الاحتفال بالذكرى السابعة والستين لانتفاضة قبائل ايت باعمران    إفريقيا تنتقد ضعف التمويل المناخي    الدول الغنية تتعهد ب300 مليار دولار    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    غوتيريش: اتفاق كوب29 يوفر "أساسا" يجب ترسيخه    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    فدرالية أطباء الطب العام بشمال المغرب تعقد المؤتمر الثاني للطب العام    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    "طنجة المتوسط" يرفع رقم معاملاته لما يفوق 3 مليارات درهم في 9 أشهر فقط    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    إيداع أبناء شخصيات بارزة في عالم الاقتصاد السجن في قضية اغتصاب محامية فرنسية    الرباط.. التحقيق مع شرطي متهم ب"استغلال النفوذ"    دولة بنما تقطع علاقاتها مع جمهورية الوهم وانتصار جديد للدبلوماسية المغربية    الصحة العالمية تؤكد أن جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ عامة        انقسامات بسبب مسودة اتفاق في كوب 29 لا تفي بمطالب مالية طموحة للدول النامية    نزار بركة: تعبئة شاملة لحزب الاستقلال من أجل الوطن والمواطن    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي        اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحليل: هذا أهم ما تضمنه قانون المالية الجديد الذي سيعرض على البرلمان قريبا
نشر في أخبارنا يوم 20 - 10 - 2018

يعتبر قانون المالية تلك الوثيقة المحضرة من قبل السلطة التنفيذية والمصادق عليها من قبل البرلمان، تحدد فيها خلال كل سنة مالية كمية المبالغ التي تخص موارد الدولة وأعبائها المنتظر تنفيذها، وذلك في إطار احترام التوازنات العامة. وقانون المالية هو المعبر عن النظام المالي المتبع في دولة ما، وهذا الأخير ما هو إلا مجموعة العناصر والعلاقات التي تعبر عن النظام الإقتصادي والإجتماعي السائدين.
وتبرز أهمية مشروع قانون مالية سنة 2019 رقم 80.18، في كونه ذو طابع اجتماعي بامتياز، ويرجع هذا التوجه الذي أثير بشكل كبير في الخطوط العريضة لهذا المشروع، إلى مجموعة من الاختلال والمشاكل والمعيقات التي تعرفها منظومة الخدمات الاجتماعية ببلادنا، نظرا لضعف حصيلة استهداف ودعم الفئات الهشة والفقيرة من مجتمعنا، الأمر الذي نجده في خطب الملك الأخيرة التي دعت إلى ضرورة التسريع والتعجيل بخلق برامج وسياسات وطنية تكرس للبعد الاجتماعي وتحقق الحلول الناجعة الكفيلة بالإجابة عن مختلف الأسئلة الملحة والانتظارات المعقولة للمواطنات والمواطنين.
الأهمية الأخرى لمشروع قانون مالية السنة المقبلة، تتعلق بالشباب وخلق فرص شغل حقيقية بالنسبة لهم من أجل الانخراط الفعلي في الحياة المهنية والعملية، وتحقيق النقلة النوعية في في مجال التشغيل وخفض نسبة البطالة المستشرية خصوصا في فئة الشباب، فأسمى أشكال الحماية الاجتماعية هو الذي يأتي عن طريق خلق فرص الشغل المنتج، والضامن للكرامة حسب كلام عاهل البلاد في خطبه الملكية، لكن هذا الأمر تتداخل فيه مجموعة من القطاعات من أهمها التعليم الذي يعج بالعديد من الأمر الذي يدعونا من خلاله مشروع قانون المالية لسنة 2019، إلى قراءة محتواه، وقراءة مستجداته وأولوياته وخطوطه العريضة، وتحليل ومناقشة مضمونه، من أجل الإجابة عن مجموعة مركزة من الأسئلة التي تصب أساسا في مجالات اجتماعية بعينها كالتعليم والصحة والشغل والدعم الاجتماعي، فما الجديد الذي جاء به مشروع قانون مالية سنة 2019، وهل هذه المستجدات والأولويات والخطط الكبرى التي لطالما صدّعت بها الحكومة رؤوسنا ردحا من الزمن ستجيب عن الانتظارات الاجتماعية لمواطني ومواطنات بلادنا؟ وما هي المستجدات الضريبية لمشروع لقانون مالية سنة 2019؟
