عيد الاستقلال مناسبة غالية للتذكير بقيمة الوطن في ظل الحرية، مناسبة للتذكير بقيمة العمل للمحافظة على هذا الكنز الذي لا يمكن الاستغناء عنه ، ألا وهي الحرية والكرامة والهوية الوطنية بمختلف أصولها. مناسبة لا ككل المناسبات هي نقطة فاصلة بين العبودية و الحرية ،نقطة بداية التحرير والتحرر ، التحرير من قيود الاستعمار البغيض والتحرر من كل الإكراهات التي فرضتها ثقافة المستعمر وبناء هوية مغربية لا تشوبها شائبة ولا تركن ولا تعتمد على مرجعية دخيلة تسلب منها اصولها وفكرها . عيد الاستقلال ذكرى من اعز الذكريات فيها نذكر شهدائنا الذين قدموا ارواحهم لننعم بعبق الحرية ونمتلك وطنا نصول ونجول فيه لا احد يقيد حريتنا ولا يطلب منا الكشف عن هويتنا ونحن سواء كنا في ازقة فاس القديمة او على تخوم الصحراء في كلميم وفي واحة فجيج أو بطنجة العالية .الاستقلال هو اننا اصبحنا اسياد انفسنا لا احد يتحكم في ما نقوله في السياسة والاقتصاد وكل ما هو مشترك بيننا كمغاربة ، الاستقلال لحظة غالية للاختيار السياسي لحظة انطلاقة الوطن على سكة الديموقراطية ، لا أحد يفرض علينا نوعية هذا أو ذاك النظام السياسي او الاقتصادي او الاجتماعي ، نحن من نختار ، ولقد اختار الشعب وكان النظام ملكيا ديموقراطيا اجتماعيا . و "إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل إقامة مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة". (تصديرالدستور ) . وها نحن بعد61 سنة من الاستقلال حققنا فيها ما حققنا ومازلنا تطمح في ان نحقق المزيد لأن شعبنا منبت الطموح ومنبع عشق الكرامة والحرية لدرجة العبودية والتقديس، الم يقل محمد الخامس ان" الشعب المغربي اسد يصعب ترويضه" بلى من الصعوبة ترويض شعب بأكمله لخدمة فئة او شخص او تيار سياسي بعينه او معتقد وحيد لا لشيء سوى لأن مكونات الشعب المغربي الاختلاف والتنوع وذاك هو السند القوي في مرجعية عظمة هذا الشعب الذي جعل من هذا الوطن المغرب بلد التسامح والتعارف بين الشعوب وملتقى الحضارات ومركز الإشعاع عبر العصور ومطمع الطامعين للنيل من قدراته الفكرية والعسكرية والاقتصادية والسياسية . إن للاستقلال قيمة تاريخية مليئة بالفكر والعبر لأجيالنا القادمة تقول الكثير منها أن الوطن لا يفرط فيه كيفما كانت الظروف ولا يقبل ذلك تحت اي غطاء سياسي او اقتصادي وكل من فرط فيه بفعل او قول اوساهم من قريب او من بعيد في اخضاع بلدنا للحجر والإذلال فإنه لن يجد له منا حماية ولا رأفة، لأن ما بعد الوطن من شيء له قيمة ، فالوطن هو السقف الذي يجمع شتاتنا فهو الأم التي تحضن ابناءها فالوطن بدونه اليتم بعينه بل اليتم يمكن تجاوزه مع الزمن إلا أن فقدان الوطن لا يمكن ان نجد له بديلا بين الأوطان إن لم يكن ذلك التراب ذاته وتلك الرائحة التي تسمى ب "ريحة لبلاد " . إن حب الوطن لا يمكن التزايد عليه لأنه لكل المغاربة ، لا احد يمكن أن يدعي انه وطني اكثر من لأخر، والآن بعدما صار لنا وطنا في ظل الحرية منذ61 سنة ماذا فعلنا بهذا الوطن ؟ هل كانت لنا مساهمات لتدعيم ركائزه الديموقراطية ؟هل وضعنا مسالك للرقي بالإنسان والمواطن المغربي لنجعل منه فاعلا حرا لها كل مقومات المواطنة تحميه من كل محدودية الفكر وانانية التصرف التي لا يقوم بها إلا من عميت له البصيرة ، هل قمنا بالفعل الأساسي لبناء الوطن ؟ هذا الفعل الذي يمر بالأساس وبالضرورة من بناء المواطن ، المواطن الذي لا يخضع لسلطة مستبدة ولا لمغريات مادية او مناصب بل يصع نفسه في وسط الشعب وبينه لينال بجهده وعرقه وفكره ما يستحقه من خيرات البلاد وفق معايير الديموقراطية والعدالة دون من من أحد لأن الحق يعلو ولا يعلى عليه. لكن مع الأسف يبدو ان الكثير من هذا الذي ذكر لم يشرع فيه بعد ، والواقع السياسي الذي نجد عليه البلاد يؤكد هذا ، فالبنية السياسية للنظام انحسرت نخبها لتصير قلة قليلة ركبت السلطة لتحصد الأخضر واليابس ، وصارت السلطة تنقاد من قبل تلك النخب السياسية الحزبية منها والبرلمانية والاقتصادية الفلاحية منها والصناعية ، لتصنع لنفسها برجا عاجيا بعيدا عن جموع الناس وعن همومها وطموحاتها وحتى إذا تمت مطالبتها بحقوقها رمت لها ببعض الفتات او إسكاتها ببعض التعديلات القانونية التي تصب دوما في مصالح النخب الحاكمة لقد صارت الفوارق الاجتماعية تزداد وظواهر الفساد بكل اشكاله تشكل العمود الفقري لكل البنيات بل الأدهى من ذلك اصبحت مكونا اساسيا في اغلب العقليات وفي صفوف كل الطبقات الاجتماعية ، كل يتصرف وفق "مستوياته" و"قدراته" للتفنن في الخروج من المأزق لوحده وبأقل الخسائر واكبر الأرباح مهما كانت على حساب من ؟ لم يعد لنا مجتمعا متماسكا كما كان رواد الفكر الاستقلالي( ليس الحزب) يحلمون بمغرب موحد في تشارك وتقاسم خيرات البلاد من معادن وموارد بحرية ومنتجات فلاحية واراضي عقارية لسكن كريم لمواطن كريم وتعليم مجاني يؤطر المغربي لخدمة وطنه والسمو به بين الأوطان . .. لقد سقطنا في فخ استبداد الفردانية والشخصنة وصرنا نلون مستقبل بلادنا بلون ليست على اية حال لون العلم الوطني الذي من اجله سالت الدماء الزكية لمغاربة احرار فضلوا الاستشهاد لنعيش نحن احرارا . تكاثرت الأحزاب السياسية بشكل مخيف ومرعب لأنه تزايد سرطاني لا يعكس البنية الذهنية للمواطنين ولا لنخبه الفكرية والسياسية بقدر ما هي احزاب تبحث عن فتح بوابات للاسترزاق وملأ الساحة السياسية بالفراغات لمزاحمة ما يمكن أن ينبت من احزاب فعلية لها جذور في تراب الوطن وتعبر عن خوالج الشعب. الم يحن بعد الوقت لنستيقظ من الغفلة التي صرنا عليها ونحزم الأمور لنجعل من ذكرى الاستقلال ، استقلالا اخر عن التخلف والجهل والقضاء على الفساد من اي جهة كانت. فالوطن لا يطلب منا اكثر مما لدينا ، فالشباب يشكل نسبة عالية من الشعب المغربي ، وقدراته في الخلق والإبداع لا تقل عن نظرائه في العالم المتقدم لنفسح لهم المجال ولنفتح لهم ابواب التعليم والتكوين بلا عراقيل مالية وتعقيدات في المناهج التي لا تخدم الوطن ، لنكون وطنيين الى بلا حدود . فالوطن وان كان مستقلا منذ 61 سنة فذلك الاستقلال يحتاج الى تحيين وتجديد بسياسة جريئة وذات منظور متطور قادر على جعله استقلالا يحس به المواطن في اي مكان من تراب الوطن وفي اي مستوى اجتماعي كان ،سياسة لن تسمح بعد الأن بسقوط منازل على رؤوس اصحابها وتدافع من أجل حفنة دقيق وزيت ولا حرائق ولا فيضانات ولا تلميذ بدون مقعد بالمدرسة ولا شاب بدون شغل ولا مريض دون استشفاء ، سياسة وطنية يكون الوطن المستقل هو مركزها وبرنامجها الحكومي ومقرحات برلمانها والعدالة هي سمة قضائها. سياسة لا يكون فيها اي مواطن مسجون بسبب آرائه السياسية ولا معتقل تظاهر من اجل حق سلب منه ظلما وعدوانا ، ولا صحفي يقمع في كتاباته الصحفية ،وما ذلك على الوطن والمواطن ببعيد. .