هكذا أود أن أبدأ رسالتي: عذرا يا عالم، لسنا قتلة... إلى روحي الشابتين المغدورتين، فلترقدا في سلام، تألمنا كثيرا لرحيلكما وفجعنا لما اقترف في حقكما، دمعت أعيننا وحزنت قلوبنا، صدمنا ونحن نرى بشاعة ما ارتكب في حقكما على أرضنا من جانب أياد أثيمة بغيضة مغرر بها، استسلمت لقوى التطرف والظلام التي تنفث سمومها في أوساط الفقر والجهل...
إلى أهالي المغدورتين، نعتذر لكم بكل صدق لأننا خننا الأمانة رغما عنا ولم نردّها إليكم كما يفترض، من حقكم أن تنزعجوا منا كمغاربة وكمسلمين، أن تتضايقوا من سماع اسم بلدنا وديننا، أن تعتقدوا أننا شداد غلاظ، لكن تيقنوا أننا لسنا كذلك، فصدمتنا على تقل عن صدمتكم، وألمنا يضاهي ألمكم، لأننا ببساطة نحب الحياة ونحرص عليها، وننشد السلم والسلام.
إلى الشعبين الدانماركي والنرويجي، لكما منا أحر التعازي وأصدق المواساة، ونعبر لكما عن هول صدمتنا لما وقع، فهذه الفظاعة والبشاعة ليس من قيمنا ولا ثقافتنا، تم الغدر بنا كما تم الغدر بكم، مصابنا جلل والفاجعة تجمعنا أمام هذا الحدث الأليم، حاولوا –مهما كان عسيرا- أن تدركوا أن هؤلاء لا يمثلوننا في شيء.
إلى ساكنة إمليل، نعتذر لكم يا من ارتكبت الجريمة الفظيعة باسم بلدتكم ولطخت أرضها الطيبة بالدم المغدور، يا من تداولت قصاصات الأنباء العالمية اسم بلدتكم الآمنة المضيافة ليس للتنويه بجمالها ولطف أهلها، بل لربطها بالتقتيل والدم وزهق الأرواح البريئة بعد حادث أليم ومنعزل حلّ بنا على حين غفلة، نعتذر لكم لأن ما بنيتموه من ثقة وود مع زوار منطقتكم عقودا طوال، هدّمه مجرمون جهلة غلب عليهم الجهل والتطرف.
إلى المواطن المغربي، نعتذر لك أيها المغربي، يا من كانت بلاده دوما مثالا للتعدد والتنوع، مجالا للتعايش والتسامح، نعتذر لك لأن سمعتك لطخها الآثمون بالدم، ممن يريدون أن يلحقوك بالدمويين هنالك، ويعيدوك قرونا إلى الوراء، إلى زمن الفتن واستباحة الأعناق، نعتذر لك وإن كنا على يقين أن هذه الضربة التي أريد بها إسقاطك في براثين الإرهاب ستجعلك تكون أكثر يقظة وإيمانا بحتمية توحيد الصفوف.
إلى المسلمين، نعتذر لكم لأن هؤلاء المغرر بهم يسعون جاهدين لتشويه ديننا السمح، يصورونه دين دماء وأشلاء، دين تقتيل وتدمير، نعتذر لكم لأن من يقرأ الأوضاع بسطحية
قد لا يميز بين الرسالة الربانية، رسالة السلم والسلام والسلوكات المقرفة لهؤلاء الجبناء أعداء الحياة من حبيسي الماضوية والتخلف.
إلى الإنسان، نعتذر لك أيها الإنسان لأن هؤلاء –المحسوبين على جنسك- يريدون العودة بك إلى زمن التوحش والغاب، والزج بك في قفص الحجر والتأحيد القسري، نعتذر لك لأن هناك من يسترخص حياتك ويستبيح دمك ضد على الفطرة السليمة والشرائع الإلهية وكل القوانين الوضعية.
بعد حادث إمليل، يجب أن نستوعب الدرس جيدا ونعلم أن الخطر جدي وداهم، وبالتالي يتعين أن أن نقول بصوت واحد: لا للترهيب، لا للتقتيل ولا للتحامل، لأن الوقت ليس وقت تصفية الحسابات السياسية والأيديولوجية.
يجب على الدولة أن تكون حازمة في اجتثاث كل فكر متطرف متزمت أيا كان المصدر والدواعي، وأن تؤسس بكل قوة للتربية على الاختلاف وتجتهد في آليات تدبيره، وأن تشيع ثقافة التسامح والتعايش في برامجها التعليمية وفي المنظومة الإعلامية، وتضرب بيد من حديد على كل من يسعى إلى ترهيب أو تهديد المواطنين الآمنين بشكل مباشر أو غير مباشر. يجب على الدولة بكل مؤسساتها وهيئاتها أن تجرم العنف بكل أشكاله وتمظهراته، وعلى المجتمع المدني أن يتحمل مسؤوليته في تأطير المواطنين لنبذ التطرف بشتى تلاوينه ونشر القيم الإنسانية، وعلينا جميعا أن نرفع درجة التأهب للإيقاع بكل من تسول له نفسه المساس بحرمة الدم أو سنة الاختلاف.
على سبيل الختم، الخزي والعار لمن يسيل دماء أخيه الإنسان، نعم، تختلف أوطاننا، أفكارنا، أصولنا، ألواننا، معتقداتنا، ألسنتنا لكن الإنسانية تجمعنا مهما اختلفنا.