إن من فضل الله تعالى على المسلم أن يجعله طالب علم ويسوقه في صغره إلى طريق يلتمس فيه العلم، فليس كل من يولد يتعلم، وليس كل من يبدأ طريق التعلم يستمر ويواصل حتى تظهر في حياته ثمراته. وما من أحد أكرمه الله تعالى فتعلم وانتسب إلى العلم وأهله إلا ويذكر العديد من أقرانه وأترابه شاركوه الطفولة وكانوا من أقاربه أو معارفه ولم يكونوا مثله فنشأوا بعيدا عن العلم، فالانتساب إلى هذا الطريق نعمة عظمى وهي من النعم الخاصة.. من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين.. وإذا أضيفت إلى هذه النعمة نعمة أخرى وهي الخشية والتقوى فأثمر هذا العلم من الإيمان بالغيب والخوف من الله تعالى كان الفضل أعظم والمنة أكبر. فإذا زادت إلى هاتين النعمتين نعمة ثالثة وهي الاهتمام بنشر هذا العلم والحرص على الانخراط في سلك المبلغين له فذاك الذي يرجو به صاحبه أن يكون من ورثة الأنبياء حقا، ومن خلفاء الرسول صدقا يطلب علمهم ويعمل به ويدعو إليه. هذه الصفة أعني صفة طالب الدراسات الشرعية أو الباحث في الدراسات الشرعية كما هي اصطفاء من الله تعالى فهي تلقي لمسؤولية جسيمة على عاتق من أدرك هذا الفضل وحاز هذا الخير وتجعله في جميع مراحل عمره طالب علم بكل ما يحمله هذا الوصف من محبة العلم والاجتهاد في تحصيله والعمل بمقتضاه والحرص على تعليمه... وسواء كان معلما في المراحل الابتدائية أو أستاذا في المراحل الثانوية أو أستاذا باحثا في الجامعة أو كان في وظيفة أخرى مثل القضاء و الخطابة والإمامة والعدالة والإرشاد فإن المسؤولية واحدة. إن الشغل الشاغل لطالب العلم الشرعي هو الاستزادة فلا يقنع من الخير ما عاش حتى يكون مثواه الجنة. ولا يتعصب إلا للحق ولا يهجر حقا قال به مبطل ولا يتكبر على النصيحة، ولا يمتنع من الرجوع عن قوله إذا لاح له أن الصواب في غيره، ينبذ التقليد بكل أشكاله وهمته مشدودة إلى من هو أعلى منه قد حدد وجهته وحسم اختياره يتاجر بأثمن ما عنده وهو الوقت عينه على يومية العام وله في كل وقت مراجعة ماذا أنجز؟ وماذا لم ينجز؟ يراقب نفسه حيث ما ذهب وينظر إليها بعين المحاسب، فإذا كان في حصة الدرس أو التعليم شغله حسن الإعداد وحسن الإلقاء وتطلع إلى الإحسان فيهما. يقرأ ويطالع ما تصل إليه يده في هذا المجال التربوي ولا يستسلم لخواطر المحبطات والأفكار السلبية المثبطة، فهذه بضاعة يدل التلاميذ والناس عليها فإذا أحسن تقديمها وأجاد في بسطها وشرحها تلقاها التلاميذ والناس بالقبول فهم ينتظرون منه التبسيط والتنظيم والتطهير والتصفية ويفوضون إليه التحقيق والانتقاء واختيار الأنفع مما يزيد من ثقل الأمانة التي على عاتقه ويحفزه لمزيد من التشبت بصفات طالب العلم، الحريض... إن النجاح في تقديم المادة العلمية للطلاب أو الجمهور وحصيلة تفاعل عدة أمور ترجع إلى أخلاق طالب العلم عندما يعد موضوعه وعندما يوسع قراءاته حوله وعندما يقدمه ويلقيه وعندما يتلقى الأسئلة عنه و.... إن الأخلاق الإسلامية السامية عندما يتزين الأستاذ ويكون معها تمكن من موضوع وإعداد جيد وإلقاء شيق يعطي حصيلة مرضية وينمي محبة العلوم الشرعية في قلوب التلاميذ والمستمعين، وهذا