يعتبر قانون المالية مجموعة من القواعد التي تنظم التوقعات والتقديرات التي تحدد خلال سنة مدنية مجمل إيرادات وأعباء الدولة. ويتميز قانون المالية بأنه قانون " يتوقع أو يتنبأ " و" يرخص "، فلهذا القانون مجالين، المجال الأول يختص بالناحية التقنية ويقدر الموارد والأعباء، أما المجال الثاني فيهتم بالناحية القانونية ويرخص الجباية والإنفاق. كما أن قانون المالية قانون يعتبر تلك الوثيقة المحضرة من قبل السلطة التنفيذية والمصادق عليها من قبل البرلمان والتي تحدد خلال سنة مالية طبيعية كمية المبالغ التي تخص موارد الدولة وأعبائها المنتظر تنفيذها وذلك في إطار احترام التوازنات العامة، وقانون المالية هو المعبر عن النظام المالي المتبع في دولة ما، وهذا الأخير ما هو إلا مجموعة العناصر والعلاقات التي تعبر عن النظام الإقتصادي والإجتماعي السائد. كما أن القانون التنظيمي للمالية رقم 130.13 عرف قانون المالية في مادته الأولى بكونه:"يحدد قانون المالية، بالنسبة لكل سنة مالية، طبيعة ومبلغ وتخصيص مجموع موارد وتكاليف الدولة وكذا التوازن الميزانياتي والمالي الناتج عنها. وتراعى في ذلك الظرفية الاقتصادية والاجتماعية عند إعداد قانون المالية وكذا أهداف ونتائج البرامج التي حددها هذا القانون". هذا بالإضافة إلى المادة الثانية من نفس القانون التنظيمي والتي جاء فيها بأنه:"يراد في
مدلول هذا القانون التنظيمي بقانون المالية: قانون المالية للسنة؛ قوانين المالية المعدلة؛ وقانون التصفية المتعلق بتنفيذ قانون المالية". كما أنه يتوقع قانون المالية للسنة، لكل سنة مالية، مجموع موارد وتكاليف الدولة، ويقيمها وينص عليها ويأذن بها، وذلك استنادا إلى البرمجة الميزانياتية، وتبتدئ السنة الماليى في فاتح يناير وتنتهي في 31 ديسمبر من نفس السنة.
وتعد مرحلة عرض مشروع قانون المالية السنوي بالمغرب أمام أنظار البرلمان بغرفتيه، محطة مهمة لتبين الوضعية الاقتصادية المالية للمغرب، كما أنه فرصة لمعرفة آفاق النمو الاقتصادي والإكراهات المالية الموجودة والمحتملة، خصوصا وأن السياق اقتصادي الذي طرح فيه هذا المشروع المالي، يأتي في نهاية ولاية الحكومة، كما يعد مؤطرا لأول سنة مالية لحكومة لم ترى النور لحد الساعة، مما يبقى معه هذا المشروع موقوف التنفيذ إلى حين استكمال التركيبة الحكومية الجديدة، وبدأ العمل الفعلي للمؤسسة البرلمانية التي تعتبر مهمة في مسار تنفيذ هذا المشروع والمصادقة عليه.
