لكل شخص ميوله في ليالي رمضان المغربية، فبينما تتجه فئة عريضة من الناس مباشرة إلى المساجد لآداء صلاة التراويح، تقصد مجموعة أخرى الكباريهات والمقاهي الشعبية والفاخرة، حيث "تروح" عن نفسها بحضور سهرات يحييها مطربون يؤدون ألوان غنائية مختلفة. ويرافق هذا البحث عن المتعة والسمر، إقبال مضاعف على استهلاك المخدرات، وهو ما يجعل مروجي الحشيش والأقراص المهلوسة يكثفون أنشطتهم لتلبية الطلب المتزايد في هذا الشهر الفضيل. وأمام هذا "الوضع الاستثنائي"، لجأت السلطات الأمنية في المغرب إلى رفع مستويات تعبئتها، في محاولة للتصدي لمروجي المخدرات، وهو ما أدى إلى وقوع اصطدامات استعمل فيها الرصاص الحي لإيقاف المشتبه فيهم. وفي هذا الإطار، كشف مصدر مسؤول، في تصريح ل "إيلاف"، أن الحملات التمشيطية، في شهر رمضان، أسفرت عن إيقاف عشرات المبحوث عنهم، وحجز كميات كبيرة من المخدرات، بعضها كان موجه نحو التصدر إلى أوروبا. وذكر المصدر أن بعض التدخلات الأمنية عرفت تعرض رجال شرطة إلى اعتداءات عنيفة من قبل متهمين، وهو ما اضطرهم إلى إطلاق الرصاص لإيقافهم. واستشهد المصدر بما وقع، قبل أيام في مدينة تمارة (قرب العاصمة الرباط )، حيث اضطرت دورية تابعة لفرقة الشرطة القضائية إلى استعمال سلاحها الوظيفي لتوقيف أفراد عصابة إجرامية كانوا يحوزون أسلحة بيضاء وكمية من المخدرات. وأوضح مصدر أن دورية الشرطة رصدت المشتبه بهم الثلاثة، وعملت على محاصرتهم، بعد ما تبين لها انهم يحملون سواطير وأسلحة بيضاء، ما أفضى إلى توقيف اثنين منهم، بينما عمد الشخص الثالث إلى مهاجمة أحد عناصر الأمن بواسطة سكين من الحجم الكبير، تسبب له في جروح على مستوى الرأس، الأمر الذي اضطر معه شرطي آخر إلى إطلاق رصاصة من سلاحه أصابت المشتبه به المعتدي في بطنه. وليس هذا الحادث الوحيد الذي دوّى فيه صوت الرصاص، خلال هذا الشهر، إذ تعرضت عناصر من الدرك الملكي إلى هجوم بواسطة عيارات نارية، ما أدى إلى إصابة أحدهم ونقله إلى مستشفى، في حين جرت تعبئة فرقة خاصة لإيقاف المتهم بارتكاب هذا الفعل، قبل أن يلقى القبض عليه، بداية الأسبوع. هذه أسباب التناقض قال مراد الريفي، الباحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية، في تعليق على هذا التناقض في السلوك، إن "رمضان شهر الامتناع عن شهوات الجسد، والفكر، والروح، لكن كلما كثرت تعابير الأنا الأعلى، أي الرقابة، في مجتمع لا يؤطر دينيا ليستقبلها ويتفاعل معها، يقع ما يمكن أن نسميه رد الفعل المضاد". وأكد مراد الريفي، في تصريح ل "إيلاف"، أن "غياب التأطير الديني الصحيح، الذي يجعل التفاعل مع الرقابة الدينية تفاعلا تلقائيا، يخلق في أوصال المجتمع ردة الفعل المضادة"، مشيرا إلى أن "هناك القيم العادية، التي دورها في المجتمع تأطير وتوجيه سلوك الأفراد والجماعات، وهناك القيم المضادة، التي تأتي لترفض بشكل من الأشكال هذه الرقابة عبر تعابير معينة، منها أن شهر رمضان يقع فيه عكس مغزاه، بمعنى أن هذا الغلو في التردد الى الحفلات الصاخبة، وتعاطي الشيشة، والمخدرات، إنما هو يعبر عن نوع من الفراغ الروحي الرهيب، الذي استوطن في قلوب فئات واسعة من الشباب". وذكر الباحث في الأنثروبولوجيا الإجتماعية أن "هذه القيم المضادة المخالفة لروح القيم الدينية تستوطن قلوب الشباب"، مبرزا أن "كل من يعيش الفراغ الروحي يجنح بشكل تلقائي إلى نوع من التمرد على هذه القيم، لأن فيها نوع من التوجيه والرقابة. فما يحصل هو أنه يكون هناك نوع من التمرد على ما يسميه علماء النفس بالأنا الأعلى، الذي يحاول أن يوجه سلوك الأفراد والجماعات". وقال مراد الريفي "هناك فراغ روحي، وأيضا فراغ في ما يتعلق بالاطار الديني والثقافي، الذي يجعل روح هذا الشهر قريبة من نفوس الأفراد والجماعات"، موضحا أنه "في ظل غياب هذا الإحساس بالروحانية، يقع نوع من الجنوح والنزوع نحو سلوكيات أخرى تكون ترويحية". واعتبر هذا الترويح "نفسا تائهة"، مشيرا إلى أن "هناك نوع من الحيرة، التي تخلق هذا البحث عن مسائل ترويحية بسيطة، وما يحدث هو نوع من التناقض".