تستقبل جزر الكناري الإسبانية آلاف المهاجرين السريين كل عام، بينهم نسبة كبيرة من القاصرين القادمين من جنوبي المغرب، يغامرون بحياتهم عبر قوارب الهجرة السرية آملين في الوصول إلى الفردوس الأوروبي. لكن هناك من اختفى ومنهم تحول إلى رقم في المقابر، وآخرون وجدوا ملاذا لهم في ملاجئ إسبانية. رحلة الموت.. من كلميم إلى لانزروتي قبل عدة أشهر عاشت قرى في إقليمكلميم في جنوب المغرب مأساة فقدان أكثر من سبعة مهاجرين من أبناء المنطقة بينهم قاصرون قضواْ غرقاً وهم يحاولون الوصول إلى جزيرة لانزاروتي التي هي إحدى جزر الكناري الإسبانية. استعاد ذوو الضحايا الجثامين السبعة من السلطات الإسبانية، ودفنوهاْ في مقابر هذه القرى إلى جانب مهاجرين آخرين عادوا عادوا في نعوش إلى قراهم بعد مغادرتها دون علم ذويهم، في محاولة للهجرة إلى الأراضي الإسبانية عبر "قوارب الموت". هذه الفاجعة صدمت الرأي العام في المنطقة وأعادت من جديد الاهتمام بهذا الملف. حليمة بهوش سيدة لا تزال تبحث بحرقة عن ابنها القاصر محمد لعلاوي (16 سنة) الذي فقدته قبل سنوات وهو يحاول الهجرة إلى جزيرة لانزاروتي عبر البحر، تحدثت حليمة ل DWعربية عن مأساتها وقالت "إن شبكات التهريب نجحت في إقناع ابني بأنه سيحقق أحلامه عبر الهجرة إلى جزر الكناري. رفضت بشدة أن يهاجر، لكنه أصر وسافر دون علمي". محمد غادر مقاعد الدراسة أملا في تحسين أوضاع عائلته التي تضم إخوة وأخوات ووالدا كان مريضا، توفي قبل أن يرى ابنه المفقود مرة أخرى. وتقول الأم إن محمد كان يقول قبل مغادرته "سأغنيكم بعد الهجرة.. و سأبني لكم منزلا فخما وأشتري لكم سيارة". لا تزال والدة محمد تحمل صورته والألم يعتصر قلبها وهي تأمل في معرفة مصير ابنها، وهي واحدة من أمهات أخريات فقدن أعزاء لهن في غامروا بحياتهم على متن "قوارب الموت" وهم يحلمون بالوصول إلى أوروبا. من تغمرت إلى لانزروتي في قرى تغمرت وأسرير في ضواحي كلميم قبور شباب وقاصرين من أبناء هذه البلدات قضوا غرقا في في عرض المحيط ، شاهدة على مآسي الهجرة السرية في المنطقة. في قرية أسرير التقينا محمد مبارك لمطي الذي فقد ولدين قاصرين، عياد (15عاما) ومحمد عالي (17عاما)، في غرق قارب كان يقلهم إلى جزيرة لانزروتي، يقول محمد مبارك في حديث لDW عربية "أبنائي رفضوا إتمام دراستهم وفقدوا الأمل في العيش في هذه القرية. كان كل حلمهم هو الهجرة إلى أوربا ولم نفلح في إقناعهم بسبب الواقع المرير الذي يتوقعون عيشه بعد إتمام دراستهم". محمد مبارك يعتبر ماساته قضاء وقدرا، ويقول إن ابنيه غادرا دون علمه إلى مدينة العيون، و"هناك ركبوا البحر". وعن مصادر تمويل هذه الرحلة المأساوية يقول إنهما "اشتغلا لفترة معينة في أعمال متفرقة لجمع المال الكافي ولم يطلبوا منا أية مساعدة خوفا من إفشال سفرهم". توعية ومساعدة اجتماعية بعد توالي فواجع غرق القاصرين من أبناء منطقة واد نون والجنوب المغربي، تم تأسيس جمعية واد نون للهجرة والتنمية، التي تقدم المساعد الاجتماعية والنفسية لأسر الضحايا، وتعمل على نشر التوعية بمخاطر الهجرة