ويرتكز مشروع قانون المالية رقم 73.16 للسنة المالية 2017 على مجموعة نقط مهمة تعتبر في جلها ترقيعية للحالة الاقتصادية والمالية، في اتجاه استرجاع التوازنات المالية العمومية واستعادة لتوازنات الماكرو-اقتصادية، كما أن هذا المشروع يستند على تعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني، عبر مواصل دعم الطلب وتشجيع العرض عبر تحفيز التصنيع وانعاش الاستثمار الخاص، ودعم المقاولة وتسريع المخططات القطاعية، وتوفير فرص الشغل اللائق، وتأهيل الرأسمال البشري، كما أن هذا المشروع حدد نسبة نمو ب4.5% في سنة 2017. فما هي الإجراءات الجديدة التي جاء بها مشروع قانون المالية لسنة 2017 ؟ وهل هذه الإجراءات قادرة على الرفع من الموارد المالية للدولة، وتنمية الاقتصاد الوطني؟ أم أنها تبقى فقط إجراءات ترقيعية كما هو حال سابقاتها؟
أولا: موارد ونفقات مشروع قانون المالية لسنة 2017
يندرج مشروع قانون المالية لسنة 2017 في سياق وطني واعد يتسم أساسا بمواصلة جهود استعادة التحكم في التوازنات الماكرو-اقتصادية، بحيث واصل عجز الميزانية وعجز الحساب الجاري لميزان الأداءات انخفاضهما حيث بلغا على التوالي 4.3% من الناتج الداخلي الخام سنة 2015 مقابل 7.2% سنة 2012، و2.2% من الناتج الداخلي الخام سنة 2015، مقابل 9.5 سنة 2012، كما يتوقع أن يستقر عجز الميزانية في حدود 3.5% من الناتج الداخلي الخام بمتم سنة 2016. كما أن طموح هذا المشروع يتجلى في تحقيق معدل نمو للناتج الداخلي الخام بنسبة 4.5%، عوضا عن 3% سنة 2016، وتقليص عجز الميزانية في حدود 3% من الناتج الداخلي الخام عوض %3.5 سنة 2016، وذلك بناء على فرضيات تحدد توقع محصول زراعي من الحبوب يبلغ 70 مليون قنطار ومتوسط سعر غاز البوتان في 350 دولارا أمريكي للطن.
فيما يخص الجزء المتعلق بميزانية الدولة، فيقدر المبلغ الإجمالي للموارد ب 373.096.286.000 درهم برسم سنة 2017، بما فيها مبلغ 5.260.000.000 درهم تتعلق بالمداخيل المرتبطة بالتسديدات والتخفيضات والإرجاعات الضريبية، وهكذا يقدر المبلغ الإجمالي الصافي للموارد برسم سنة 2017 ب 367.836.286.000 درهم مقابل 359.594.241.000 درهم برسم سنة 2016، أي بزيادة قدرها 2.29%، مقارنة مع سنة 2016 التي كانت فيها نسبة الزيادة 3.41%. أما فيما يخص نفقات الميزانية العامة للدولة المتعلقة بنفقات التسيير بمناسبة سنة 2017 ما مجموعه 182.474.785.000 درهم من نفقات الميزانية العامة بانخفاض قدره 0,48% عن سنة 2016، ونفقات الموظفين التي ستبلغ برسم سنة 2017 ما يناهز 106.700.605.000 درهم بانخفاض قدره 0,07% عن سنة 2016، أما فيما يتعلق بنفقات المعدات والنفقات المختلفة فتصل إلى ما قدره 35.684.180.00 درهم سنة 2017 بزيادة قدرها 1,66% سنة 2016، أما التحملات المشتركة-التسيير فتبلغ سنة 2017 ما قدره 36.790.000.000 درهم أي
بانخفاض قدره 3.65%، هذه الاعتمادات تخصص أساسا لتغطية الإعانات المرصدة لدعم أسعار المواد الأساسية مما يدعو إلى التساؤل حول كيفية تدبير هذه الموارد المالية المهمة، وهل فعلا هذه النسبة تخصص فعلا للدعم أم لشيء آخر؟، الشق الثاني متعلق بنفقات الاستثمار والتي ستبلغ سنة 2017 63.57 مليار درهم أي بزيادة قدرها 3,55 %سنة 2016، زيادة على ذلك، نجد النفقات المتعلقة بفوائد وعمولات الدين العمومي والتي ستبلغ سنة 2017 ما يناهز 27.474.000.000 بانخفاض قدره 2.87% عن سنة 2016، بينما من المتوقع أن تبلغ نفقات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة برسم سنة 2017 ما مجموعه 2.943.434.000 موزعة على كل من نفقات الاستغلال والاستثمار، عوض 3.006.217.000 سنة 2016. أما فيما يتعلق بنفقات الحسابات الخصوصية للخزينة، فمن المتوقع أن تبلغ سقف تحملات سيبلغ 70.671.894.000 درهم برسم سنة 2017، أي بتغير يناهز 5,94% عوض 5.53% مقارنة مع سنة 2016. وفيما يخص النفقات المتعلقة باستهلاكات الدين العمومي المتوسط والطويل الأجل، فقد يبلغ سنة 2017 ما يناهز 45.882.000.000 درهم، مقابل 40.907.378.000 درهم مقارنة مع سنة 2016.