الاعتزاز لا يقل أهمية عن الفهم فكثيرا ما ساهم الأستاذ في إنشاء صورة سيئة عن العلوم الإسلامية في نفوس طلابه فيتراجع تفاعلهم وحماسهم وتتراكم في نفوسهم مشاعر النفور وتبهت في قلوبهم الحاجة إلى هذه العلوم، والحال أن العلم بأحكام الإسلام هو أشرف ما يطلب وأولى ما يحصل وهل هناك أفضل من علم يدلك على الله الذي خلقك ويرشدك إلى رسالتك في الحياة ويهديك إلى السعادة في الدارين. إن تحبيب المادة إلى نفوس الطلاب والدارسين ليست بالأمر السهل وكثيرا ما تغيرت اهتمامات الطلاب الدراسية بسبب أستاذ أحسن العرض والتقديم بغض النظر عن المادة نفسها فلسفة أو تاريخا أو لغة أجنبية ... ومهما حاول الأستاذ في العلوم الشرعية أن يسوق ما جاء في فضل العلم وما قاله العلماء في التعلم والتعليم فإن ذلك وحده لا يكفي إذا كانت طريقته تهدم ما يقول وتحدث أثرا عكسيا. وهذا الأمر ليس وهبيا ينتظر فيه الإنسان ما يمكن أن يظهر عليه من موهوبه بل هو علم يطلب ويتداخل فيه النظري والتطبيقي تنضجه التجارب الإنسانية باستمرار. ومع التطور الكبير الذي عرفته هذه الموضوعات البيداغوجية يشعر طالب العلوم الشرعية سواء في مرحلة التحصيل العلمي أو حتى في مرحلة العمل والتدريس بأنه مسؤول أمام الله تعالى أن يواكب هذه التطورات ويضيف الجديد كما يحافظ على القديم. وسنة الحياة في جميع الاختصاصات أن من يتوقف يتجاوزه الركب، غير أن كثيرا من المنتسبين للعلوم الشرعية لا يشعرون بهذا ومع غياب المراقبة التربوية، وخاصة في الدراسة الجامعية تبقى دار لقمان على حالها ويتسرب الملل ومنه يدخل ما هو أخطر من الملل وهو كراهة المادة وبغضها والتبرم بها والتنصل منها بأتفه الأسباب وقد يفضي به الأمر إلى الاشتغال بمشاريع تجارية بعيدة عن مهمته فتؤثر بصورة سلبية في عطائه العلمي ويكون طلابه وجمهوره ضحية هذه التراجعات. والذي يقاوم به هذا كله هو ما قررناه من صفاة طالب العلم الذي يتجدد في معلوماته وطرائقه وأساليبه. ومن أهم صفات طالب العلم: المواظبة والمثابرة سواء عند تحصيل العلم وأخذه أو عند تبليغه ونشره، ونجد أنفسنا مرة أخرى أمام اختلاسات واسعة وغش كريه ترتكبه أولئك الذين يعلون من شان المراقبة الخارجية ويهملون المراقبة الذاتية هذه اختلاسات في مجال التعلم والتعليم أسوء أثراء من الاختلاسات المالية، والله تعالى يسمع ويرى ولا شك أنه يحاسب العالم والمتعلم والسامع والمتكلم، وعندما تصغي إليك الأسماع وتتطلع إليك الأبصار وتتعلق القلوب بما يخرج من فمك فأنت في موقف لا تحسد عليه إلا أن تفرغ الوسع بما لا مزيد وفوق طاقتك لا تلام. والخلاصة أن التفكير الدائم في تحسين مستوى الأداء من صفات طالب العلم لا يترك ذلك حتى يلقى الله تعالى فالإحسان درجات بعضها فوق بعض كما أن الإساءة درجات بعضها تحت بعض. فليحرص كل من الأستاذ وطالب العلم على الحزم والعزم والصرامة والنزاهة والتطلع إلى المثال المنشود والجد والعمل والاستدراك والتوسط والاعتدال... تلك بعض المصطلحات التي تقربنا من أهل العلم. وفقنا الله تعالى لإخلاص الباطن وإحسان الظاهر وجمع لنا بين حسن النية وحسن الكيفية ونعوذ به من قول بلا عمل.