بعد ما اعتبره البعض فشلًا قد طال النظام الاشتراكي وبعد الأزمات المالية المتتالية التي ما انفكت تضرب النظام الرأسمالي، وآخرها ما تسببت فيه أزمة العقارات "ساب برايم" في الولاياتالمتحدةالأمريكية سنة 2007، أصبح خبراء الاقتصاد في العصر الحديث يعملون على إيجاد نظام أكثر تماسكًا يضمن الاستقرار الاقتصادي لمستقبل الدول، ومن أهمهم خبيرة الاقتصاد الإيطالية "لوريتا نابليوني"، التي قالت إن" الاقتصاد الإسلامي يمكن أن يكون حلًا لكثير من المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد العالمي، ببساطة لأن الثروة فيه تعتمد كليًا على المجهود البدني والفكري". يعتبر الاقتصاد الإسلامي نواة متكاملة لا يمكن تطبيق أجزاء منها وترك أخرى حتى يحقق الرخاء المطلوب ويتمكن من تحقيق أهدافه. ويتميز الاقتصاد الإسلامي بعدة خصائص متضاربة، فمن جهة هو لا يحتوي على فوائد وضرائب كما لا يحتوي تضخمًا في العملة والأسعار إضافة إلى أنه اقتصاد يقوم على سوق حرة، لكنه من جهة أخرى يمتلك بعض صفات الاشتراكية.
كيف تكون كل هذه الصفات المتضاربة في نظام اقتصادي واحد؟
يتفق عالم الاقتصاد الفرنسي جون بابتيست ساي مع الاقتصاد الإسلامي في نظرية أن المنتجات تستبدل بمنتجات وأن النقود ماهي إلا وسيلة لتسهيل التبادل ولقد سميت هذه النظرية "بقانون ساي" أو "قانون المنافذ" أو "قانون تصريف المنتجات"، وعليه فإن الكاتب الفرنسي يقول: "كلما بعت سلعة أو تحصلت على ثروة بسبب جهد أنت بذلته خلقت طلبًا على سلع الآخرين لأنك ستشتري بتلك الثورة أو المال الذي تحصلت عليه لقاء الجهد سلعًا يمتلكها آخرون وهؤلاء عند بيع بضاعتهم خلقوا طلبًا على سلع غيرهم وهكذا تتكون الدورة الاقتصادية".
لتطبيق قانون ساي لا بد أن تكون قيمة العملة في تضاؤل مع الوقت. في النظام الجديد، قيمة العملة متحركة، سيضطر الناس إلى جمع المال وتخزينه وإخراجه من الاقتصاد وتكسير الدورة الاقتصادية وبالتالي تصبح العملة ثروة بعد أن كانت وسيلة للتبادل.
الصفات الرأسمالية للاقتصاد الإسلامي
لمعالجة هذه المشكلة، اقترح الاقتصاد الإسلامي أن تبقى العملة جامدة دون ارتفاع ولا انخفاض وأن من يدخر مالًا ويخرجه من الاقتصاد ويرفض تشغيله سيضطر إلى دفع نسبة منه كل سنة وهو ما يعبر عنه ب"الزكاة". كنتيجة لهذه الوضعية ستفقد العملة قيمتها في عيون مستخدمها وتعود إلى دورها الطبيعي وهو تسهيل عملية التبادل كذلك سيضطر كل مالك للمال إلى إخراجه في أقرب وقت إلى السوق وهو ما سيزيد قيمة الأموال في الدورة الاقتصادية.
بعد تجميد قيمة العملة سيضطر مالكو الأموال إلى إخراج أموالهم وتشغيلها في أقرب وقت حتى لا تتضاءل بفعل الزكاة، مما ينتج عنه زيادة الطلب على كل السلع والخدمات، وبالتالي زيادة كبيرة في العرض. وباعتبار أن قيمة العملة غير متحركة، ستزيد الطاقة الإنتاجية للدولة للوصول إلى الطاقة القصوى وهذا ما يعبر عنه ب"الاقتصاد الحر".
على صعيد آخر، من يرفض تشغيل ماله رغم التضاؤل سيبقى منحى المال المملوك في انخفاض حتى لا يبقى مع مدخره إلا قيمة ضئيلة، ما يسمى ب"النصاب" (النصاب هو القيمة الدنيا التي تجب فيها الزكاة)، تكفيه للعيش وهذه صفة من صفات الاشتراكية في الاقتصاد الإسلامي.
الصفات الاشتراكية في الاقتصاد الإسلامي
النصاب في الأموال هو ربع العشر أي ما يقدر من 2.5% من قيمة الثروة كاملة شرط أن تتجاوز الثروة النصاب، فإذا ما اعتبرنا مثلًا أن معدل الضريبة على الدخل يساوي 20%، تقطع الضريبة من الدخل الشهري للعامل دون مراعاة حالته الاجتماعية ودون اعتبار كذلك ما يملكه.
لكن الزكاة تشترط أولًا بلوغ النصاب وثانيًا تقطع من قيمة الأموال كاملة، التي يمتلكها العامل، فكأن الاقتصاد الإسلامي، في هذه الحالة، يعطي فرصة للعامل في بداية حياته حتى يكوّن ثروة (يشتري منزلًا، يشتري سيارة، يبعث مشاريعًا..) ويصنع رخاءه الاقتصادي، ثم بعد ذلك يفرض عليه الزكاة.
فإذا ما قارنا بعد ذلك الضريبة على الدخل والزكاة سنجد أن نسبة 2.5% المقتطعة من الثروة تفوق بكثير نسبة 20% المقتطعة في شكل ضريبة على الدخل وهذا ما يدر على الدولة التي تتبع اقتصادًا إسلاميًا موارد كبيرة وفي نفس الوقت تراعي الوضع الاجتماعي للمواطن، وهنا نلحظ بعض الصفات الاشتراكية.
على صعيد آخر، يعتمد الاقتصاد الإسلامي على الزكاة في تدعيم موارد الدولة وعلى السيولة الهائلة الموجودة للأسباب التي ذكرناها سابقًا مما سيضطرها للدخول في المشاريع العملاقة الربحية مثل المطارات والمناجم، والتي لا تستطيع الشركات الدخول فيها.
كذلك يقوم النظام البنكي في الدولة التي تعتمد اقتصادًا إسلاميًا على نظام المرابحة، وهو نظام يعتمد على الدخول في صيغة شراكة في مشاريع بدل اعتماد نظام الفائدة على الربح في الودائع، وهو يطرح حلولًا لمن يملك مالًا ولا يعرف كيفية تشغيله فالمؤسسة البنكية في الاقتصاد الإسلامي تأخذ أموالًا من حرفائها وتبيعهم أسهمًا في شركات وليس مقابل فوائد. في 2014، أصدرت بريطانيا صكوكًا إسلامية في بادرة كانت الأولى من نوعها ما مكن الحكومة من جمع أكثر من 200 مليون جنيه إسترليني.