أولا: مشروع قانون مالية 2019 والسياسة الاجتماعية
لابد من الإشارة أولا، كون القراءة الأولية لمشروع القانون المالي لسنة 2019، يدفع إلى القول بأنه يخلو من مجموعة من الإجراءات التي كانت لابد من التنصيص عليها، سواء من أجل تقريب وإصلاح العلاقة ما بين الدولة والمواطن والتي لازالت لم تصل إلى المستوى المطلوب، أو من خلال المناصب المالية المخصصة لهذه السنة البالغة 25458 منصبا موزعة على قطاعات متنوعة، والتي تتجه من خلالها الحكومة إلى متبعة العمل بنظام العقدة على المناصب المالية المخصصة لأبناء الشعب، في حين أن المناصب العليا ومناصب المسؤولية لا تخضع لأي تغيير، وهو ما يضرب في العمق مسألة تكافئ الفرص والشفافية، ويؤسس لأزمة ما بين الدولة والمواطن، لذلك وجب العمل على تصويب هذه الخطوة السلبية التي لا تزال الحكومة تعمل بها، ووضع مخطط شامل ومتكامل من أجل وضع حد للبطالة التي تعتري صفوف الشباب دون الحاجة إلى مخططات يكون فيها المواطن والشاب المغربي هو الخاسر الأكبر، في اتجاه التخفيف من حدة الوضع الراهن الذي يعيشه شبابنا ومن أجل التأسيس لمرحلة جديدة أساسها العقلانية وضبط النفس والحلول الناجعة والفعالة.
كما أن النقطة المتعلقة بالسياسة الاجتماعية في مشروع قانون المالية لسنة 2019 رقم 80.18، تعتبر ذات أهمية بالغة نظرا لكونها تمس المواطن بشكل كبير، والعمل على تحقيق وإيجاد حلول للمشاكل المتعلقة بالجانب الاجتماعي لمواطنات ومواطني بلادنا سيأدي لا محالة إلى تحقيق النمو الاجتماعي المأمول من وراء هذه الإصلاحات السياسية المتعلقة بالمجال الاجتماعي. وقد حاول مشروع قانون مالية سنة 2019 في الجانب الاجتماعي كنقطة أولية الاهتمام بالأدوار الإيجابية التي تلعبها المدرسة المغربية في ركن التربية والاندماج الاجتماعي والاقتصادي للشباب، وذلك عن طريق إعادة الاعتبار لها بتكثيف برامج دعم التمدرس من أجل تخفيف التكاليف التي تتحملها الأسر، ومحاربة الهدر المدرسي من أجل مواصلة أبناء الأسر المغربية للدراسة والتكوين.
وأيضا تعميم التعليم الأولي والأساسي وتبسيط المضمون البيداغوجي وتوجيهه نحو تقوية قدرات التلاميذ على التفكير والتحليل والبحث والتعلم الذاتي، والاعتماد أكثر على الوسائط الرقمية، فضلا عن تقوية دور المدرسة في ترسيخ قيم المواطنة وتحمل المسؤولية لدى التلاميذ، وتعزيز انفتاحهم على الثقافة وكل أشكال الإبداع الفني. كل هذه الأمور تبقى جميلة على الورق، لكن في أرض الواقع فإننا لا نجد أساسا لها، الواقع الذي تعيشه المدرسة المغربية اليوم، يؤشر على ضعف المناهج التعليمية المستعملة، وعلى ضعف الوسائل المستخدمة من أجل التأطير وإدماج الأطفال في عالم متغير متسم بالتقنية والمعلوماتية الطاغية، زيادة على ضعف البنية التحتية المدرسية خصوصا في المناطق النائية والجبلية من بلادنا، والمسافات الطويلة التي يقطعها أطفال تلك المناطق المعزولة عن المغرب يوميا من أجل الوصول إلى المدرسة، الأمر الذي يستدعي التدخل بشكل سريع من أجل خلق مدارس ووسائل للنقل بتلكم المناطق، آنذاك يمكننا الحديث عن مدرسة وطنية مواطنة ببلادنا. زيادة على ضرورة تكييف المناهج الدراسية مع التطور المعلومياتي المتسارع كل يوم، فلا يعقل أن يصل الغرب إلى خلق مدارس يتم التدريس فيها بواسطة وسائل إلكترونية، ونحن لازلنا نستعمل الوسائل التقليدية التي أكل عليها الدهر وشرب.
