قفز مشجعو المنتخب الإيراني من مقاعدهم وهم يهتفون ويلوحون بالأعلام، عندما سدد سعيد عزت إلهي الكرة التي هزت الشباك في المباراة أمام إسبانيا بكأس العالم 2018، محققاً التعادل ومانحاً إيران فرصة للتقدم. لكن، ما هي إلا لحظات حتى سمعت آهات خيبة الأمل بعد أن قرر الحكم عدم احتساب الهدف. لم يكن هذا المشهد في طهران أو في ملعب كازان بروسيا، وإنما في إحدى الحانات في القدس، حيث كان معظم المشجعين الإسرائيليين يعبرون عن صدمتهم وخيبة أملهم من هزيمة إيران. بغض النظر عن الشأن الجيو – سياسي، فإن أصول العديد من اليهود الإسرائيليين تنحدر من البلدان الإسلامية المشاركة في كأس العالم 2018، من بينها إيران التي تعتبر العدو اللدود لإسرائيل. وقد شارك المنتخب الإسرائيلي في كأس العالم مرة واحدة فقط سنة 1970، تاركاً مشجعي كرة القدم المحليين يبحثون عن منتخبات أخرى ليدعموها عندما تبدأ هذه المنافسات الدولية التي تعقد كل 4 سنوات. تشارك إيران هذا الصيف في كأس العالم بروسيا، مع أربع دول عربية هي؛ السعودية وتونس والمغرب ومصر. وقد دفع هذا العرض النادر لبلدان من العالم الإسلامي، التي تعتبر أكبر البلدان التي هاجر منها الإسرائيليون في القرن ال 20، الكثيرين في إسرائيل إلى تشجيع منتخبات الدول التي ينحدر منها أجدادهم. وفقاً لأرقام المكتب المركزي للإحصاء، كانت إسرائيل منذ سنة 2011 موطنا ل 141 ألف يهودي من أصل إيراني، و492 ألف يهودي من أصل مغربي، و134 ألف يهودي من أصل تونسي وجزائري، و57 ألف يهودي من أصل مصري. كما انضمت الحكومة الإسرائيلية إلى أجواء كأس العالم، فقد نُشرت عبر حساباتها على الشبكات الاجتماعية التابعة لوزارة الخارجية خطابات تشجيعية للبلدان الإسلامية، على الرغم من أن إسرائيل ليس لها أي علاقات دبلوماسية مع تونس أو المغرب أو إيران. وخلال الأسبوع الماضي، ورد في تغريدة لحساب إسرائيل بالعربية، "تتنافس العديد من المنتخبات في منطقتنا على كأس العالم، ومن المؤسف أننا لسنا هناك أيضا! حظا سعيدا لكل من إيران والمغرب". كما تمنى الحساب التوفيق لمنتخب السعودية قبل المباراة الافتتاحية ضد روسيا. المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية إيمانويل نحشون، قال إن بلاده تسعى إلى "بعث رسالة دعم للرياضة تؤكد فصل الرياضة عن السياسة" من خلال بياناتها التي تنشر على الشبكات الاجتماعية، وأضاف "لم نتلق أي رد رسمي من تلك الدول، لكننا نتلقى على مواقع التواصل الاجتماعي ردود فعل إيجابية للغاية من مواطني تلك الدول". يوم الأربعاء، نظم بينكاس ماتان الذي يعرّف نفسه بأنه "الساحر والفنان الاجتماعي والباحث عن الوعي"، عرضاً قبل المباراة التي واجهت فيها إيران إسبانيا كجزء من مشروع مستمر يسمى "السفارة الإيرانية في القدس". وقد ارتدى ماتان عمامة إيرانية بيضاء وحمل الأعلام الإيرانية عاليا طوال المباراة. وقد نجح ماتان في حشد عشرات المشجعين الإيرانيين للحدث في حانة Hamiffal، مركز الفن المجتمعي وسط القدس. ماتان قال لموقع Al- Monitor، وسط هتافات تشجيع إيران خلال استراحة ما