في الشق المتعلق بموارد ميزانية الدولة، فمن المتوقع أن يبلغ مجموع هذه الموارد العادية للميزانية العامة برسم سنة 2017 ما قدره 217.021.622.000 درهم، مقابل 207.151.541.000 لسنة 2016، أي بزيادة قدرها 4,76%، وتشمل هذه الموارد كل من الضرائب المباشرة وغير المباشرة، والرسوم المماثلة، والرسوم الجمركية، ورسوم التسجيل والتمبر، وعائدات أملاك الدولة، وحصيلة مؤسسات الاحتكار والاستغلالات والمساهمات المالية للدولة، وموارد الهبات والوصايا، وحصيلة تفويت مساهمات الدولة، وباقي الموارد المختلفة، حيث تحتل الضرائب المباشرة المرتبة الأولى في موارد ميزانية الدولة بنسبة 41.18%، تليها الضرائب غير المباشرة ب 38.97%، ثم رسوم التسجيل ب8.32%، ثم عائدات مؤسسات الاحتكار ب4.17%، ثم الرسوم الجمركية ب4.10%، ثم الهبات ب81%0..
وحسب مشروع قانون المالية لسنة 2017، ستبلغ حصيلة الضريبة على الدخل ما قدره 40.855.000.000 درهم وبزيادة نسبتها 5,8% عن سنة 2016، أما الضريبة على الشركات فستبلغ حصيلتها سنة 2017 ما يناهز 45.555.000.000 درهم بزيادة قدرها 2.94% عن سنة 2016، أما الضريبة على القيمة المضافة المحصلة من طرف المديرية العامة للضرائب فستبلغ حصيلتها 22.655.000.000 درهم سنة 2017 بزيادة قدرها 2.41%، أما تلك المحصلة من طرف المصالح التابعة لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة فستبلغ ما مجموعه 35.337.900.000 درهم بزيادة قدرها 5.85% عن سنة 2017.
وقد خصص مشروع قانون المالية لسنة 2017 للجماعات الترابية في إطار تدعيم البنيات التحتية، وتحسين ظروف عيش السكان، ما معدله 16 مليار درهم تقريبا، من أجل تقوية شبكة التطهير، وبناء المنشآت الثقافية والرياضية والترفيهية والأسواق، والبنيات العمومية، وتهيئة الحدائق والمساحات الخضراء.
ثانيا: الجانب الجبائي في مشروع قانون المالية لسنة 2017
بخصوص الجانب المتعلق بالطابع الجبائي المسطر في إطار مشروع قانون المالية لسنة 2017، وبالأخص تلك المتعلقة بالرسوم الجمركية والضرائب غير المباشرة، فإن البند II من المادة 2 من مشروع قانون المالية لسنة 2017 يرمي إلى المصادقة على المرسوم القاضي بتغيير مقدار رسم الاستيراد المفروض على القمح اللين ومشتقاته من 50% إلى 30%، نظرا لضعف مخزون القمح الطري ولا يلبي الاحتياجات الوطنية من هذا المنتوج الأساسي. إلى جانب المصادقة على المرسوم المتعلق بوقف استيفاء رسم الاستيراد المطبق على العدس والحمص نظرا لارتفاع الأسعار على الصعيد العالمي في أسعار هذين المنتوجين وانخفاض مخزونهما، ولضمان تموين عادي للسوق الداخلي خصوصا. وخفض مقدار رسم الاستيراد المطبق على بيض المائدة إلى 10%. وتغيير مقدار رسم الاستيراد المطبق على القمح الطري ومشتقاته والرفع من قيمته من 30% إلى 65%.