في ذات السياق، وفيما يخص النقطة المرتبطة بتشغيل الشباب وتأهيلهم لسوق الشغل، فقد أكد مشروع قانون المالية لسنة 2019 على ضرورة التفعيل السريع للإجراءات المبرمجة على مستوى الرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، خاصة فيما يرتبط بملاءمة التعليم
والتكوين مع متطلبات سوق الشغل. هذا الأمر من وجهة نظر خاصة يتطلب خلق جسور للتواصل قائمة بين الجامعة والتكوين المهني، أي ادماج ما هو نظري بما هو عملي، فالجامعة اليوم ينظر إليها كونها منتجة للبطالة وللعطالة خصوصا في صف الشباب، وهو الأمر الذي يحتاج إلى إيجاد رؤية وسياسة جديدة لقطاع التعليم العالي قائمة على مواكبة ما هو نظري بما هو عملي حتى نؤهل الشاب ونهيئه لولوج سوق الشغل بشكل سلس.
أما المجال الصحي، فقد خصه مشروع قانون المالية بمجموعة من الإصلاحات من بينها البدأ بالعمل بمخطط الصحة 2025 الذي يهدف إلى تمكين المواطنين من خدمات صحية جيدة، وتحسين ظروف استقبالهم في المستشفيات، وتوفير الأدوية، إلى جانب تحسين تدبير الموارد البشرية، وتوفير ظروف ملائمة لاشتغالها، والعمل بدءا من سنة 2019 على تصحيح الاختلالات التي يعرفها تنفيذ برنامج المساعدة الطبية "RAMED ". هذه الإصلاحات التي ستعمل الحكومة على بسطها انطلاقا من السنة المقبلة لا تكفي، فقد سبق وتم تضمين العديد من الإجراءات المماثلة في قوانين المالية السابقة، إلا انها تبقى محدودة بل يمكن القول عنها أنها لم تنفذ، فالمغرب اليوم يعاني من نقص شديد على مستوى البنية التحتية الصحية خصوصا في العالم القروي، بالإضافة إلى ضعف التجهيزات الطبية بمختلف المستشفيات الأمر الذي يؤدي إلى تقديم خدمات طبية رديئة للمواطنين، هذا الأمر يؤكده موقع "بيج ثينك" العلمي الذي كشف على أن المغرب يحتل الرتبة 78 من أصل 115، في ما يخص عدد المرضى لكل طبيب، حيث بلغ ببلادنا رقم ألفي مواطن لكل طبيب، في حين توفر تونس طبيبا لكل ألف نسمة، وتملك إسبانيا طبيبا لكل 40 مواطن. كما كشف تقرير لمختبر "سايبر ماتريكس"، سنة 2015، عن غياب المستشفيات المغربية في قائمة المستشفيات العربية الجيدة، بسبب نقص شديد في الأجهزة الطبية والكوادر الصحية. في ذات السياق، يظهر تقرير لمنظمة رعاية الطفولة (اليونيسيف)، التابعة للأمم المتحدة، عن نقص شديد في الخدمات الصحية، بخاصة في الأرياف، إذ ذكرت على أن 75% من وفيات الأطفال الرضع بالمغرب يموتون بالمناطق النائية، كما يسجل المغرب نسبة مرتفعة في وفيات الحوامل في المساحات القروية، تصل إلى وفاة أم كل عشر ساعات.
فيما يرتبط ببرامج الحماية الاجتماعية، وفي سنة 2019، ستعمل الحكومة على إخراج السجل الاجتماعي الموحد، وذلك من أجل ضبط المعطيات بخصوص الفئات الاجتماعية المستحقة للدعم، وتحسين استهدافها من خلال كل البرامج الموجهة لهذه الفئات، زيادة على مواكبة المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وتفعيل الخطة الحكومية الثانية للمساواة: إكرام 2، وتقليص الفوارق المجالية وتنمية العالم القروي عن طريق تعبئة الموارد المالية المرتبطة به، مع اتخاذ كافة التدابير من أجل تعزيز نجاعة وفعالية هذا البرنامج.
