بعد نجاح لافت في بلدان أسيوية، تمكنت الدراجة الثلاثية العجلات بمحرك من ولوج مناطق أخرى من العالم، خصوصا الأكثر فقرا، لتأخذ أسماء باختلاف المناطق «توك توك» في مصر، «ركشا» في السودان، «كيكي مروا» في نيجيريا، او «بجاج» في إثيوبيا وتنزانيا.... في المغرب احتفظت الدراجة الثلاثية العجلات باسمها الفرنسي *Triporteur « لكنها وسعت من مجال استعمالها، فمن نقل السلع إلى نقل الأشخاص، واستعمالات أخرى، خصوصا بعد اعتمادها من طرف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وسيلة لتحسين ظروف عيش شريحة مهمة من المواطنين، ما مكنها من تحقيق توسع ملحوظ في جميع مناطق البلاد، خاصة في مدينة الدارالبيضاء. مجالات الاستعمال في وسط المدينة، كما في الأحياء الهامشية، تمكنت الدراجة الثلاثية العجلات من فرض نفسها في المشهد الحضري عبر نقل السلع والأشخاص في جميع الاتجاهات. سلاحها الأكبر السعر المنخفض وأيضا تلبية حاجيات فئات عريضة من المجتمع. فعند كل الأسواق المشهورة تجد العشرات من دراجات «التريبورتور» متوقفة في انتظار أحد الزبائن. نفس الدراجات تتحول بعد تعديل إلى وسيلة لنقل الأشخاص سواء في وسط المدينة عبر المحاور التي تشهد طلبا كبيرا على وسائل النقل، خصوصا في ضواحي المدينة، حيث تبقى بجوار العربات التي تجرها الدواب، الملاذ الوحيد لفئات عريضة من المواطنين في غياب البديل. دراجات «التريبورتور» تتأقلم أيضا مع مواسم السنة فقد تجدها تحمل أكباش عيد الأضحى، أو تقوم بنقل جماهير مباريات كرة القدم، كما قد تجدها تنقل زوار المقابر في المناسبات الدينية، أو مرتادي الشواطئ في الصيف. بعض هذه الدراجات تقوم بنقل الأسماك بفضل «حاويات «معدة لهذا الغرض، أو «دكاكين» متنقلة تقوم بتسويق منتجات مختلفة كالملابس ومواد بلاستيكية أو وجبات سريعة. عشوائية و فوضى نجاح الدراجات الثلاثية العجلات «التريبورتور» فتح شهية عدة شركات، سواء عبر استيراد العربات مركبة أو القيام بعملية التركيب محليا، دون مراعاة معايير الجودة من قبل البعض، عبر استعمال قطع غيار مستعملة أو جديدة، لكن سيئة الصنع قادمة من الصين. عملية الاستيراد والتسويق رافقها أيضا بعض الإختلالات، فعبر التصريح بحجم اسطوانة لا يتعدى 50cm مكعب بدل الرقم الحقيقي الذي يصل إلى 149cm مكعب، استطاع مستوردون و موزعون لهاته العربات تخفيض تكلفة التعشير . وأيضا إعفاء دراجات «التريبورتور» من رقم ترتيبي ومن الورقة الرمادية، وأيضا إعفاء أصحابها من الحصول على رخصة السياقة. وهو الخلل الذي استمر لسنوات، ما مكن من جلب أعداد كبيرة من الزبناء، الوضع الذي خلق حالة من الفوضى وشكل خطرا على السلامة الطرقية، في غياب لوحات الترقيم التي تحدد المسؤوليات في حالة حوادث تمس المواطنين وممتلكاتهم. القانون والمساطر للحد من هذه التجاوزات صدر القانون رقم 05-52 من مدونة السير، تحديدا البنود 7, 53 و65 المنظمة للدراجات بمحرك. عبر تنزيل إجبارية الحصول على شهادة الترقيم والورقة الرمادية وسند الملكية ورخصة السياقة بالنسبة للعربات التي