في الشق المتعلق بمدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة، فقد خصه مشروع القانون المالي لسنة 2017 بتغيير يخص الفصول 285 و286 و287، وذلك من أجل تعريف مخالفة الشطط في استعمال نظام مستودع الجمرك أو مستودع الادخار والتنصيص عليها كمخالفة جمركية من الدرجة الأولى. أما التعريفة الجمركية فقد تم تمديد تطبيق رسم الاستيراد بنسبة 10% على جميع العربات والسيارات من نوع Pick-up، وتطبيق رسم الاستيراد الأدنى بنسبة 2.5% على المدخلات المستعملة في صناعة الألواح الشمسية وذلك في إطار تشجيع الطاقات المتجددة. هذا إلى جانب إعطاء تعريف للسجائر المصنوعة من التبغ الداكن والتي تستهلك من طرف مدخنين ذووا دخل متواضع، وذلك من أجل ضمان الشفافية والمنافسة القانونية في هذا القطاع.
أما فيما يتعلق بالضرائب والرسوم ومختلف التدابير الجبائية الأخرى، وفي إطار مواصلة إصلاح المنظومة الجبائية، والتفعيل التدريجي للاقتراحات والتوصيات المنبثقة عن المناظرة الوطنية الثانية حول الجبايات المنعقدة يومي 29-30 أبريل 2013، وبهدف تحقيق عدالة جبائية أكبر، فقد خص مشروع قانون المالية لسنة 2017 الضريبة على الشركات ببعض التغييرات، إذ تهم المادة 2-II من المدونة العامة للضرائب، من أجل توضيح كيفية إيداع طلبات اختيار الخضوع للضريبة على الشركات بالنسبة للشركات القائمة، وذلك بناء على طلب محرر على أو وفق مطبوع نموذجي تعده الإدارة داخل أجل أربعة أشهر التي تلي اختتام آخر سنة محاسبية. وأيضا تغيير المادة 9 (I- جيم-1) من المدونة العامة للضرائب، والتي تخص تطبيق نظام الحياد فيما يخص الضريبة على الشركات على عمليات تفويت جميع عناصر الأصول القابلة للتسنيد. كما سيتم تغيير المادة 9II- من المدونة العامة للضرائب من أجل توضيح النظام الجبائي المطبق على إعانات الاستثمار المخصصة لاقتناء الأراضي، ورغبة في تشجيع الاستثمار، سيتم منح المنشآت إمكانية توزيع إعانة الاستثمار المخصصة لاقتناء الأراضي على فترة 10 سنوات بغية فرض الضريبة عليها. كما سيتم تغيير وتتميم المادة 170 من المدونة العامة للضرائب من أجل توضيح كيفيات استرداد الضريبة على الشركات في حالة التوقف عن مزاولة النشاط، والذي حدده المشروع داخل أجل
الشهر الموالي لإيداع الإقرار بالتوقف عن النشاط أو تاريخ آخر إقرار بالنتيجة الجبائية في حالة التصفية. كما سيتم إعفاء الشركات الصناعية الحديثة النشأة لمدة خمس سنوات، وسيتم إحداث نظام الشفافية الجبائية لفائدة الهيئات المكلفة بالتوظيف الجماعي العقاري، وإحداث نظام الحياد الضريبي لفائدة عمليات تفويت العقارات المحققة بين المهنيين في إطار عقد بيع الثنيا.
