في هذا الملف، ينفرد موقع "أخبارنا" بنشر قصة أحد المتشيعين المغاربة، الذي يحكي تفاصيل تحوله من المذهب المالكي السني إلى المذهب الشيعي. وأهمية القصة تتجلى في استجلاء مظاهر التشيع بالمغرب، وكيفية ترك المغاربة لمذهبهم الأصلي، خصوصا الشباب الذين دأبوا على تبني المذهب الشيعي في السنين الأخيرة، حسب تقارير رسمية... فما هي تفاصيل حكاية تشيع شاب مغربي؟و كيف يتشيع الشباب المغربي في دولة إمارة المؤمنين؟ بداية التماس مع المتشيعين ومذهبهم بالمغرب كانت البداية، مع نهاية الثمانينيات وتحديدا في سنة 1990 - 1991 م حيث حرب الخليج الثانية وغزو صدام للكويت الشقيقة، ومع دخول القوات الأمريكية للخليج، وتحرك التظاهرات في الشوارع ضد الحرب ودعما للشعب العراقي المستضعف، وضد الوجود الإستكباري في بلدان الخليج، حيث كانت أجواء الصحوة الإسلامية بارزة والحركة الإسلامية تتصدى للمشروع الإستكباري العالمي والمحلي.. في غمرة تلك الأحداث، يحكي الشاب المغربي أنه كان في مرحلة الثانوية العامة، وانفتح على البعض من الحركة الإسلامية ولم يكن يعرف أنهم منظمين، حيث لم يكونوا يعلنون ذلك , وتحرك معهم بعفوية وروحية نضالية في الثانوية فدخلوا في صراع مع مدير الثانوية لأجل المطالبة بحرية النشاط الثقافي التلاميذي، ثم مع المدير التعليمي بوزارة التربية بالمدينة، ثم تطور النضال وخرج التلاميذ إلى الشوارع وتظاهروا أمام القنصلية الأمريكية وقذف البعض القنصلية بالحجارة، التي تبين لنا فيما بعد أنها للتجسس فقط وفي بابها مكتوب (صوت أمريكا) وبينما نحن كذلك، يقول الشاب الذي ينحدر من مدينة مكناس، فإذا بالعلم الأمريكي يتم إنزاله من قبلهم بسرعة، وتخرج سيارات (شبح) مسرعة، وهنا تدخل الأمن وبدأنا نتوجه نحو وسط المدينة وقوات الأمن تلاحقنا.. في خضم هذه الأحداث تحولت مطالب الشباب من ثقافية إلى سياسية يروي الشاب المتشيع أنه، استمرت نضالاتنا ومطالبنا من مطالب ثقافية إلى سياسية تطالب بسحب الجيش المغربي من الخليج وكذا خروج القوات الدولية وخاصة الأمريكية , وقدمنا معتقلين وعذب الكثير منا , وخطف الكثير..كنت في تلك الفترة في غمرة الحماس والنضال , ولم يكن يهمني أن أعرف العنوان التنظيمي الذي يتحرك من خلال الإخوة أصدقاء ورفاق درب النضال .. لكن شعاراتهم كانت تلامس في إسلامي وإنسانيتي , وكان الفكر الشيعي السياسي والثقافي يمثل العنوان البارز لفكرهم وطروحاتهم من قبيل فكر الإمام الخميني والثورة الإسلامية في إيران والشهيد مطهري وبهشتي وكراسات السيدين المدرسي ومجلة الشهيد والبلاد لحزب الله ومجلة العالم اللندنية وكتب آية الله السيد فضل الله (الحركة الإسلامية , هموم وقضايا..) يربط الشاب بين تشيعه و انفتاحه على كتابات محمد شريعي وكتب الشهيد علي شريعتي (النباهة والإستحمار , العودة إلى الذات , الإيديولوجية الثورية كانت تلك بداية علاقتي بالشيعة , وبسبب