يتجاوز حجم اسطوانتها 50 cm مكعب. خصصت لهذا الأمر حملة إعلامية في وسائل الاتصال السمعي البصري، تهدف إلى التحسيس بضرورة احترام الإجراءات في اجل أقصاه 30 يونيو ، قبل الخضوع لحملات أمنية تقوم بمراقبة احترام القانون ابتداء من 1 يوليوز. والهدف إحصاء العدد الحقيقي للدراجات بمحرك من ضمنها «التريبورتور»، وتأهيل الشركات التي تعمل على استيرادها، تركيبها وأيضا تسويقها، قصد ضمان التصريح بحجم الاسطوانة الحقيقي أثناء التعشير والتأمين وإعادة التامين وفرض إجبارية الحصول على رخصة السياقة وشهادة الترقيم بالنسبة للأصناف التي تستوجب ذلك. لهذا الغرض حددت عدة معايير من أجل مراقبة الخصائص التقنية، عبر مساطر وضعتها الإدارة رهن إشارة شبكات الفحص التقني قصد المراقبة وإعداد محضر يضاف إلى الملف الذي يسلم إلى مراكز الترقيم، بهدف تسوية الوضعية القانونية للدراجات ثلاثية العجلات. واقع الحال للتعرف على مدى تطبيق هذه القوانين، قمنا بجولة في بعض المناطق التي تشهد نشاطا كبيرا لدراجات «التريبورتور»، وأيضا مراكز الفحص التقني وشركات تأمين وكذا موزعين لهاته العربات. والبداية قادتنا إلى احد مراكز الفحص التقني المتواجدة في تراب عمالة سيدي عثمان مولاي رشيد، بمجرد وصولنا لاحظنا حركة غير عادية يعرفها المركز من قبل أصحاب الدراجات، خصوصا الثنائية العجلات، في حين يبقى تواجد أصحاب الدراجات الثلاثية العجلات ضعيفا. وهنا سألنا المسؤول عن المركز عن إقبال أصحاب الدراجات من اجل تسوية وضعيتهم خصوصا دراجات «التريبورتور» فأجاب: (بعد عزوف كبير من طرف أصحاب الدراجات الثنائية العجلات، نشهد في الآونة الأخيرة إقبالا تزداد وتيرته يوما بعد يوم، وذلك من اجل تسوية وضعيتهم القانونية، أما الدراجات الثلاثية العجلات فأصحابها لا يزالون في مرحلة تردد، لكن الإقبال سيزداد بالتأكيد مع اقتراب آخر اجل، أي بنهاية هذا الشهر). وفي سؤال عن الإجراءات القانونية الخاصة بدراجات « التريبورتور» أجاب: (نقوم مجانا بفحص الحالة الميكانيكية وأيضا حجم الاسطوانة ونقدم محضرا لأصحاب الدراجات، يضاف إلى الملف الذي يسلم لمراكز الفحص التقني من اجل استكمال الإجراءات القانونية). بعدها توجهنا صوب سوق الجملة للفواكه والخضر بسيدي عثمان، بمجرد وصولنا شهدنا حركة دؤوبة أمام الباب الرئيسي تتشكل من شاحنات من مختلف الأحجام، ولكن بحضور لافت لدراجات «التريبورتور» المحملة بمختلف أنواع الخضر والفواكه، وأخرى فارغة تدخل السوق في محاولة لإيجاد زبناء جدد في نشاط بدأت حركته منذ الصباح الباكر. اقتربنا من احد أصحاب «التريبورتور» وطرحنا عليه سؤالا عن ظروف الاشتغال وعن وضعيتهم الاجتماعية. فأجاب: (نعيش ظروفا صعبة، المنافسة محتدمة بين أصحاب «التريبورتور» من جهة وسيارات «الهوندا» من جهة ثانية. فبالكاد نستطيع الاستمرار). وعن تسوية الوضعية القانونية لدراجاتهم أضاف: (لم أتوجه بعد صوب مركز الفحص التقني، لأن «التريبورتور» الذي أملكه في حالة ميكانيكية سيئة وربما لن يحصل على ترخيص) .