فيما يتعلق بالتدابير الخاصة بالضريبة على الدخل، فسيتم تغيير أحكام المادة 57-16 من المدونة العامة للضرائب، من أجل إعفاء دائم للمبلغ الإجمالي للتعويض الشهري عن التدريب عوض الإعفاء المؤقت، وإعفاء التعويضات المدفوعة من طرف المنشآت إلى الطلبة المسجلين في سلك الدكتوراه، ومنح نظام الحياد الضريبي لفائدة عمليات بيع عقارات في إطار عقود بيع الثنيا. ومن أجل ترتيب الأحكام الخاصة المتعلقة باسترداد الضريبة على الدخل، نصت المدونة العامة للضرائب، وتبعا للتدبير المقترح المتعلق باسترداد الضريبة على الدخل برسم الأرباح العقارية الناتجة عن تفويت عقار في إطار بيع الثنيا، يقترح المشروع تجميع المقتضيات المتعلقة باسترداد الضريبة على الدخل في مادة فريدة (المادة 241 مكررة). كما سيتم الإعفاء من الإدلاء بالإقرار السنوي بمجموع الدخل بالنسبة للخاضعين للضريبة على الدخل بالأسعار الإبرائية، وسيتم إحداث مسطرة من أجل تسوية الضريبة المحجوزة في المنبع برسم الدخول والأرباح الناتجة عن رؤوس الأموال المنقولة ذات المنشأ الأجنبي وذلك بتغيير وتتميم المادة 222-ألف من المدونة العامة للضرائب، زيادة على إقتراح مادة جديدة متممة (230 مكرر مرتين) من أجل إحداث مسطرة لتطبيق الجزاءات المترتبة عن عدم تقديم إقرار أو تقديم إقرار ناقص برسم المرتبات والأجور والمعاشات والتعويضات الأخرى المدفوعة في شكل رأس المال أو إيراد.
أما فيما يتعلق بالتدابير الخاصة بالضريبة على القيمة المضافة، فقد تم التنصيص على ملاءمة آجال إعفاء السلع التجهيزية في الإطار الاتفاقي، عن طريق إقتراح أجل 36 شهرا يبتدئ من تاريخ أول عملية استيراد مع إمكانية تمديد هذه المدة لأربعة وعشرين شهرا، وسيتم إعفاء إنشاء مشاريع استثمار جديدة من الضريبة على
القيمة المضافة. كما نص مشروع قانون المالية في الجانب المتعلق بوكالات الأسفار، على إحداث نظام جبائي خاص بها والذي سمي ب"نظام الهامش"، بحيث يتم تطبيق الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة للمبالغ العائدة للوكالة، أي على الفرق بين مجموع المبالغ المقبوضة من قبل وكالة الأسفار، والتي حررت بشأنها فاتورات باسم المستفيد من الخدمة من جهة، ومن جهة أخرى، مجموع المشتريات مع احتساب الضريبة على القيمة المضافة والمحررة بشأنها فاتورات باسم الوكالة من لدن مورديها (النقل أو الإيواء أو استهلاك مأكولات ومشروبات في عين المكان أو الترفيه).
كما سيعمل مشروع القانون المالي للسنة المقبلة على توضيح النظام الضريبي المطبق داخل مناطق التصدير الحرة، إلى جانب تعميم الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة على جميع الطائرات المستعملة للنقل الدولي المنتظم، زيادة على استثناء السيارات المقتناة من طرف وكالات تأجير السيارات من الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة من أجل التصدي لظاهرة التهرب الضريبي الناتجة عن عدم التصريح بالقيمة الحقيقية. وسيتم تغيير الأجل المحدد للقيام بخصم الضريبة على القيمة المضافة، بحيث سيقترح حصر الحق في الخصم في الشهر أو ربع السنة للإقرار برقم الأعمال الذي تم خلاله الأداء. زيادة على توضيح المعاملة الضريبية للصفقات والخدمات الممولة بهبات أو المسلمة على سبيل الهبة في إطار التعاون الدولي؛ وفي إطار الشفافية الجبائية وتحفيز الملزمين على تقديم فواتير قانونية، فقد نص مشروع القانون المالي على عدم تخويل الحق في خصم الضريبة على القيمة المضافة المبنية على