كثرة قراءتنا للفكر الشيعي وعمرنا لم يكن قد تجاوز الخامسة عشر , فإن باقي الفصائل الإسلامية كانت تطلق علينا في حملتها التشهيرية عدة ألقاب منها (جند الله , الرساليون , الروافض , الشيعة , حزب الله , التيار الإيراني , جند الإسلام...) ولم أكن أعرف في ذلك الوقت بعض معاني هذه الكلمات أو حتى منشأ هذه التسميات , وكنت أفسر الحملة بكونها ذات خلفية نفسية حيث الحقد والحسد , لأننا كنا نستوعب الجماهير بأسلوب حضاري وكانت لغتنا محيرة للنظام ولليسار , هذا الأخير أطلق علينا اسماء أخرى مثل: (الإسلاميون التقدميون) و (اليسار الإسلامي) وكان سبب ذلك الفرق الذي وجدوه بين خطابنا وخطاب باقي الإسلاميين حيث كنا ثوريين ومنفتحين على كل الأطراف وكنا نتكلم بلغة علمية وفلسفية حتى أن اليسار الذي له باع طويل في هذا المجال كنا نعجزه بسجالاتنا النظرية , كما أن الإسلاميين كانوا في دهشة من إتقاننا اللغة الشرعية: الفقهية والأصولية. موقف الشباب الشيعة في حينها من الطرح الشيعي التقليداني طبعا كان لنا موقف من بعض الطروحات الشيعية الكلاسيكية الداعية إلى عدم التحرك والإهتمام بقضايا الأمة والإنخراط النضالي في سلك المستضعفين بدعوى الإنتظار وكانت كتب الشهيد مطهري ومقالات وخطب السيد الإمام الخميني (قده) تكفينا مؤونة الرد عليها , كما اعتبرناها غير أصيلة في خط أهل البيت (ع).. لكنني كنت ألاحظ قدرا من التهميش لتراث أهل البيت (ع) العظيم , حتى أن الواحد منا كان إذا استشهد بالإمام علي (ع) مرتين فأكثر في مجلس واحد ترى أبناء الحركة الإسلامية ينظرون إليه نظرة ريبة وشك وترى البعض يوشوش الآخر في نظرات اتهام بالتشيع , بل بعض الوقحين كان يذهب إلى أبعد من ذلك إذ يثير عليك زوبعة ويدعو إلى محاكمتك داخل الحركة.. ففي إحدى المرات جئت إلى السكن الداخلي ووجدت أحد الإخوة مزق صورة للسيد الخوئي وابنه السيد محمد تقي الخوئي , كما أتلف أحد الأشرطة التي تتضمن كلمات كل من السيد حسن نصر الله والسيد فضل الله في الذكرى الأولى لتأبين الإمام الخميني (قده).. وبرر لي ذلك بامتثاله قرار القيادة.. بداية المشاكل مع اتهام الشاب المغربي بالتشيع من طرف العديد من الجهات تلك كانت بداية الأزمة وبداية البحث خاصة بعد اتهامي بالتشيع في الوقت الذي لم أكن أعرف ما هو التشيع العقائدي والقضايا الخلافية .. لتتعمق الأزمة داخلي وتتفاقم بعد إعلان انسحابي من المسؤولية التنظيمية التي كنت أشغلها وكذا العضوية.. كانت المرحلة حافلة بتحديات مختلفة وكان أبرزها حالة الردة الفكرية عن خط التشيع السياسي والروحي , لكن المعضلة كانت تتمثل في كون التحول نحو خط عقدي وفكري جديد بالنسبة لنا - وهو خط ابن تيمية وابن القيم الجوزية والألباني .. - يحمل معه عنوان تأصيل المشروع الفكري بما ينسجم مع الهوية المذهبية للحركة الإسلامية وهي هوية سنية كما هو معلوم.. فكنا نحن أنصار التأصيل