تلعب صورة البروفايل على فيسبوك دورا كبيرا في تعامل الآخرين معك على الشبكة الاجتماعية، إذ لا تظهر فقط تقاسيم وجهك، التي قد تريدها أن تكون مثيرة للإعجاب، إنما أيضا تعطي انطباعات كثيرة عن شخصيتك للآخرين، وحسب دراسة وجد فريق من الباحثين من جامعة بنسلفانيا، بعد تحليلهم لبيانات 66 ألف شخص على مواقع التواصل، أن صور البروفايل تلعب دورا مهما في الطريقة التي يراك بها الآخرون. لكن ماذا عن إحلال صورة شخص اخر، أو صورة زعيم منقد، أو صورة مكتوبة بعبارات مكان الصورة الشخصية لصاحب البروفايل ؟
الباحثون بجامعة بنسلفانيا لم يتحدثوا عن هذه الحالات، تحدثوا فقط عن البروفايل حينما يحتوي على الصورة الشخصية لصاحبه، ربما لأنهم لم يتصوروا أن يقيم الشخص شخصا اخر مقام نفسه في البروفايل، أو أن البروفايل في امريكا ليس وسيلة تعبير عما تختلج به النفوس كما هي في الدول العربية، أو أن الأمور في امريكا كلها على ما يرام وبروفايل الفاسبوك ما هو إلا وسيلة لوضع الصور الجميلة التي لا تخيف الأصدقاء وتزرع الرعب في نفوسهم.
أيا كان الأمر فالبروفايل عندنا كما في جل الدول العربية أصبح يتخذ هو الاخر موقفا من المتغيرات التي تحيط بصاحب البروفايل، فعندما كان الحراك في الريف اشتعلت البروفيلات بصور الزفزافي تضامنا معهم، وعندما فاز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات الأولى اشتعلت البروفيلات بصور بن كيران ووصفه محبيه في هذه الصور بالزعيم، واليوم تشتعل البروفيلات نفسها بصور تضامنا مع المقاطعة الجزئية للبعض المواد الاستهلاكية التي عرفت اثمانها ارتفاعا ملحوظا.
لكن يبقى السؤال المطروح هل التضامن الافتراضي في البروفايل يعكس التضامن الواقعي لأصحاب هذه البروفيلات؟
وهل ما أعلن عنه واقعيا يعني فعلا المتضامنين افتراضيا؟
الاجابة على هذين السؤالين يقتضيان منا التعرض أولا لأنواع المقاطعة، فالمقاطعة إما خارجية أو داخلية، فالأولى تكون عندما تقاطع دولة منتوجات وسلع دولة أخرى إما لغلائها، أو عقابا لها على مواقفها السياسية المعادية؛ كالمقاطعة التي تنهجها دولة فلسطين وبعض الدول العربية ضد دولة الصهاينة المحتلة لأراضيهم .هذا النوع تسخر فيه المقاطعة لأجل بلوغ أهداف سياسية معينة، وهذا النوع يوصف عادة بالمقاطعة الاقتصادية الخارجية لأجل الوصول إلى أهداف سياسية معينة، لأنه يقترن فيه ما هو اقتصادي بما هو سياسي.
وقد تكون المقاطعة داخلية في حدود الدولة فقط دون أن تعني دولة أخرى كما لو دعت إليها فعاليات المجتمع المدني داخل دولة معينة بما فيها جمعيات حماية المستهلك والتنظيمات ضد مؤسسة منتجة محلية؛ أو شركة منتجة محلية لحملها على التراجع عن أثمان السلع الضرورية أو المنتوجات، أو بعض الخدمات التي تفرض نوع من المغالاة على المستهلكين بشكل مباشر، كخدمات الماء الصالح للشرب
مثلا، أو خدمات الكهرباء والاتصالات السلكية أو للاسلكية، وهذا النوع غالبا ما يكون شاملا للمواد الضرورية التي يقبل عليها المستهلكين بشكل يومي دون المواد الأخرى التي تعد من الكماليات، إما دفعة واحدة، أو عن طريق التدريج، وهذا النوع يكون معلوم الجهة الداعية إليه.
كما يمكن أن تكون المقاطعة جزئية فقط لا تشمل المواد الأساسية بقدر ما تشمل فقط مواد ثانوية، وهذا النوع يفتقر إلى الشمولية، ويكون عادة مجهول المصدر، لكن بالرغم من ذلك يلقى هذا النوع أيضا نوعا من التضامن من قبل المستهلكين ، لأنها تصب في اتجاه الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية الذي هو دائما المستهلك ، ويكون التضامن إما عن طريق الامتناع فعلا عن شراء تلك المواد الثانوية التي شملتها المقاطعة الجزئية - إن كان هؤلاء المستهلكين فعلا يشترونها بشكل يومي - أو التضامن عن طريق تغيير صورة البروفايل إلى صورة أكثر تعبير تضم كتابات أو عبارات ضمنية عن المقاطعة تدل على أن هذا الشخص فعلا متضامن لا لأن تلك المواد يشتريها بغلاء فاحش، وإنما لأن هذا الشخص يستحسن نظرية المقاطعة في طابعها العقابي ويتوقع دائما في الموقف نفسه تمددها إلى المواد التي تعنيه بشكل مباشر.