ثانيا: الإصلاحات المؤسساتية في مشروع قانون مالية 2019
إن مواصلة الإصلاحات المؤسساتية في العديد من القطاعات الميادين سيساهم في خلق دينامية جديدة، وروح عمل جديدة ستعزز مكانة ورقي وإشعاع المملكة، وسيزكي طرح دولة الحق والقانون، هذه الإصلاحات التي يزكيها مشروع قانون مالية 2019 ترتكز أساسا على مواصلة إصلاح القضاء خاصة من خلال توطيد استقلالية السلطة القضائية، وتعزيز الثقة في القضاء وتطوير الإدارة القضائية والرفع من نجاعتها، وتنفيذ مخطط العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان وتفعيل آليات الحكامة والتتبع الخاصة به، وذلك بتنسيق مع باقي القطاعات والهيآت المعنية.
بالإضافة إلى ما تم ذكره، وفي باب تنزيل ورش الجهوية المتقدمة، فسيتم التسريع بتنزيل القوانين التنظيمية للجماعات الترابية خاصة على مستوى ممارسة الاختصاصات الذاتية، ووضع مخطط لتحويل مزيد من الاختصاصات لفائدتها، والأهم من ذلك تنزيل اللاتمركز الإداري، وفقا للتوجيهات الملكية، من خلال إصدار الميثاق المتعلق به بما يتيح للمسؤولين المحليين اتخاذ القرارات، وتنفيذ برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية، في انسجام وتكامل مع الجهوية المتقدمة، ويروم مشروع ميثاق اللاتمركز الإداري، تنسيق تدخل الدولة على المستوى الجهوي والترابي، من خلال تمكين المصالح اللاممركزة الجهوية من جملة من الاختصاصات تتمثل في المساهمة في إعداد “برنامج عمل” الدولة على المستوى الجهوي، تحت إشراف والي الجهة، وتنشيط أنشطة المصالح اللاممركزة على مستوى العمالات والأقاليم، ومواكبة الجماعات الترابية في إعداد برنامج التنمية الجهوية والتصميم الجهوي لإعداد التراب، بتكامل وانسجام مع برنامج عمل الدولة على المستوى الجهوي، وتدعيم علاقات الشراكة بين الدولة والجماعات الترابية.
ثالثا: المستجدات الضريبية في مشروع قانون مالية 2019
تعتبر الموارد المالية المتأتية عن طريق الضريبة، مورد رئيسي وأساسي لخزينة الدولة، بحيث تهدف لتنفيذ السياسة المالية المختلفة للدولة، كما أن لها أهداف اقتصادية، اجتماعية وسياسية تسعى إلى بلوغها وتحقيقها. وقد عرفت الضريبة بالمغرب تحولات وإصلاحات كبيرة سعت إلى تبسيطها وتسهيلها في وجه الملزمين من أجل تحقيق العدالة الضريبية في النظام الضريبي المغربي.
فمشروع قانون المالية لسنة 2019 جاء بالعديد من المستجدات في الميدان الجبائي، أهمها ما يتعلق بمسطرة فحص الوضعية الضريبية الخاصة بالملزم، والتي تهدف إلى التأكد من مدى صحة الإقرار بمجموع الدخل المدلى به من طرف الخاضع للضريبة، بالنظر إلى نفقاته الشخصية عندما يتجاوز مبلغها 120.000 درهم، وفي إطار تقوية وسائل المراقبة المتعلقة بتقييم نفقات الأشخاص الذاتيين، يقترح توسيع لائحة النفقات السالفة الذكر لتشمل كل النفقات ذات طابع شخصي، التي يتحملها الخاضع للضريبة لفائدته أو لفائدة الأشخاص الذين يعولهم. هذا الانفتاح والتوسع المطلق للإدارة الضريبية على حساب الملزم فيما خص مسطرة الفحص الضريبي لاشك ستكون لها تداعيات سلبية على طرفي العلاقة الضريبية، فالإدارة تعمد إلى تفعيل كل الوسائل من أجل توريد السيولة المالية لخزينة الدولة ضاربة عرض الحائط جميع الضمانات والحقوق الممنوحة للملزم حسن النية، في حين كان المشرع التفكير مليا في حلول ودية رضائية، تمكن الإدارة من مباشرة مسطرة الفحص بشكل يسهل التعامل مع الملزمين.