السرية في أوساط القاصرين وتلاميذ المدارس في كلميم وضواحيها. رئيس الجمعية محمد عبد الله الكوا، قال في حوار مع DW عربية، إن "الجمعية كان لها دور كبير في تسهيل استرداد جثامين ضحايا ما عرف سنة 2009 ب "قارب الحضانة" الذي كان على متنه 32 مهاجراً سرياً، قضى 26 منهم غرقا قرب شواطئ جزيرة لانزاروتي، كان بينهم 20 قاصراٌ، وسيدة رفقة أربعة من أبنائها وبنت أختها. وقد تم دفن جثث الضحايا في قراهم". وأضاف أنهم بعد هذه الفاجعة أخذوا على عاتقهم القيام بدورهم "داخل المؤسسات التعليمية في الأحياء الهامشية. لأن التلميذ المرشح للهجرة السرية هو مشروع مستقبلي علينا توعيته". من جهته يقول ليمام سيفر، مدرس اللغة الفرنسية والمهتم بالتوعية الاجتماعية، في حديث ل DW عربية إن "الظاهرة أغرت الكثير من القاصرين لتحقيق ما يرونه حلما سهلا في الوصول إلى الضفة الأوروبية بسبب الصورة الوردية والنمطية للهجرة في أذهانهم". سيفر عضو متطوع أيضا في أنشطة جمعية واد نون للهجرة والتنمية بجنوب المغرب ، يقول إنه وزملاءه في الجمعية يحاولون الحد من ظاهرة الهجرة السرية وسط القاصرين بمدينة كلميم وضواحيها، من خلال "أنشطة توعوية وتوظيف الفنون كالمسرح والسينما للوصول إلى القاصرين وطلاب الثانويات ومحاولة إقناعهم عبر إبراز الوجه المظلم والتراجيدي للهجرة السرية". ويضيف أن هذه "الأنشطة التوعوية ساهمت إلى حدا ما في التقليص من موجة هجرة القاصرين". جهود رسمية للحد من الهجرة السرية بالمقابل يرى مصطفى أوشكني، المندوب الإقليمي لوزارة الصيد البحري في إقليمسيدي إفني، أن أعداد قوارب الهجرة السرية التي تنطلق من المنطقة "انخفضت بشكل كبير جدا خلال السنوات الماضية بعد نهج الدولة لسياسة جديدة في التشديد والمراقبة على طول السواحل والموانئ". وأضاف ل DW عربية أنه "لم يتم تسجيل أي استخدام لقوارب الصيد في عمليات الهجرة السرية خلال السنوات القليلة الماضية سواء لقاصرين أو غيرهم، وتم تشديد الخناق على المهربين، ويتم إفشال أي محاولة للهجرة عبر الموانئ أيضا". وقد خلص تقرير لجمعية واد نون للهجرة والتنمية، إلى أن أسباب تنامي ظاهرة هجرة القاصرين واستقطابهم من طرف المهربين، تعود إلى الأوضاع الاجتماعية الصعبة التي تعيشها أسرهم كالفقر والبطالة إضافة إلى النشاط المستمر لشبكات التهريب في جذب المرشحين للهجرة السرية من أبناء القرى والأحياء الفقيرة. كما جاء في التقرير أن بعض الآباء يتحملون المسؤولية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن تفشي هذه الظاهرة، وإن بعض الأمهات "يدفعن بأبنائهن للمغامرة من خلال توفير مساعدة مادية لهم بعد توفيرها عبر قروض صغيرة. وسجل التقرير أن نقص الوعي بالمخاطر وغياب الآباء للعمل خارج المنطقة، كان عاملاٌ مساعداٌ لبعض القاصرين في إقناع أمهاتهم بضرورة المغامرة.
وتدعو هذه الجمعية إلى ضرورة التصدي للظاهرة من خلال تشديد المراقبة على أنشطة شبكات التهريب وتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للأحياء الهامشية وخلق بدائل تنموية في المنطقة.