نعيش اليوم زمنا دقيقا تحفنا أو بالأحرى تراقبنا أقمار وأجهزة الكترونية بالغة الدقة ؛ ترصد تحركاتنا وإبحارنا في كل اتجاه ، سواء كنا في العراء بحرا وبرا أو داخل غرف مغلقة أو على الفضاء الأزرق . ولا يستبعد الخبراء أن تكون أدواتنا الصغيرة التي نحتفظ بها في جيوبنا أو تلك التي نستخدمها في الطهي والإنارة مثلا تحمل في موادها التركيبية إشعاعات ضوئية متصلة بمصادر تجسس بعيدة عنا بآلاف الكلمترات . ولعل اختراق المواقع الإلكترونية ؛ برأي مهندسي التواصل الالكتروني ؛ ما هو إلا مقدمة للمرور إلى معلومات خصوصية بالغة الحساسية ؛ كالسطو على أبناك التخزين المعلوماتي وتعطيل مواقعها أو تخريبها بالمرة ، وفي تخريبها إتلاف لبلايين المعلومات وإحداث كارثة بيئية معلوماتية متصلة بشركات الطيران العسكري وأنظمة الحواسيب البنكية .
العالم الرقمي الحديث والاختلاس
في كتاب مثير للقلق :the story of surveillance and America We Know All About You " نعرف عنك كل شيء : حكاية المراقبة وأمريكا " يرى رودري جيفريز جونز Rhodri Jeffreys .Jones " أن أجهزة المراقبة الحالية تتجسس علينا وعلى نطاق واسع حتى بتنا طوع أيديها في معرفة كل صغيرة وكبيرة تحيط بنا بمجرد فتح جهاز من الأجهزة التي نحتفظ بها داخل بيوتنا أو في حياتنا اليومية ... ولا مفر لنا منها إلا بتخلينا عن هذه العيون وهذا مستحيل ..."
فالتجسس ؛ بعد أن كان قديما يعيش ضمن العلاقات الدولية وسخرت له مجموعة أشخاص على مستوى عال من القدرات والمهارات الدبلوماسية والتقنية .. تمدد اليوم ليشمل التجسس بين المجموعات والأشخاص بغرض سرقة أنظمة معينة وإعادة تطويرها لصالح هذه المجموعة أو تلك ، وقد شاهد العالم ؛ في عشر سنوات الأخيرة ؛ انفجار فضائح دبلوماسية مدوية استهدفت أبناك الرسائل والمراسلات السياسية للعديد من الدول وما تضمنتها من معلومات على قدر كبير من الخطورة ، اشتهرت Wikileaks لجوليان أسانج Julian Assange . كما أعقبه ادوارد سنودن Edward Snowden الموظف السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA ومسرب تفاصيل برنامج التجسس "بريسم" PRISM إلى الصحافة .
أمراض وأمصال مضادة
غني عن البيان أن هناك شركات قارية عملاقة مهيمنة على الصناعة الالكترونية والبيولوجية والأنظمة المعلوماتية ، وتربطها بالعديد من الحكومات ؛ في أنحاء العالم ؛ صفقات في إنتاج وحماية أنظمتها المعلوماتية ، وما زلنا نتذكر ؛ في مجال البيولوجيا الجرثومية ؛ أن هذه الشركات كانت وراء ظهور فيروسات : جنون البقر BSE وأنفلوزا الطيورBird Flu ومرض التهاب السحايا Meningitis ومرض إبولا Ibola و فيروس السيدا Sida (نقص المناعة) و فيروس زيكا Zica...وما رافقها من أمصال مضادة وأنظمة الكترونية مقاومة للفيروسات بيعت منها مئات المليارات من الدولارات ، كما جاء دور أجهزة التنصت والتجسس واختراق الأنظمة ، مما دفع بهذه الحكومات إلى الاستنجاد بهذه الشركات أشبه بتاجر الأسلحة الذي همه الوحيد هو خلق مناطق التوتر في العالم وتحويل الجغرافية إلى جحيم بغرض استبدال الأسلحة بأخرى جرثومية أشد فتكا بكل الكائنات الحية من إنسان ونبات وحيوان.
انفجار فضائح وراء ستار التجسس
نلاحظ حاليا ؛ وعلى المستوى السياسي ؛ انفجارات أخلاقية وسياسية بين العديد من رؤساء الدول والشخصيات الوازنة تم ضبطها بواسطة أشرطة فيديو أو مستندات ورسائل مشفرة ومكالمات هاتفية أرغمت الكثيرين منهم على المثول أمام القضاء كالرئيس الفرنسي الأسبق ساركوزي ، وحملة الاحتجاجات التي قادها رؤساء دول أوروبية ضد الاستخبارات الأمريكية وتجسسها أو بالأحرى تنصتها على هواتفهم ، وآخرها إقدام الرئيس الأمريكي ترامب ؛ بين الحين والآخر ؛ على عزل مسؤولين كبار في إدارته وذلك لتجسسه على مكالماتهم الهاتفية ... وقد أصابت آفة التجسس هذه حتى علاقاتنا الاجتماعية في مختلف أنحاء العالم مما رفع معه نسبة الطلاق وتفكيك روابط العلاقات الأسرية إلى حد التدمير !