لاحظنا دراجة تحمل لوحة ترقيم، فسألنا صاحبها عن الإجراءات التي اتبعها فأجاب: (اشتريت دراجتي قبل أربعة أشهر، وبالتالي فهي تحمل بشكل تلقائي لوحة ترقيم كباقي دراجات «التريبورتور» التي تم اقتناؤها في سنة 2016). تركنا سوق الفواكه والخضر بالجملة وتوجهنا صوب سوق السمك بالجملة اللذين لا تفصلهما سوى مسافة قصيرة، وفور وصولنا وجدنا العشرات من دراجات «التريبورتور» متوقفة أمام السوق، حيث أن كل صاحب دراجة يحاول الحصول على أفضل مكان محاولا الظفر بأكثر عدد من الزبائن، وحدها دوريات الشرطة مرفقة بشاحنة الخفر، تجوب بين الحين والآخر بحثا عن المخالفين لقانون التوقف في الأماكن غير المرخصة، تخلق حالة من الهلع وسط المتربصين بالزبائن، مخافة حجز دراجاتهم، لتخفف من الاكتظاظ حول الباب الرئيسي مؤقتا. لكن سرعان ما يعود الوضع لما كان عليه ما إن تغادر دوريات الشرطة. شدة المنافسة وارتفاع درجة الحرارة في أجواء رمضان، تؤدي أحيانا إلى وقوع اصطدامات ومناوشات ببن بعض أصحاب «التريبورتور»،انتهزنا فترة من الهدوء وسألنا احد السائقين عن إجراءات تسوية الوضعية القانونية لدراجته. فأجاب: (لم أتقدم بعد إلى مركز الفحص التقني، فالأمور مازالت غير واضحة، فكل مرة يتكلمون عن تاريخ جديد ومساطر جديدة، لقد سبق لي أن توجهت إلى مراكز الترقيم ولكن لا يوجد أي شيء). في حين أجاب آخر: (لم يتقدم احد إلى مراكز الفحص التقني، فالكل يرفض هذه الإجراءات). سائقون آخرون أكدوا بأن الحالة الميكانيكية لهاته الدراجات سيئة، حتى لو كانت جديدة وبأنها غير صالحة للفحص التقني. كما عبروا عن استغرابهم انتظار كل هذه السنوات، وتزايد أعداد الدراجات الثلاثية العجلات لفرض هذه المساطر والإجراءات، قليلون فقط من عبروا عن ترحيبهم بهاته الإجراءات، حيث ستسمح، بنظر البعض، في تقليص عدد الدراجات المتزايد كما سيسمح الترقيم ورخصة السياقة لهاته الدراجات من استعمال الطريق السيار بشكل قانوني، حسب رأيهم. نفس السؤال طرحناه على كثيرين فلاحظنا الجهل بالإجراءات من طرف البعض، وتجاهل تطبيقها من طرف البعض الآخر، هي السمة الغالبة على أصحاب الدراجات الثلاثية العجلات فحسب رأيهم «التريبورتور» دراجة الفقراء، فهي تساهم في التخفيف من معاناة فئات عريضة من المجتمع، كما أنها مصدر رزقهم الوحيد. وهنا توجهنا بالسؤال إلى سيدتين تحملان أكياسا بلاستيكية ثقيلة بها أسماك، توجهتا إلى دراجة ثلاثية العجلات بدل سيارة أجرة ،عن سر هذا الاختيار. فأجابت إحداهن: (سيارة الأجرة لن تقبل بحمل أكياس بها أسماك، مخافة انبعاث رائحتها داخل السيارة، في حين أصحاب هذه الدراجات لا يمانعون في الأمر). كثيرون إذن ينظرون بعين الرضى للدراجات الثلاثية العجلات، لأنها تخفف من معاناتهم بأقل ثمن، وأساسا القاطنون بالمناطق الضاحوية لمدينة الدارالبيضاء، الذين يشتغلون في مناطق صناعية، حيث أن تكلفة الرحلة تتراوح ما بين 3 و 5 دراهم، في غياب أو اكتظاظ وسائل النقل العمومي. أصحاب سيارات الأجرة لا ينظرون بعين الرضى لهذا النشاط الذي يقلص من أرباحهم، حيث يعتبرونها منافسة غير شرعية. لكن