مما لا شك فيه أن الحديث عن النجاح يقتضي الحديث عن عوامله وسبله وأسبابه، فمن حكمة الله تعالى أنه خلق الأسباب وسبَّبها وأوجد مسبَّباتها بها، فجعل النكاح سبباً للولد، والبذر سبباً للزرع، وجعل شرب الماء سبباً للري، وجعل الأكل سبباً للشِّبَع، وجعل الجد والاجتهاد سبباً للنجاح، وجعل الكسل سبباً للفشل، وجعل النار سبباً للإحراق، وجعل قطع الرأس سبباً للموت وهكذا، وهذه الأسباب يستوي فيها المسلم والكافر والبر والفاجر. ولهذا يجب على المتوكل على الله أن يأخذ بما يستطيع من الأسباب، ولو خلق الله الكون بغير نظام وسنن لا تتخلف، لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن.
والنجاح في الدراسة والتحصيل العلمي، لا يخرج عن هذه السنن الكونية، إذ لابد من الأخذ بجميع الأسباب المؤدية إلى النجاح.
وعوامل النجاح كثيرة، منها ما يتعلق بالبيئة والمحيط، والأسرة، والأستاذ، والشخص نفسه، ونحن سنقتصر على الحديث فيما يتعلق بالنجاح الدراسي، وسنتحدث تحديدا عن دور الأستاذ في نجاح التلميذ.
ونظرا لما للأستاذ من دور كبير في نجاح التلاميذ والطلبة وتفوقهم في مسيرتهم الدراسية، كان لزاما عليه أن تتوفر فيه مجموعة من الخصال والشروط ليكون عاملا مؤثرا في النجاح الدراسي والتحصيل العلمي، نذكر منها ما يلي:
أولا: أن يكون قدوة في كل شيء: إن التلاميذ، وخاصة الصف الابتدائي، يتأثرون بأستاذهم لأنهم يقضون معه من الوقت ما لا يقضونه مع أسرهم، كما أن سنهم يجعلهم أكثر تعلقا بمن يحسن إليهم، فيتشبهون به في أفعاله وأقواله، ولذلك يجب على الأستاذ أن يكون مثالا يحتذى به في الجد والاجتهاد والانضباط والأخلاق والمظهر وحسن المعاملة، فلا يعقل أن يطلب الأستاذ من التلاميذ إنجاز واجباتهم وهو لا ينجز واجباته، ولا يعقل أن يطلب منهم أن يجتهدوا وهو يتكاسل، كما قال الشاعر:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم
ثانيا: حسن المظهر والهيئة: وهذا أمر له وقع السحر على الناس، لأنهم يميلون إلى الجميل ويحبونه بطبعهم وغريزتهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الهدي الصالح والسمت الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة".
رأى النبي عليه الصلاة والسلام رجلا شعثا فقال: " أما كان هذا يجد ما يسكن به شعره؟"
ورأى رجلا آخر وعليه ثياب وسخة فقال: " أما كان هذا يجد ماء يغسل به ثوبه؟".
وعليه يجب على الأستاذ أن يكون أنيقا، وفي هيئة تليق بالمهنة الشريفة التي يمارسها حتى يكون مثالا وقدوة لتلاميذه.
ثالثا: التمكن من المادة: وهذا هو مربط الفرس، إنه من العيب والعار أن يمارس الإنسان شيئا قبل أن يتقنه ويتعلمه ويحسنه، فالأستاذ مُطالب بتحضير الدرس بشكل جيد، وضبطه ضبطا دون الاكتفاء بما يوجد في المقرر، لأن التلاميذ قد يطرحون بعض الأسئلة المحرجة التي قد لا يتمكن الأستاذ من الجواب عنها رغم أن لها علاقة بالدرس، وهذا قد يخلف انطباعا سيئا في نفوس التلاميذ، فيقللون من قيمة الأستاذ ويعتبرونه غير جدير بتدريسهم، كما أن هذا الأمر قد يؤثر على نفسية الأستاذ ويشعره بالإحباط والخوف من الدروس المقبلة وما قد يتعرض له من إحراج من طرف تلاميذه.
ولذلك وجب عليه أن يهيئ الدرس بشكل جيد ليقدمه بطريقة جيدة وبثقة في النفس.
رابعا: حسن الإلقاء: يعتبر حسن الإلقاء أهم ميزة تميز أستاذا عن غيره، فرغم أن المقرر نفسه، إلا أن طريقة الشرح والتقديم تختلف من أستاذ لآخر، والتلاميذ يميلون لمن يوصل إليهم الفكرة بأيسر الطرق دون تعقيد ولا ملل، مع مراعاة مستوى التلاميذ، وتنويع أساليب الشرح واختيار النظريات البيداغوجية المناسبة للتدريس، حتى لا يتم إهمال أصحاب المستوى المتوسط وما دون المتوسط.
خامسا: تحفيز التلاميذ: والتحفيز نوعان: مادي ومعنوي، فالمادي يكون عن طريق الجوائز الرمزية والأنشطة الموازية لمن حصل على نقط جيدة، والمعنوي يكون بالثناء على التلاميذ وجعلهم يشعرون بقدراتهم لمضاعفتها، وإذا أخطأ أحدهم في جواب ما، أو فشل في فرض ما، فلا تحبطه بكثرة اللوم والعتاب، بل شجعه وقل له: لا بأس، عدني بأن تكون المرة القادمة أفضل، وهذه مجرد كبوة حصان.
سادسا: ضبط حجرة الدرس: على الأستاذ أن يكون قوي الشخصية، يفرض سلطته وهيبته داخل حجرة الدرس، ويضع الأمور مواضعها، ولا يخلط الجد بالهزل، فيتجرأ عليه التلاميذ. وأساليب ضبط القاعة تختلف من أستاذ لآخر حسب نوع التلاميذ وشخصية الأستاذ.
وهناك ثلاثة أنماط لضبط حجرة الدرس، هناك النمط السلطوي الذي يفرض فيه الأستاذ سلطته على التلاميذ ويكون هو الآمر الناهي، وهناك النمط التقليدي وهو الاحترام المتبادل بين الطرفين بناء على الأعراف والتقاليد، وهناك النمط الديمقراطي، ومن خلاله يعطي الأستاذ الفرصة للتلاميذ للتعبير عن رأيهم والمشاركة في القيام بمختلف الأنشطة.
سابعا: احترام التلاميذ وتقديرهم: على الأستاذ أن يحرس على حسن العلاقة التي تجمعه بتلاميذه، ويتقرب منهم ويحبهم ويعرف مشاكلهم ويساعدهم على حلها، وهذا الأمر ينبني على الاحترام المتبادل، فلا يحق للأستاذ أن يهين التلاميذ أو يحتقرهم ويحط من قدرهم سواء عن طريق الشتم والسب، أو الضرب بطريقة لا تتماشى مع ضوابط التربية، لأن ذلك يؤثر سلبا على شخصيتهم على المدى البعيد، ويولد حقدا على الأستاذ، مما يجعلهم يكرهون تلك المادة وحصتها. كما أن التلميذ يكره نفسه ويحس بأنه منبوذ بين زملائه ولا يستحق أن يكون بينهم. ولذلك وجب معالجة الأخطاء بطرق تراعي حال كل تلميذ ومستواه، لنحوله من فاشل إلى ناجح.