حماية الخصوصيات الفردية
حتى الآن ما زالت القوانين والتشريعات الدولية تتعقب دراسة هذه الظاهرة بغرض إيجاد منظومة قوانين لحماية الأبناك المعلوماتية وزجر انتهاك الخصوصيات الفردية ... بيد أن الظاهرة جد معقدة ليس لها حالات قارة بل هي تتمدد وتتسع لتختفي وراء رموز وأسماء مستعارة ؛ يصعب الاهتداء إلى الدماغ الفاعل والمؤسس .. وهي بمثابة جراثيم (فيروسات) زئبقية لا تعيش في بيئة معينة ولها قدرات خارقة على توجيه ضرباتها من بعيد ، فقط يمكن لمستعملي الحواسيب والأجهزة الالكترونية اتخاذ جملة من الاحتياطات كحجز طرْق الرسائل المجهولة أو الانقياد وراء الصور ومشاهد الدعاية والإعلانات المغرية .
نصائح سنودن لمستخدمي الحواسيب
عرض ضابط الاستخبارات الأمريكية السابق إدوار سنودن جملة من النصائح التي يراها كفيلة ؛ إلى حد ما ؛ بتجنب التجسس وحماية الخصوصيات الفردية ، نقتبس منها ما يلي : " نزع الشريط ضروري لاستعمال كاميرا الكومبيوتر ؛ وعدم استخدام نفس كلمة المرور للحسابات والمواقع المختلفة لأن قراصنة الانترنيت يسهل عليهم اصطيادها ؛ ولضمان عدم التنصت على المكالمات الشخصية لمستخدمي الهواتف الذكية ينصح باستخدام البرامج المشفرة المخصصة للاتصال ؛ وهي متاحة يمكن تحميلها بسهولة . كما شدد على ضرورة تحميل برامج للحماية من الفيروسات ومنع الدعاية المجانية ، ولاحظ سنودن في الأخير أن هذه البرنامات لا تجدي نفعا أمام الاستخبارات المركزية الأمريكية .
حالة تجسس جد رهيبة !
في أعقاب أحداث 2001/11 التي شهدتها الولاياتالمتحدةالأمريكية ، وما تلاها من شد الحصار على مناطق شرق أوسطية وأجزاء من دول شرق آسيا وتحديدا أفغانستان وباكستان ، وجعلها في بؤرة البحث المكثف عن الرأس المدبرة ... خلف كل هذه التقصيات المحمومة اهتدت الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA بتنسيق مع مكتب التحقيقات الفدرالي FBI إلى برنامج رهيب يخترق جميع الأقمار الاصطناعية والهوائيات اللاسلكية ليستقر داخل كل هاتف محمول أو ثابت في أرجاء العالم بما فيها الصحاري والمناطق الجليدية ... يرسل ذبذبات إشعاعية لاقطة بمجرد أن ينطق صاحبه أو يتلقى صوتا يحمل بعض أو كل هذه الحروف BELLADEN وبجميع اللغات واللهجات ... بغرض رصد موقع صاحبه متكلما كان أو متلقيا ، ولاحظ خبراء البرنامج بعد مضي مدة شهرين من التحريات وتجميع المعطيات أن خارطة نطق هذه الكلمة وحروفها غطت دولا ومناطق عديدة باستثناء جغرافية أفغانستان وباكستان التي لم تسجل فيها سوى مواقع ضعيفة بمقارنتها مع دول أخرى فتأكد لهم أن هناك تحفظا إزاء نطق الاسم كاملا بوجود خوف كبير لدى الأهالي اتجاه بلادن المتواجد بمنطقتهم ، وبدلا عن ذلك استعاضوا بإشارات صوتية مبهمة كانت تتصدر الهواتف الخلوية مما حمل هؤلاء الخبراء على تركيز دائرة أبحاثهم بين قندهار ومناطق جبلية بباكستان .. وهكذا وفي وقت وجيز تمت محاصرة مقره في دائرة قطرية ب 1,5 كلم ، وتصويب أكثر الأسلحة مضاء ودقة إلى حيث يوجد بعد رصد تحركاته الروتينية .. وتم ذلك تحت أعين الرئيس الأمريكي السابق أوباما ووزيرة الخارجية آنذاك هيلاري كلينتون وبعض كبار مساعديه ...