الفواتير غير القانونية؛ وتوضيح الواقعة المنشئة للضريبة بالنسبة للأداء عن طريق المقاصة المالية، وتوضيح مبدأ إخضاع إيجار المحلات المهنية للضريبة على القيمة المضافة، والتمييز بين الإيجارات الخاضعة للضريبة على القيمة المضافة وغير الخاضعة لها، وتوضيح أن الإيجارات الواقعة على المحلات المهنية خاضعة للضريبة على القيمة المضافة، زيادة على تطبيق الضريبة على القيمة المضافة على البناءات غير المكتملة وذلك بتتميم مقتضيات المادة 89-II-5 من المدونة العامة للضرائب لتشمل البيوع الواقعة على البناءات غير المكتملة، فمن أجل الاستفادة من خصم
الضريبة، يقوم البائع بنقل الحق في خصم الضريبة المتضمنة في تكلفة البناء إلى المقتني الجديد؛ علاوة على تبسيط الإجراءات للاستفادة من إعفاء السكن الاجتماعي، والتي كانت تتطلب إلزامية إيداع طلب الاستفادة من مبلغ الضريبة على القيمة المضافة المتعلقة بالسكن الاجتماعي لدى المصلحة المحلية للضرائب التابع لها السكن الاجتماعي موضوع الإعفاء، لذلك فقد نص مشروع قانون المالية لسنة 2017 على أن إلزامية الإدلاء بهذه الشهادة أصبحت دون جدوى وبالتالي يقترح حذف هذا الإجراء.
من جهة أخرى، فقد خص مشروع المالية لسنة 2017 واجبات التسجيل ببعض التغييرات والإجراءات، التي تهم في شق منها إلزام الموثقين بالقيام بإجراء التسجيل بالطريقة الإلكترونية حصريا دون الحاجة إلى الإيداع المادي للعقود، وسوف يتم تحصيل واجبات التسجيل بواسطة أمر إلكتروني للتحصيل، كما سيتم توحيد المقتضيات الضريبية المتعلقة باقتناء الأراضي المعدة لإنجاز عمليات البناء أو التجزيء، وذلك عن طريق حذف الالتزام بالبناء أو التجزيء داخل أجل 7 سنوات مقابل اعتماد نسبة تضريب موحدة 6% بالنسبة لاقتناء الأراضي؛ وملائمة النظام الجبائي لكافة عمليات تفويت الأسهم، وإعفاء العمليات المنجزة من طرف هيئات التوظيف الجماعي في العقار.
فيما يتعلق بواجبات التمبر، فقد خصص لها مشروع قانون المالية لسنة 2017 حيزا من الإجراءات التي تمس بالأخص توضيح الالتزام المتعلق بأداء واجبات تمبر المخالصات بواسطة إقرار وتوضيح المقاولات المعنية به، وذلك بتعويض الإقرار الشهري المنصوص عليه في المادة 254-II من المدونة العامة للضرائب بإقرار ربع سنوي، وحذف عبارة المقاولات "المرخص لها"، وجعلها كافة المقاولات التي يساوي أو يفوق رقم معاملاتها السنوي مليوني 2.000.000 درهم؛ أما فيما يخص الضريبة الخصوصية السنوية على السيارات فقد تم إدماج الرسم المفروض على محور المحرك ضمن المقتضيات المتعلقة بالضريبة الخصوصية السنوية على السيارات، وتغيير تسميتها لتصبح
"الضريبة الخصوصية السنوية على العربات"؛ إضافة إلى إعفاء العربات ذات المحرك الكهربائي أو العربات ذات محرك مزدوج (كهربائي وحراري) وذلك بهدف تشجيع المحافظة على البيئة.
أما الشق المتعلق بالمساطر الضريبية، فقد تم تدعيم السلطة التقديرية للإدارة من خلال تدبير للحد من التعسف في استعمال حق يخوله القانون (Abus de droit)، وذلك بهدف محاربة بعض الممارسات المخلة بالعملية الضريبية كالغش والتهرب الضريبيين؛ بالإضافة إلى توضيح أسس فرض الضريبة المعتمدة في حالة تصريح اللجان الضريبية بعدم اختصاصها لاسيما في القضايا التي ترى أنها تتعلق بتفسير نصوص تشريعية أو تنظيمية، لذلك فالأساس المعتمد لفرض الضريبة في حالة صدور مقرر اللجان الضريبية يصرح بعدم اختصاصها، هو الذي تم تبليغه للملزم من لدن الإدارة في رسالة التبليغ الثانية.
