نبدأ موضوعنا بطرح هذه الاسئلة المشروعة التي ستساعدنا الاجابة عنها في فهم التوجه العام بين أوروبا و المغرب لاحتواء هذه الأزمة و كيفية تعامله كل طرف مع هذا الملف الذي استدعى تنسيقا على أعلى مستوى بين الضفتين. 1-من يقف و راء خروج المهاجرين الأفارقة للاحتجاج بمدينة طنجة. 2-ما الأسباب التي جعلت هذا العدد من المهاجرين ينتظم في هذا الشكل الاحتجاجي، و في هذا التوقيت بالذات؟ للاجابة عن هذه الاسئلة لابد من تسليط الضوء على بعض الأحداث الأخيرة المرتبطة بملف الهجرة نحو الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط. و للاحاطة بمعطيات هذه المستجدات و الوقوف على الأسباب المباشرة و غير المباشرة ، و معرفة الأطراف المعنية بمشكل الهجرة. 1-دوليا: بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي بشكل رسمي في 29/3/2017، و الإتحاد الأوروبي الجديد بزعامة فرنسا و ألمانيا يبدل جهدا مضاعفا للحفاظ على التوازنات الماكرو اقصادية-السياسة لبلدان الإتحاد مخافة التحاق بعض الدول بركب الانسحاب في هذا الظرف الحساس و الذي يعرف تحديات كبرى للحفاظ على النفوذ و المصالح الإستراتيجية والسعي الى اختراق مناطق و اسواق جديدة بافريقيا و اسيا، و كذا الإبقاء على المستعمرات التابعة لها و ضمان التزود بمصادر الطاقة و الموارد الأساسية للمعادن و المواد الغذائية... و عدم افلاتها من التبعية الاقتصادية و السياسية. هذا بالإضافة إلى معالجة القضايا راهنة لدول الإتحاد ذات الخصوصية الداخلية من قبيل مشكل الموازنة المالية و الاقتصادية بدولة اليونان. و مشكل الهجرة و اللجوء كما في ايطاليا. و مشكل العنصرية و الهوية كما في هولندا. و مشكل اللغة و التعايش ببلجيكا. و مشكل الوحدة الوطنية بإسبانيا... و هي المشاكل التي القت بظلالها على الإتحاد و زادت حدتها بضغط افواج الهجرة السرية من أفريقيا و رفض السلطات الإيطالية السماح لسفن انقاد المهاجرين بالرسو بموانئها هذا الصيف، الأمر الذي اعاد فتح باب الإنتقادات بين الحكومة و دول الجوار، و جعلها في مرمى المنظمات و الهيئات الدولية لحقوق الإنسان. و غير بعيد عن إيطاليا و بالضبط بمستعمرات إسبانيا على الأرض المغربية مدينتي سبة و مليلية المحتلتين و ما شهدته المستعمرة الإسبانية من نزوح الأفارقة خلال شهر غشت و عبور امواج بشرية للسياج الحدودي. هذا بالإضافة إلى قوارب الموت التي تتجه في شكل رحلات منتظمة من السواحل الليبية و التونسية و المغربية و التي تقل اعدادا من جنسيات متعددة. فرنسا ايضا كانت سباقة لذلك باتخاذ تدابير و إجراءات غير مسبوقة بفرضها مجموعة من التعديلات و القيود على حرية الهجرة و اللجوء من خلال قانون تمت المصادقة عليه ابريل الماضي بالبرلمان ب 228 صوت مقابل 139 صوتت ضد المشروع، و امتناع 24 نائبا، وسط جدل بين مكونات التحالف الحاكم من جهة، و بينها و باقي المكونات من جهة أخرى.