على قاعدة الهوية وعلى قاعدة الفقه السياسي الإسلامي من يكتوي بنار التأصيل , حيث النتائج التأصيلية لم تكن تعبر عن طموحاتنا وتطلعاتنا الرسالية , إذ كنا نحمل في أذهاننا وأفئدتنا مشروعا رساليا ذو قسمات كفاحية , يعبر عن تطلع كبير نحو أفق الشهادة الحسينية , وقد ملأت رؤوسنا أقوال علي (ع) في مختلف المجالات وكنا نستوحي منها أفكارا عظيمة في عملنا الإسلامي.. دخول شباب الشيعة في تحدي من أجل تغيير التراث الإسلامي بالمغرب تمثل التحدي في مراجعة التراث الإسلامي بمجمله وليس جانبا منه كما فعلت بعض قيادات الحركة حيث دخلت في عملية المراجعة تلك على خلفية انتماء مسبق للمذهب السني, لا لسبب سوى أن الغالبية الساحقة من المغاربة سنة , وهم ورثوا تسننهم من آبائهم , كان نقدنا منصبا على هذه المسألة , وقلنا بأن علينا أن ندخل غمار البحث الهوية دون أحكام مسبقة أو خلفية وراثية , مما يستدعي منا الكثير الكثير من التجرد والموضوعية واتخذنا شعار (الحق أحق أن يتبع). في بداية انفتاحي على الفكر الشيعي عقديا - مذهبيا وليس سياسيا - ثقافيا لأني كنت من أنصاره منذ صباي , قرأت كتابا إسمه (في ظلال الوحي) للسيد علي فضل الله الحسني ولم أقتنع بطريقته في طرح القضايا , إذ كان يعتمد على الأحاديث في الغالب دون توثيقها , وكنت أشكك في نسبة هذه الأحاديث وصحتها وأرتكز في ذلك على عدم إيراد الكاتب للمصدر وتوثيق الشاهد.. وبعدها قرأت كتابا إسمه (مظالم أهل البيت (ع)) وقد تأثرت لما فيه من مآسي أهل البيت (ع) غير أنه كان على منوال المؤلف السابق , وكان يذكر بعض الأحاديث الغريبة والتي يتقبلها عقلي آنذاك , ولذلك توقفت عن البحث في كتب الإمامية , وبدأت البحث في كتب الزيدية , وأعجبت بالمذهب الشيعي الزيدي , حتى كنت قريبا من اعتناقه لخلوه من الخرافات ولتوثيق أصحابه مطالبهم ولقربهم من الفريقين: السنة والشيعة , ولتقديسهم أهل البيت (ع) ولكونهم خط ثوري إسلامي تاريخي , وكل شىء كان يشجعني على اعتماد هذا المذهب , إلا أنني عندما قرأت كتابا لأحد مفكري الزيدية المعاصرين وهو (زيد علي الوزير) ويحمل الكتاب إسم (محاولة في تصحيح المسار) فإنه كان يدافع عن الخليفة الأول ويعتبره اجتهد وأخطأ في قضية (فدك) لكنه عاد في آخر فقرة من هذا الفصل وطرح إشكالا قال أنه لم يجد له جوابا إلى الآن وهو: (لو كان الخليفة الأول اجتهد في عدم توريث ابنة رسول الله فدكا , بدعوى عدم انتقال ميراث النبي (ص) , فلماذا أورث ابنته عائشة دار رسول الله (ص) ؟! من هنا كانت نهاية البداية , وبداية النهاية نهاية وعي تم تسطيه وتعليبه وبداية نهاية الأزمة في البحث عن مخرج وعن حقيقة مغيبة ...حيث مثلت هذه الفترة انتقالا لدى الشاب المغربي من السني إلى الشيعي ...وهي القصة التي تحمل في طياتها تفاصيل بداية تشيع جيل بأكمله ،دون أن يدري أغلبه أنه يمارس طقوسا مغربية شيعية ،ضاربة في جذور التاريخ.