي والمسؤولية الاجتماعية والأخلاقية. و تقوم فكرة صحافة المواطن على أساس أن ممارسات الصحافة يجب أن لا تقتصر على نقل الأحداث والمشاكل فحسب، بل تجعل القارئ صانعا للخبر ومشاركا في نشره عبر قنوات الاتصال الإعلامية المرتبطة بالإنترنت، متجاوزا الوسائل والمصادر التقليدية في جمع المعلومات، ومعتمدا بشكل أكبر على ثقافة الصورة والفيديوهات التي تغني في أحوال كثيرة عن الكلمات والعبارات التي تنشرها المنابر التقليدية. و تتمحور صحافة المواطن حول جملة أفكار أهمها : • الإيمان بقدرة المواطن العادي على إنتاج و صناعة الخبر الصحفي. • اعتبار شبكة الإنترنت كفضاء للنشر التطوعي المجاني التشاركي. • التعبير عن الرأي و دعم المشاركة المدنية للمواطنين. • كسر هيمنة الإعلام التقليدي على الساحة الإعلاميةمحليا و دوليا.
و تجسيدا لهذه الأفكار، فإنعددا من المواقع الفرنسية تعلن عن نفسها بكونها مبادرة أو صوت أو فضاء للإعلام المواطن وهي:AgoraVox.fr و place-publique.fr و BlogNews.fr وأخيرا MédiaCitoyen.fr، وهي كلها مواقع تتخذ لنفسها سياسة تحرير تعتمد على مرجعية صحافة المواطن. و لضمان مصداقية المعلومات و الأخبار المنشورة بهذه المواقع، يعمل فريق الموقع وعدد من المواطنين الصحفيين الآخرين على تدقيق و مراجعة المادة المعروضة للنشر.