فيما يرتبط بالشق المتعلق بملائمة الأحكام المتعلقة بالتبليغ في مسطرة المراقبة الضريبية، ومن أجل تكريس مبدأ "التبليغ"، يقترح ملائمة مساطر التصحيح المتعلقة بالحق في المراقبة وذلك باستبدال عبارة "في حالة عدم توجيه الإشعار بالفحص، بعبارة "في حالة عدم تبليغ الإشعار بالفحص".
أما الجزء المتعلق بالجزاءات، فسيتم إحداث الجزاء المترتب على عدم إحترام شروط الإعفاء المتعلقة بالدخل الشهري الإجمالي المحدد في 10.000 درهم، وملائمة الجزاءات المترتبة على مخالفة الأحكام المتعلقة بالإقرارات المتعلقة بالالتزامات بالإقرار؛ وإحداث جزاءات في حالة عدم الاحتفاظ بالوثائق المحاسبية لمدة 10 سنوات على شكل غرامة قدرها 50.000 ألف درهم لكل سنة محاسبية، كما سيتم تحصيل هذه الغرامة عن طريق الجدول بدون مسطرة.
كما أن الموارد المرصدة للجهات وفي إطار إنجاح الجهوية المتقدمة، اقترح مشروع قانون المالية لسنة 2017 رفع حصيلة الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل المرصدة للجهات إلى نسبة 3% عوض 2%، علما بأن مجموع الموارد التي سترصد للجهات ستصل إلى 10 ملايير درهم في أفق سنة 2021.
ثالثا: ملاحظات حول مشروع قانون المالية لسنة 2017
إن القراءة الأولية لمشروع القانون المالي لسنة 2017، يدفع إلى القول بأنه يخلو من مجموعة من الإجراءات التي كانت لابد من التنصيص عليها، سواء من أجل تقريب وإصلاح العلاقة ما بين الدولة والمواطن والتي لازالت لم تصل إلى المستوى المطلوب، سواء من خلال المناصب المالية المخصصة لهذه السنة والتي تتجه الحكومة إلى تعميم نظام العقدة على المناصب المالية المخصصة لأبناء الشعب، في حين أن المناصب العليا ومناصب المسؤولية لا تخضع لأي تغيير، وهو ما يضرب في العمق مسألة تكافئ الفرص والشفافية، ويؤسس لأزمة ما بين الدولة والمواطن، لذلك وجب العمل على تصويب هذه الخطوة السلبية التي تتجه لها الحكومة، ووضع مخطط شامل ومتكامل من أجل وضع حد للبطالة التي تعتري صفوف الشباب دون الحاجة إلى مخططات يكون فيها المواطن والشاب المغربي هو الخاسر الأكبر، في اتجاه التخفيف من حدة الوضع الراهن الذي يعيشه شبابنا ومن أجل التأسيس لمرحلة جديدة أساسها العقلانية وضبط النفس والحلول الناجعة والجيدة.
