إنه ما من إنسان سوي عقليا على هذه الأرض إلا وانه سيشعر بقدر عالي من القرف والغثيان مما وصلت إليه عقلية بعض الهمج المنسوبين للبشر ممن ينفذون هكذا هجمات مثل التي وقعت في مدينة برشلونة وقبلها عديد العشرات الأخرى في بقاع أخرى من العالم. لكن دعونا نتحدث بقليل من الهدوء والتروي، ودعونا نتجاوز هول هذه الصدمة في سعي للبحث عن الأسباب الحقيقية للظاهرة بعيدا عن اللهث الإعلامي وتصفية الحسابات كما يحب البعض أن يقوم بذلك، وبعيدا كذلك عن منطق جلد الذات واحتقار الحضارة والثقافة التي أنجبتنا والتي ننتمي إليها وستظل شئنا ذلك أم أبينا. أولا ليس كل الإرهابيين مسلمين كما انه ليس كل المسلمين إرهابيين، وكما أن هناك ضحايا غربيين لمثل هذه الأعمال الوحشية فهناك أيضا دماء جاليات مسلمة لم تسلم من أن تسال وتهدر على أرصفة الطرقات والميادين العامة. وإذا كان القتلى في الغرب بالعشرات فهناك في الشرق يعدون بالمئات والآلاف ضحايا هؤلاء الهمج. وبما أنه لا يمكن أن ننكر دور النصوص الدينية والتراثية في الأمر، لكن من حقنا أن نتساءل هل الأمر مقتصر فقط على المسلمين دون غيرهم؟، أم أن عمليات القتل الهمجية هاته تقوم بها جماعات وأفراد من منطلقات وعقائد ومرجعيات أديولوجية متنوعة في كل دول وبقع العالم؟. فبدءا من خطابات النرويجي آندرس برايفيك المملوءة كلها بالكراهية هل يمكن أن نعتبرها مجرد هذيان شخص مجنون (كما اعتبرته وسائل الإعلام) وهو الذي قتل أزيد من 92 شخصا في الشارع العام بإطلاق الرصاص من سلاح رشاش؟، أو ليست أفكار هذا الإرهابي مستمدة كلها من الفكر المسيحي وهو المنتمي لإحدى الجماعات التي يطلق عليها فرسان الهيكل؟. وكذلك جماعة "جيش الرب" التي تشجع علناً على قتل المقدمين على الإجهاض وتضم قائمة طويلة من الإرهابيين النشطين. ومن أبرز أعمالهم قتل الأطباء الذين يقومون بعمليات الإجهاض ويعامل بعض القتلة الذين أقدموا على جرائم قتل كأبطال مسيحيين . ثم لماذا تركز وسائل الإعلام السائدة على وحشية الحركات الإسلامية مثل بوكو حرام، ولكن جماعة إرهابية واحدة لم يتم إيلائها الاهتمام وهي جيش "مقاومة الرب" التي أسسها الاوغندي جوزيف كوني Joseph Kony والمنتشرة في الكونغو وكينيا وغيرها من الدول والتي قتلت آلاف من الأبرياء من الأديان الأخرى بما فيهم الأطفال والنساء دون أن يبالي أحد بذلك. إنه من الإجحاف الكبير إلصاق التهمة بديانة أو حتى فكر وإديولوجية بعينها، فصحيح أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال تبرير أية عملية قتل كيفما كانت، لكن أيضا لا يمكن القبول بالتمييز والتشويه المغرض للحقائق لأن الكل يعرف أن عديد الضحايا المسلمين من هذه الجماعات الهمجية أكبر بكثير من نظرائهم الغربيين. من المؤلم جدا أن الغرب كما هو الشرق أضحى يربط تلقائياً بين كلمة الإرهاب والمسلمين، ويرفض التعرض لإرهاب الجماعات و الدول الغربية والذي هو أفدح وأشد فتكا بالنظر إلى وسائل التبرير وقلب للحقائق من قبل المؤسسات الوسائل الضخمة المعدة لذلك، فكان من بين نتائجه عمليات الانتقام هاته التي نشاهدها يوما بعد يوم. فمفردات من قبيل: إرهاب، وداعم للإرهاب، وممول للإرهاب، ومتعاون مع الإرهاب، ومن يأويه ويتستر عليه ويروج لأفكاره، باتت تستخدم من قبل كثير من هذه الدول بحق وبباطل بوجه الخصوم سواء أكانوا جماعات أو أفراداً أو شعوباً أو منظمات أو أنظمة حكم أو أفراداً وحركات مقاومة من المختلَف معهم سياسياً وفكرياً واقتصادياً وأيديولوجياً، أو بوجه دول تقاوم اعتداءات وغزواً عسكرياً لدول معتدية أخرى، بل وفي كثير من الحالات بوجه جهات مالية وتجارية واقتصادية بغية الإبتزاز والتركيع. لو كانت الدول الغربية الأكثر تضررا ما كانت لتكون أشد الرافضين لتعريف مصطلح "الإرهاب" وتعريف القانون الجنائي له بالإضافة إلى تعريفات مشتركة للإرهاب تشير إلى تلك الأفعال العنيفة التي تهدف إلى خلق أجواء من الخوف، ويكون موجهاً ضد جماعة دينية أو سياسية معينة، وفيه استهداف متعمد أو تجاهل لسلامة المدنيين. هذه الدول التي ترفض باستماتة مثل هكذا تعريف، برغم الإلحاح المتنامي الذي تطلقه عدد من المنظمات الحقوقية العالمية، تحرص على أن يظل مفهوم الإرهاب مفهوماً فضفاضاً وهلامياً، حتى تستخدمه ككروت حمراء في وجه كل من تختلف معهم، وحتى لا ينطبق عليها التعريف وتكون هي في دائرة الإرهاب. فكوريا الشمالية دولة إرهابية لامتلاكها سلاحاً نووياً، وإسرائيل حمامة سلامة وإن ضجت مصانعها بالقنابل النووية والذرية. برشلونةالمدينة الاسبانية الهادئة والجميلة ما هي إلا ضحية حرب مقرفة وقذرة لا ناقة لها فيها ولا جمل، هي مثل مثيلاتها من مدن وأفراد أبرياء من بقاع عديدة من هذا العالم كلهم ضحايا آلات القتل الجماعي الهمجي ممن يتسرون وراء نصوص عقائدية واديولوجيات فتاكة ومدمرة لا تستني من بطشها أحد، ومهما بحثنا لنفهم أو نتفهم ذرائع ذلك فلن نتج للأمر تبرير، لذلك علينا نحن أن نكف عن الشرح ألا علاقة للمسلمين كلهم بالأمر.