كما تم التنصيص بموجب مشروع قانون المالية لسنة 2019 على إحداث مساهمة اجتماعية للتضامن المترتبة على الأرباح، تدفعها الشركات الخاضعة للضريبة على الشركات التي تحقق أرباحا يساوي مبلغها أو يفوق خمسين (50) مليون درهم، كما ستطبق هذه المساهمة بسعر نسبي محدد في 2,5% على الأرباح المحققة من قبل الشركات السالفة الذكر المصرح بها ابتداء من فاتح يناير 2019 لسنتين متتاليتين، وتؤدي على نفس الأساس الذي تفرض عليه الضريبة على الشركات.
في ما يخص الضريبة على الشركات، فقد عرفت المادة 11 المتعلقة بالتكاليف غير القابلة للخصم تغييرا يخص الفقرة الثانية، بحيث أنه تم التنصيص على أنه لا تخصم من الحصيلة الخاضعة للضريبة إلا في حدود خمسة آلاف (5 000) درهم عن كل يوم وعن كل مورد وفي حدود خمسين ألف (50 000) درهم عن كل شهر وعن كل مورد، النفقات القابلة للخصم المنصوص عليها في المادة 10 من مشروع قانون المالية لسنة 2019.
أما بالنسبة لسعر الضريبة على الشركات، فقد تغير السعر الذي كان مطبق في نسبة 20% بالنسبة للشركات التي يساوي مبلغ ربحها الصافي من 300 001 إلى 1 000 000 إلى 17,50%، كما أنه يحدد في 17,50% السعر المطبق على الشريحة التي يفوق فيها المبلغ الربح الصافي 1.000.000 درهم بالنسبة للمنشآت المصدرة والمنشآت الفندقية ومؤسسات التنشيط السياحي، والمؤسسات المنجمية، والمنشآت الحرفية، والمؤسسات الخاصة للتعليم أو التكوين المهني، والشركات الرياضية، والمنعشين العقاريين، والمستغلات الفلاحية، مع منحها حق الاستفادة من امتياز تطبيق السعر التصاعدي المحدد في 10% عندما تحقق أرباح تساوي هذا الحد أو تقل عنه.
في ما يخص الضريبة على الدخل، فقد تم إعفاء الأجر والتعويضات الممنوحة للمجندين في الخدمة العسكرية طبقا لأحكام مشروع القانون رقم 88.18، بالإضافة إلى إعفاء المتقاعدين المتوفرين على أكثر من معاش لا يتجاوز مجموع مبلغه الصافي الخاضع للضريبة السقف المعفى من الإدلاء بالإقرار السنوي بمجموع الدخل.
كما سيتم تغيير نظام فرض الضريبة على الدخل برسم الدخول العقارية، وذلك بإحداث حجز في المنبع بسعر إبرائي نسبته 15%، يطبق على المبلغ الإجمالي للإيجارات عوض جدول أسعار الضريبة على الدخل المطبق حاليا على صافي الدخل، وحذف التخقيض بسعر 40% المطبق حاليا، وإخضاع الإيجارات المدفوعة من طرف الأشخاص الذاتيين (الخواص) للضريبة على الدخل عن طريق الأداء التلقائي، لسعر إبرائي نسبته 15% وذلك بناء على إقرار مبسط، زيادة على إحداث سقف لإعفاء الدخول العقارية التي لا يتجاوز مبلغها الإجمالي السنوي 30.000 درهم. بالإضافة إلى اقتراح تطبيق الحد الأدنى المحدد في 3% من ثمن التفويت على عمليات تفويت عقار أو جزء عقار يشغله مالكه على وجه سكناه الرئيسية، عندما يتجاوز ثمن تفويته 1.000.000 درهم.
بالنسبة للضريبة على القيمة المضافة، فقد حاول مشروع قانون مالية 2019 تضمين نقطة إعادة إدراج الضريبة على القيمة المضافة المطبقة على ما يسلمه الشخص لنفسه من مبنى معد للسكن الشخصي وإلغاء المساهمة الاجتماعية للتضامن، فمن أجل محاربة الممارسات الناتجة عن إفساح المجال أمام بعض الموردين الخارجين عن القانون لتحرير فواتير وهمية لفائدة أشخاص آخرين، وذلك من أجل تضخيم تكاليفهم وتقليص الوعاء الضريبي بغير وجه حق، يقترح إلغاء المساهمة الاجتماعية للتضامن المترتبة على ما يسلمه الشخص لنفسه من مبنى معد للسكن الشخصي وتعويضها بالضريبة على القيمة المضافة المترتبة على العمليات المتعلقة بما يسلمه الشخص لنفسه من مبنى معد للسكن الشخصي مع الإبقاء على إعفاء المساحة المغطاة التي لا تتعدى 300 متر مربع بالنسبة للسكن الرئيسي.