ومميزات هذا النوع هو أنها تكون مفاجئة للجميع ؛ ويدعو إليها طيف معين دون باقي الاطياف لأسباب مجهولة؛ وتكون ضد مؤسسة منتجة لأجل مواد بعينها دون باقي المؤسسات المنتجة ودون باقي المواد الضرورية بالرغم من اتحاد العلة الذي هو الغلاء.
وهذا النوع من المقاطعة المنتقاة سواء كان مفاجئا؛ أو تم الدعوة إليها من طيف دون الأطياف الأخرى؛ أو لأجل منتوج بعينه دون باقي المنتوجات فهو لا يعني كل المستهلكين، لأنه ينتقي بين المستهلكين وينتقي بين السلع بعينها التي تعد من
الكماليات كالماء والحليب؛ دون السلع والخدمات الأخرى التي تعد من الضروريات للمستهلكين كالزيت والدقيق وفواتر الكهرباء والماء التي فيها شروط ادعان قاسية جدا بالمقارنة مع الأولى التي قلنا أنها من الكماليات.
فهذا النوع من المقاطعة إن فشل يمكن أن يكون وسيلة لتمرير أسعار مرتفعة على المواد الاساسية ، ومن يدري ماذا اخر، مع العلم أن أسلوب المقاطعة كيفما كان نوعه كأسلوب عقابي في معزل عن القانون إلى حدود الساعة لأنه الشراء والاقتناء مرتبط بإرادة الأفراد، لكن المستهلك وطرق حمايته من شطط الموردين مؤطرة بالقانون 31.08 لم يغفل عنها القانون، وبمراجعة نصوص هذا القانون نجده يهدف إلى تعزيز الحقوق الأساسية للمستهلك من خلال التنصيص على مجموعة من الأمور ذات الصلة بالمنتوجات والسلع التي يقتنيها المستهلك ومن ضمنها:
* الحق في الإعلام: أي إعلام المستهلك إعلاما ملائما وواضحا بالمنتجات أو السلع أو الخدمات التي يقتنيها أو يستعملها.
* الحق في حماية حقوقه الاقتصادية
* الحق في التراجع
* الحق في الإصغاء إليه
* الحق في التمثيلية أي تمثيل مصالح المستهلك والدفاع عنها من خلال جمعيات حماية المستهلك التي تعمل طبقا لأحكام هذا القانون
فهذه القانون يروم تحقيق الحماية الكاملة للمستهلك من خلال إعلامه بالمنتجات والسلع والخدمات التي يقتنيها وتنصيب جمعيات لحمايته من أضرار الموردين.
لكن ما نعيبه على هذا القانون هو التعطيل في تفعيل المادتين 159 و 204 منه، حيث أن الاولى تنص على أنه سيتم إنشاء، وفقا للتشريعات المعمول بها، صندوق وطني لحماية المستهلك وذلك لتمويل الأنشطة والمشاريع الهادفة إلى حماية
المستهلك، وتطوير الثقافة الاستهلاكية، ودعم جمعيات حماية المستهلك المؤسسة وفقا لأحكام القانون.
وها نحن في سنة 2018 أي بعد مرور سبع سنوات، ولم يتم تفعيل مقتضيات المادة 156، وان دل ذلك على شيء فإنما يدل على أن قطاع الاستهلاك بالمغرب يخضع لقوى اقتصادية تضغط في سبيل كبح انبثاق الحركة الاستهلاكية وجمعيات حماية المستهلك.
كما نصت المادة 204 على أنه سيتم إحداث مجلس استشاري أعلى للاستهلاك مستقل، تناط به على الخصوص مهمة اقتراح وإبداء الرأي حول التدابير المتعلقة بإنعاش ثقافة الاستهلاك، والرفع من مستوى حماية المستهلك.
لكن للأسف الشديد الملاحظ ان المجلس الاستشاري كسابقه الصندوق الوطني، لم يكتب لهما بعد الخروج إلى أرض الواقع، ونظرا لأهميتهما القصوى في ضبط المجال الاستهلاكي والقضاء على لوبيات الفساد والاحتكار فإننا نناشد المشرع باستعجال تفعيل مقتضيات هاتان المؤسستان، خصوصا وأن المواطن يواجه الآن ارتفاع أسعار السلع والمحروقات .