لم تكن حياة النبي الأمي الذي علم العالم، الرحمة المهداة حياة عادية، لقد كانت حياة في عناية ربانية، ففي صباه انتقل عليه الصلاة والسلام الى بادية بني سعد تصحبه حليمة السعدية لترضعه على عادة العرب لينشأ أبناؤهم على الفصاحة و الصفاء، و هو لايزال وليدا و مكث فيها خمس سنين، افاض الله فيها على بيت حليمة بالخير و البركات... و قد كان لحادثة شق الصدر الأثر العميق في نفس حليمة فخشيت ان يلحق بمحمد صلى الله عليه وسلم اي مكروة فعجلت به إلى امه و جده. و قد اعقبتها رحلته رفقة والدته الى يثرب لزيارة اخواله من بني النجار و هو ابن السادسة، توفيت بعدها امه و هي في الطريق إلى مكة، فكفله جده عبد المطلب... و بعده عمه ابو طالب. و في سن الثانية عشرة خرج مع عمه في رحلة تجارة إلى الشام فلما بلغت القوافل بلدة (بصرى)... و لما رأى الراهب (بحيرى) علامات النبوة اشار على ابي طالب بالعودة بابن اخيه و كثم سره عن اليهود خاصة. و في سن الخامسة و العشرين و في عنفوان الشباب دفعت إليه السيدة خديجة بنت خويلد مالا ليرعاه لها في تجارة و ارسلت معه خادمها ميسرة الذي نقل لها الخبر اليقين عن الصدق و الأمانة، و قد جاد الله عليه بالرزق الوافر فيها، فتوجت هذه الرحلة بشرف اقتران السيدة خديجة بمحمد صلى الله عليه وسلم. و هذه الرحلات كلها كانت قبل البعثة، و لكن بعد البعثة سيكون فيها شأن آخر. لقد كان من حكمة الله تعالى أن جعل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم رحلة ميمونة و هجرة مباركة. واحدة من اعظم المعجزات من مكة إلى بيت المقدس، و من الأرض إلى السماء ليلة الإسراء و المعراج، قال تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. الإسراء الآية 1 رحلة تكفل الله فيها بنقل نبيه عليه الصلاة والسلام فأركبه البراق و صحبه جبريل عليه السلام الى منزل لم ينزله أحد قبله و لا بعده. ...و في السنة العاشرة لنزول الوحي كان النبي عليه الصلاة والسلام على موعد مع رحلة إلى الطائف ذاق فيها أذى القوم و ظل صامدا يدعو ربه. ... و مع استمرار قريش في تعنثها و ايذاء المسلمين حتى جاء اذن الله بالهجرة إلى يثرب. فكان فاتحة خير عليها و على آهلها، ذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل المدينة حرماً بأمر الله تعالى له بذلك كما في حديث جابر رضي الله عنه حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: " إن إبراهيم حرّم مكة، وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها، لا يقطع عضاهها، ولا يصاد صيدها " أخرجه مسلم. في مشهد مهيب هز النفوس و حرك الأشواق و ظهرت معه تباشر الخير، و انقبظت قلوب الذين ادعو الإيمان نفاقاً و قلبو الأمور شقاقا. لكن هيهات هيهات فقد بزغ فجر الإسلام و سطعت شمس الحق نورا من الوحي ملأت الأرجاء تكبيرا و تهليلا.، و جهاد في سبيل الله، و نصرة المظلوم... و بعد ان اشتد عود الإسلام و قوية شوكة المسلمين من الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بفتح مكة. إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ*وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً*فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً. سورة النصر. فوقف صلى الله عليه وسلم موقفا محمودا من خصومه قائل : (يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟) قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: (فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: {لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ} اذهبوا فأنتم الطلقاء)...
و بعده يعود مع الصحابة من الأنصار و المهاجرين ممن اختاروا صحبته صلى الله عليه وسلم إلى المدينةالمنورة، و لزمها عليه الصلاة والسلام إلى أن توفاه الله اليه و دفن بها و بها روضته الشريفة.