أما النقطة لأخيرة المتعلقة بواجبات التمبر، فقد تم توضيح وعاء واجب التمبر على إعلانات الإشهار، وذلك تفاديا للإشكالات المتعلقة بتفسيره يروم هذا التدبير إلى التنصيص على أن هذا الواجب يخص الإعلانات الإشهارية عبر الشاشات التي تعتمد تقنيات البث وليس الإعلانات على الشاشات الإلكترونية العادية الثابتى والمتحركة بما فيها رايات التمرير "Bannière".
لقد حاولت المناظرة الوطنية الثانية للجبايات لسنة 2013 ملامسة ذلك الشق المتعلق بعدالة النظام الضريبي، وقد تمحورت إحدى توصياتها في ورشة "التشريع الجبائي والعدالة الجبائية" على ضرورة إيجاد توازن في هيكلة الموارد الجبائية بين الضرائب المباشرة والغير مباشرة قصد تحقيق العدالة الضريبية المنشودة، وذلك عبر خلق توازن في تضريب عناصر رأس المال والعمل. بالإضافة إلى مراجعة الضريبة على الدخل، وضرورة تحقيق العدالة الجبائية بالنسبة للأشخاص الذاتيين الخاضعين لهذه الضريبة بغض النظر عن مصادر دخلهم (دخول العمل أو رأس المال)، والاستمرار في عقلنة أسعار هذه الضريبة لاسيما مراجعة أسعارها الإبرائية وجدول أسعارها التصاعدي، وهو الامر الذي لم يفعل لحد اليوم.
زيادة على أن مشروع قانون مالية 2019 رقم 88.18، تضمن مجموعة من الإجراءات المرتبطة بإنجاح ورش الجهوية المتقدمة، إلا أنه ولحد الساعة ورغم مرور مجموعة من قوانين المالية انطلاقا من سنة 2013 إلى سنة 2019، لم يتم التنصيص على ضرورة إصلاح النظام الجبائي المحلي، هذا الأخير الذي يشكل أداة مهمة في تمويل خزينة الجماعات الترابية، ويشكل نقطة أساسية من أجل إنجاح الجهوية المتقدمة، فبالرغم من أن من بين توصيات المناظرة الوطنية الثانية حول الجبايات في باب "ورش الجهوية المتقدمة، التنمية المحلية والجبايات" تضمنت اقتراح تنظيم يوم وطني مخصص للجبايات المحلية، إلا أن هذا الأمر لم يرى النور لحد كتابة هذه السطور، الأمر الذي ندعوا معه الحكومة إلى الإسراع بتنظيم هذا اليوم الوطني، والإسراع بإصلاح نظام جبايات الجماعات المحلية المؤطر بالقانون رقم 47.06 الذي أبان عن محدوديته وضعف موارده.
فرغم التنصيص على مجموعة من التوصيات الصادرة عن المناظرة الوطنية الثانية حول الجبايات، إلا أن مجموعة كبيرة منها لم تفعل لحد الساعة رغم مرور خمس سنوات على انعقادها، وهو الأمر الذي يدفعنا إلى القول بما جدوى عقد ندوة وطنية بوسائل لوجيستيكية وموارد مالية كبيرة إن لم نفرغ توصياته ونفعلها على أرض الواقع، وهو ما يستوجب ويتطلب منا مستقبلا خلق لجان لمتابعة وتقييم تفعيل توصيات أي مناظرة أو سياسة تهم قطاعا من القطاعات.

في الأخير، وجب التأكيد على أن المشروع القانون لمتعلق بقانون المالية لسنة 2019، لم يخرج عن السياق العام لسابقيه، حيث تميز كما هو الحال لباقي القوانين المتعلقة بقانون المالية بغياب الجرأة في أجرأة ما وعدت به الحكومة سابقا فيما يتعلق بتنزيل الإصلاحات الضريبية على أرض الواقع، ما يؤشر على أن الإصلاحات الضريبية التي لطالما وعدت الحكومة بتطبيقها بقيت حبرا على ورق من ناحية التطبيق الواقعي والتدريجي في قوانين المالية، ولم ترقى للتطلعات المنشودة من طرف الباحثين والمهتمين بالمجال المالي والضريبي ببلادنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.