يبقى أصحاب سيارات النقل الصغيرة «الهوندا» الفئة الأكثر تضررا. فانتشار الدراجات الثلاثية العجلات قلص بشكل كبير من نشاطهم. وهو ما أكده لنا صاحب إحدى «الهوندات» الذي ينشط بسوق القريعة: (منذ 6 او 7 سنوات انتشرت دراجات «التريبورتور» بشكل كبير، ثمنها المنخفض واستهلاكها القليل شجع الكثيرين على اقتنائها، ما شجعهم على تقليص ثمن نقل البضائع بالنصف أو أكثر مقارنة مع الأثمنة المطبقة من طرف أصحاب «الهوندا» ، وبالتالي لقد تقلصت أرباحنا بشكل كبير، نشتغل الآن تقريبا فقط مع الزبائن الأوفياء، و والرحلات ذات المسافات المتوسطة والبعيدة، حيث يصعب على دراجات «التريبورتور» تأمين مثل هذه الخدمات). حوادث وتأمين اكتساح هذه الدراجات لسوق نقل السلع والأشخاص، أسهم بشكل كبير في حركية النقل داخل المدينة، لكن اشتداد المنافسة وضعف مسؤولية بعض مالكيها، تسبب في وقوع عدة حوادث سير. وهو ما دفعنا إلى التوجه إلى إحدى وكالات التأمين لمعرفة المسؤولية القانونية في حال وقوع حادث سير. (الدراجات الثلاثية العجلات تؤمن لشخصين فقط. ففي حال وقوع حادث أصيب فيه أكثر من هذا العدد، تكون شركة التأمين غير مسؤولة عن تعويض المتضررين). هذا ما أكدته مسؤولة عن وكالة تأمين. وفي سؤال عن حجم الاسطوانة وثمن التأمين، أجابت: (نحن لا نؤمن إلا الدراجات الثلاثية العجلات التي سوت وضعيتها القانونية وحصلت على رقم ترتيبي وشهادة الملكية. أما كلفة التأمين فتتراوح ما بين 1290 درهما لكل الدراجات التي يبلغ حجم اسطوانتها اقل من 125cm مكعب، في حين يصل الثمن إلى 2200 درهم للدراجات التي يتجاوز حجم اسطوانتها 125cm مكعب). الإجراءات القانونية التي ستفرض رخصة السياقة وسترفع من ثمن التأمين، شكلت حالة من الارتباك بين أصحاب الدراجات الثلاثية العجلات، وأيضا بين من يطمحون إلى اقتناء دراجات جديدة. وهنا توجهنا صوب إحدى الشركات التي تسوق هذه الدراجات بحي سيدي مومن لمعرفة ما مدى تأثير هذه الإجراءات على المبيعات، حيث أكد لنا أحد المسؤولين عن المبيعات انخفاض الإقبال في الشهور الأخيرة: (مع الإجراءات المتبعة لتنظيم القطاع عرفت المبيعات انخفاضا كبيرا، فهناك حالة من الترقب، مع العلم ان كل الدراجات الثلاثية العجلات المسوقة اليوم يبلغ حجم اسطوانتها 149cm مكعب، لكن سرعان ما ستتضح الأمور ويرجع الوضع إلى ما كان عليه). لقد شكلت دراجات «التريبورتور»، في السنوات الأخيرة ،وسيلة فعالة لنقل البضائع والأشخاص، استجابة لحاجيات شرائح عريضة من فئات المجتمع، خصوصا مع الأعطاب التي تعاني منها مدينة بحجم الدارالبيضاء في مجال النقل، حيث أصبحت أعدادها تتجاوز مائة ألف، حسب بعض التقديرات، في غياب أرقام رسمية. اليوم يطرح التساؤل: هل الإجراءات، التي تهدف وزارة التجهيز والنقل إلى تطبيقها، بعد أن غضت الطرف لسنوات، كفيلة بتنظيم القطاع عبر إحصاء العدد الحقيقي للمعنيين وفرض احترام قانون السير، مع الأخذ بعين الاعتبار الوضع الهش الذي تعيشه هذه الفئة، عبر تسهيل المساطر، وتحديد مجالات الاشتغال؟ (*) «صحفي متدرب»