بين الشوطين، "لقد نظمنا الحدث لجمع الإسرائيليين والإيرانيين معاً من خلال الثقافة والفن، فهذه هي مهمتنا في السفارة الإيرانية". وقال مازحا "كنا نأمل أن يأتي المزيد من الإيرانيين، لكن البعض اتصلوا بنا وقالوا إنهم خائفون بسبب الحادث الذي وقع مع جونين سيجيف"، في إشارة إلى الوزير الإسرائيلي السابق، الذي اعتقل في وقت سابق هذا الأسبوع بتهمة التجسس لصالح إيران. ومع ذلك، شهد الحدث حضور حفنة من المواطنين الإيرانيين، من بينهم رجل عرف نفسه فقط باسم مسعود. هاجر أجداد ماتان من طهران، وقد أكد أنه لم يكن الإسرائيلي الوحيد الذي دعم المنتخب الإيراني في كأس العالم. في مقابلة لها مع Al- Monitor، قالت أريل بن موشيه، وهي مواطنة من تل أبيب ولدت في إسرائيل وتنحدر من أسرة إيرانية قدمت للبلاد خلال خمسينات القرن الماضي، إنها كانت مؤيدة بالكامل لإيران في كأس العالم على الرغم من "تصريحات ودعوات رجال الدين الإيرانيين (آيات الله) بقتلهم". وأضافت بن موشيه "بصراحة، أنا أشجعهم فقط لأن عائلتي أتت من هناك، على الرغم من أنني لا أعرف الكثير عن المنتخب الإيراني. ولكن لأن المنتخب الإسرائيلي خيب أملنا، قررت العودة إلى جذوري". كما يحمل العديد من اليهود المغاربة في إسرائيل الشعور نفسه، ويشجعون "أسود الأطلس" بفخر. وقد انتشر تهكم باللغة العبرية على الشبكات الاجتماعية يعلم اليهود بأن الصلاة الشائعة بين يهود السفارديم ستعقد على الساعة 2:30 ظهراً، قبل المباراة التي دارت بين المغرب والبرتغال الأربعاء، بنصف ساعة. أما في موسكو، فوقف الإسرائيليون وهم يرفعون العلم الوطني في قسم المشجعين المغاربة في مباراة الأربعاء في ملعب "لوجنيكي"، ثم ما لبث أن تصدروا عناوين الأخبار في ديارهم بعد انتشار شريط فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر المغاربة وهم يجذبون العلم الإسرائيلي بعنف من هذه الفئة من المشجعين. بعد ذلك، أوضح أحد الحضور الإسرائيليين أن المشجعين المغاربة في الفيديو كانوا يتسابقون من أجل الظفر بقميص لاعب مغربي ألقي في المدرجات، وعلى عكس ما يظنه البعض تلقى المشجعون الإسرائيليون ترحيباً حاراً. من جانب آخر، يبدو أن صلاة السفارديم لم تأت أكلها، فقد خسر المنتخب المغربي بنتيجة هدف مقابل لا شيء وخرج من البطولة. قال أوري ليفي، أحد معلقي كرة القدم في منطقة الشرق الأوسط ومؤسس موقع BabaGol الرياضي، إن ظاهرة تشجيع الإسرائيليين لمنتخبات من العالم الإسلامي انتشرت خلال السنوات الأخيرة. وفي رسالة إلكترونية واردة من روسيا، أخبر ليفي موقع Al- Monitor، "وبما أن المنتخب الوطني الإسرائيلي لن يشارك في أي وقت قريب في البطولة العالمية، فإنه من الواضح أن الإسرائيليين سيبحثون عن منتخب يرتاحون له". كما أفاد ليفي بأن الكثير منهم يفعلون ذلك بفضل العلاقة الثقافية، دون اعتبار للسياسة الدولية، تماما مثلما يشجع اليهود الفرنسيون والإنجليز منتخباتهم في منافسات هذا العام. وأكد ليفي "هناك بعض الصلات القوية، لكن تشجيع هؤلاء الأشخاص لرموز تلك الدول لن يؤثر على انتمائهم لإسرائيل".