إذا كانت الصناعة الألمانية العسكرية تفخر بتصديرها لدبابة ليوبارد، والمملكة المتحدة تشتهر بتسويق لدبابة تشالنجر، فإن جمهورية الصين الشعبية نجحت في تصنيع وتوزيع دراجاتها النارية ثلاثية العجلات، المعروفة لدينا باسم تريبورتور (triporteur)، وهي في حكم سلاح فتاك، شبيه بالدبابات الحربية، التي تتجول في شوارعنا وأزقتنا بدون حسيب ولا رقيب. هذا الوصف، حتى وإن جاء في صيغة للمبالغة، فإنه قد يعبر عن الشعور، الذي يسكن المواطنين، من وثيرة غزو التريبورتور لمختلف مدن بلادنا، وهي ظاهرة قد تكون في حاجة للوقوف عند أبعادها، بالنظر إلى كونها صارت وضعا مقلقا للجميع.
نحن لسنا ضد سائقي التريبورتورات، وليس القصد مهاجمتهم، بل نروم إلى ربط زحف هذه الظاهرة، بانتشار الفوضى في الطرقات، حيث في كثير من الأحيان، يتم ربط عدم احترام القانون، بجولان تلك المركبات في الشوارع والطرقات، حيث لا توجد مساحة محرمة على التربورتور، فيمكنه أن يدوس على الأرصفة، ويجوب الأسواق، والتجمعات المزدحمة، كما يمكن أن يخترق الغابات والساحات العمومية، بحدائقها، وملاعبها...
يبدو أن السلطات العمومية ستزداد محنتها في السنوات القادمة، ليس في مواجهة العربات المجرورة، التي مازالت تسكن في قلب مدننا، بل سينضاف إليها، الأعداد الهائلة من دراجات التريبورتور، التي مازال مجالها، غير مؤطر، ومفتوح على من هب ودب لركوب تلك الدراجات، علما أن سيرها على الطرقات، يشكل خطورة بالغة، أكثر من المركبات الأخرى.
من منا لا يستحضر مشهد التريبورتور، وهو يسير في طرقاتنا، يتمايل يمينا ويسارا وكأنه سينقلب في أية لحظة، بالنظر إلى حمولته الزائدة من البشر والحجر، مصدرا أصواتا مزعجة، تفيق أهالي الأحياء والدروب من نومهم، وتصم الآذان عند لحظة الاقتراب منها.
من منا لا يتضايق من حمولة التريبورتور، التي تشبه دور صفيح متنقل، بهياكل عشوائية، ومن منا لا يسكنه الرعب عندما تقترب مركبته من التريبورتور، فجنباته كالمنشار، الذي يقطع كل من مر بجانبه، فأغلب سائقيه لا يبالون بسلامة الناس، ولا يكترثون لزبائنهم من الركاب، الذين يضطرون في غياب البديل مكرهين للجوء إليه، بسبب غياب وضعف تغطية خدمات النقل العمومي.
هذا المعطى، يحيلنا على عجز الدولة في توفير آليات خاضعة للضوابط القانونية، ولشروط الصحة والسلامة، في نقل الأشخاص والبضائع، وبالتالي المساهمة المباشرة في استفحال ظاهرة انتشار التريبورتور، الذي لولا موافقة السلطات العمومية على عبوره للحدود، لما وجدناه يباع في المحلات التجارية.
ومن المفارقات العجيبة، أنه يتم فرض ضرائب مكلفة على السيارات القادمة من الخارج من طرف الجمارك، في حين لا يتم فرض ذلك على دراجات التريبورتور التي يسمح لها بالدخول بشكل عادي، مما يعطي الانطباع بأنه يراد لقطاع عريض من المغاربة بأن لا يستفيدوا من اقتناء السيارات بأثمنة مناسبة، وتظل رقابهم تحت رحمة شركات السيارات المتواجدة في المغرب، التي تفرض أثمنة لا تتلاءم البتة مع قدرتهم الشرائية، ليلجؤوا مستسلمين على مضض للركوب على ظهر التريبورتور للذهاب إلى عملهم، خصوصا في الأحياء الهامشية.
على هذا الأساس، يتبين أن الدولة تغمض عينيها على هذه الظاهرة، اعتقادا منها بأنها تساهم في خلق مناصب شغل لفئات عديدة تعاني الفقر والبطالة، وبالتالي تحقيق السلم والأمن الاجتماعيين، في حين تناست أن غزو التريبورتور في طرقاتنا زاد في استفحال حرب الطرقات، التي تحصد الألاف من الأرواح سنويا.
حقيقة قد تغيب عنا الدراسات السوسيولوجية العلمية في هذا الباب، لكن بملاحظة بسيطة، يمكن رصد، أن اللغة التي تتحدث بها شريحة كبيرة من سائقي التريبورتور، في المجمل لغة عنيفة، تنهل من مصطلحات الشوارع، مما يكشف عن عملية فرز لشريحة من الفئات المهمشة، التي لم تتمكن من استكمال تعليمها وتكوينها، وهي وصمة عار في جبين المجتمع، وتبرز حقيقة فشل المنظومة التعليمية وسياسات الدولة في بلوغ أهدافها، حيث تركت تلك الشرائح بدون احتضان ولا تأطير ولا مواكبة لتواجه مصيرا مجهولا.
على الرغم من حسن نوايا بعض الجمعيات، فإنها تكرس هذه الصورة، من خلال منح مجموعة من السجناء السابقين تريبورتورات من أجل إعادة إدماجهم في المجتمع، لتظل تلك الصفة لصيقة بشريحة مالكي تلك المركبات.
لا يمكن ترك الأمور على حالها، فمن المفروض على السلطات المختصة فرض رخص الثقة للسياقة، بما أن التريبورتور ينقل الأشخاص كما البضائع، وهو أمر في غاية الاستعجال، لأنه بمرور الوقت تزداد أعدادهم، ويصبح مجال ضبطهم من الصعوبة بما كان، وقد يشكلون لوبيا ضاغطا، قد يصل بهم الأمر في حالة اتحادهم إلى التجمع للاحتجاج وعرقلة الطرقات.