من جانب آخر، فالموارد المالية المخصصة للجهات لا تكفي من أجل رفع التحدي وإنجاح الجهوية المتقدمة، في حين أن المبدأ الدستوري الكامن في التدبير الحر للجهات يبقى شكليا ولا يمكن أن يمنحها حرية أوسع في تدبير شؤونها المالية في ظل معطيات موضوعية تجعل الدولة تمارس وصايتها ورقابتها بشكل مكثف ومؤثر، لذلك وجب البحث عن طرق جديدة للتمويل من أجل إعطاء هذه الوحدات الترابية الحرية في تدبير شؤونها. زيادة على كون تحديد قانون المالية بصفة تدريجية، للنسب المخصصة للجهات من الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات،
والرسم على عقود التأمين، ومن اعتمادات مالية من الميزانية العامة للدولة في أفق بلوغ سقف 10 ملايير درهم سنة 2021 رهنا لمالية الجهة للوضعية المالية للدولة، كما أن تحديد الدولة لموارد صندوق التضامن بين الجهات ونفقاته وكيفيات تسييره، تجسد تحكما من الدولة عن طريق سلطتها الحكومية في توزيع موارده بين الجهات. كل هذا يعد تفريغا لنص الفصل 136 من الدستور من محتواه، والذي ينص على أنه:"يرتكز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ التدبير الحر، وعلى التعاون والتضامن.."، ما يدعوا إلى التساؤل حول مدى الوجود الفعلي لمبدأ التدبير الحر على مستوى الوحدات الترابية، وهل أن الدولة مازالت متحكمة دائما في الموارد المرصودة لهذه الوحدات؟
كما أن الحديث عن الموارد المرصودة للجهات، يجرنا للحديث عن النظام الجبائي المحلي رقم 47.06 وعن نقائصه وسلبياته التي ستؤثر لا محالة على المردودية المالية لهذه الوحدات الترابية، لذلك فنحن اليوم ننادي من أجل وضع حد لهذه الاختلالات التي أصبحت تشكل قطيعة مع النقلة النوعية والتاريخية التي عرفها المغرب في مجال التنظيم الترابي الجديد في ظل دستور مغربي ينادي بالعديد من المبادئ التي تعد رافدا من روافد التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، عبر خارطة طريق تأخذ بعين الاعتبار هندسة جديدة لقانون جبايات الجماعات الترابية، وتوسيع وعائها وسلطاتها الجبائية، وفرض رسوم جديدة تتناسب مع خصوصيات كل جهة على مستعملي التجهيزات الأساسية الكبيرة كالمطارات والمحطات السككية الكبرى، والأهم هو إصدار مدونة عامة حول الجبايات الترابية، حتى يتسنى لنا الحديث في الأخير عن جهوية متقدمة ناجحة فعالة وناجعة.
أما الشق الخاص بوجود لا وعي جبائي يعرفه مواطنو بلادنا، الشيء الذي يؤدي إلى حوار للصم بين الملزم والإدارة الضريبية أكثر منها علاقة تفاهم وتعاون، فإنه أثناء المناظرة الوطنية الثانية حول الجبايات، وقع وزير الاقتصاد والمالية مع وزير التربية الوطنية اتفاقية شراكة لإدماج المسألة الضريبية في البرامج التعليمية قصد خلق ثقافة ضريبية ومواطنة حقة، الشيء الذي لم يرى النور لحد الساعة.
إن ما يجب قوله فيما يتعلق بجانب الإصلاح الضريبي الذي أسست له المناظرة الوطنية الثانية حول الجبايات التي أقيمت سنة 2013 بالصخيرات، كون توصياتها لم تكن ذات طابع إلزامي تؤثث للتطبيق الفعلي على مدى سنوات مرصودة بدقة، وإنما كانت عبارة عن توصيات تبقى لأجل مسمى يتم التلميح لها أو لبعضها في القوانين المالية المتعاقبة لذلك يجب التفكير في التعجيل بوضع توصيات المناظرة الوطنية وإعطاءها طابع إلزامي عبر تكليف لجن مختصة في إطار مقاربة تشاركية يساهم في إنجاحها الجميع بما في ذلك المختصون في المجال، وذلك من أجل رفع التحدي أمام وضع التوصيات على أرض الواقع وبأسرع وقت ممكن، فما فائدة تنظيم المناظرات وتحمل كلفتها المالية، وما الفائدة من التوصيات الناتجة عن هذه الأخيرة إذا لم تطبق على أرض الواقع وإذا لم نرى نتائجها الملموسة وفوائدها على خزينة العامة/الدولة وعلى الملزم/المواطن.