فوجدت أوربا نفسها امام ازمة معقدة (انسانية/اجتماعية/امنية/اقتصادية/سياسية...) فرضت عليها البحث عن حلول حاسمة و مناسبة لعلاج هذه المعضلة. أوروبا التي تمني النفس بهجرة منتقاة لرؤوس الأموال و الادمغة و العمالة المؤهلة و العمال الموسميين. فكانت الوجهة المملكة المغربية، و ذلك عقب لقاء المستشارة الألمانية و رئيس الحكومة الإسباني و اختيارها من ”سانلوكار دي باراميدا”، بإقليم “قاديس السبت 11/8/2018، التأكيد على الشراكة الأوروبية المغربية في مجال الهجرة، بالإضافة إلى تونس. أعقبها دعوة الحكومة الإسبانية المغرب لإعداد لائحة المتطلبات لمكافحة الهجرة السرية على ترابها، و تحدث المصادر عن حوالي 60 مليون يورو تكلفة التجهيزات و المعدات الحديثة و اللازمة لضمان امن الحدود، و هو مبلغ هزيل بالمقارنة لمبلغ الصفقة التي ابرمتها انقرة مع الاتحاد الأوروبي بقيمة 3ملايير يورو شرع العمل به في مارس 2016 من أجل وقف نزيف الهجرة إلى أوربا. و ايضا بالنظر لحجم الانتظارات و الاكراهات التي يعرفها هذا الملف و تشعباته الانسانية و الاجتماعية و الاقتصادية و الامنية. 2- محليا: ان التزام المغرب و انخراطه في تدبير القضايا المحليةو الدولية وخصوصا تلك التي يكون فيها طرفا اما بالجوار و الحدود او باعتباره منطقة عبور. باشرت السلطات المغربية إجراءات جديدة بترحيل المهاجرين إلى مدن الجنوب و الوسط ، تزامنا مع عمليات واسعة لإحباط قوارب الهجرة السرية، التي تنطلق من السواحل الشمالية للمغرب نحو الجنوب الإسباني. كما عمد المغرب الى نهج مقاربة جديدة مبنية على أسس انسانية و اجتماعية و اقتصادية و عدم الاقتصار على المقاربة الأمنية فقط، ففتح باب اللجوء و الإقامة أمام المهاجرين، و تمكينهم من الخدمات و الرعاية و الحقوق القانونية و يسر سبل اندماجهم في سوق الشغل و فتح مراكز للتدريب و التأهيل لصالحهم.... كم انخرط المغرب في مشاريع استثمارية نحو بلدان المصدر لرفع الهشاشة و اتاحة فرص للشغل و الاستثمار لتشجيع المرشحين للهجرة على العدول عنه لبديل التنمية الداخلية و الهجرة بين بلدان الجوار. كل هذه التحويلات ضيقت الخناق على تجارة البشر الدولية التي تستقطب كبار العملاء دوليا و محليا لاستغلال الوضع للتحكم في هذه السوق السوداء و ما يتبعه من تجارة الرقيق الابيض و الجنس و الشدود و الاتجار في الأعضاء و الرهائن... سوق تدر ملايير الدولارات خالية من الرقابة و الضرائب. وضع يكرس لسيادة العصابات على هذه التجارة و التي رصدت لها كل الامكانات الإجرامية للحفاظ عليها خالصة لهم ب (الرشوة/التصفية/التهديد/التهريب/المخدرات...) فكان لزاما لهذه الفئات ان تحرك جموعا من المهاجرين و المرشحين للهجرة للتظاهر ضد السلطات المغربية بطنجة، و استغلال ظروفهم الهشة و عدم امكانية السلطات المغربية من الاحاطة بكل جوانب الأزمة، لبعث رسالة مفادها ان الموازن تسير لصالح الخطط الأمنية المتبعة من قبل الدولة. و لسان حالهم يقول: اننا نحن اصحاب المصالح الضيقة نستعد لتغيير التكتيكات و الاستراتيجية للضغط من الداخل و استغلال الملفات الإنسانية.
هذا كله يفتح تحديا جديدا امام المملكة المغربية لكسب رهان الشراكة الأوروبية المغربية و الحفاظ على الأمن و الاستقرار الداخلي. و ظهور المملكة بصورة لائقة داخليا و خارجيا.