أهم ما يرتكز عليه المناوئون للتنظيم في التعريض به هي الممارسات الشنيعة التي تنسب له، والتي تشمئز منها الأنفس وتقشعر الجلود وتألب عليه الدوائر.. غير أنه، وعلى سبيل المقارنة مع "أياقين" الحضارة، المتزعمين لأحلاف "محاربة الشناعة"، يجدر التذكير أن سلطات الاحتلال ل"الامبراطورية" الفرنسية قامت بهذه الممارسات ذاتها وأفظع منها(قطع الرؤوس، التقييد في السلاسل...) في مستعمراتها، وأخذ معها جنودها وسياسيوها صورا تذكارية لا تزال تتداول إلى يومنا هذا،، ولم تعتذر فرنسا عن ذلك لحد الآن، ولم يدنها أحد، ولم ينقص ذلك من قيمتها ك""أمة" رائدة في الحضارة و"التحرير""، أو كدولة عظمى عضو دائم في مجلس الأمن، تحظى بحق الفيتو!!!.. فإذا كان الشنيع يبقى شنيعا ويبقى الفظيع فظيعا، وحتى تأخذَ القيم قيمتها، وجبت محاسبة المجرمين بالتساوي، وعلى التوالي الكرونولوجي، لكسب المصداقية، وتحقيق العدالة الناجزة والزاجرة.. فممارسات "داعش" لاحِق على ما يورد من تبجح الاستعمار الفرنسي في المغرب العربي بقطع رؤوس المقاومين وأخذ جنوده لصور تذكارية معها، ومن تقييد أمريكا لعشرات آلاف الزنوج الأفارقة في سلاسل وترحيلهم إلى القارة الجديدة.. وعليه يكون الغرب الأصل في الجرائم، والرائد فيها، والمشبه به والمقيس عليه..
كما أن ملف هذا ال"داعش" يكتنفه قدر كبير جدا من الغموض على مستوى حقيقته ومن وراءه وكيف وُجد...؟؟.. مما يعقّد تثبيت المسؤولية الأخلاقية وتحقيق مقتضيات المسؤولية القانونية،، أما الغرب الذي قام بتلك الجرائم إبان الاستعمار المباشر -ولا زال- فدوله معروفة التاريخ محددة الجغرافيا معلومة الدين يسيرة إنجاز العدالة عليها ببعديها المادي والمعنوي!!..
في ذات السياق، ومن جهة أخرى، انطلق "رجال داعش" من نفس القُطر أو من نفس القومية أو من نفس الدين، وهي كلها مقومات فيها مساحة مشتركة قد تكبر أو تصغر، لكن المشترك لا ينتفي كليا، وهذا قد يضفي على الصراع طابعا "أهليا" يمكن أن لا يسمح ل"الغريب" بالتدخل فيه، كما يقع في العديد من الصراعات الداخلية في العالم،، الشيء الذي ينتفي وجوديا في حالة العلوج النصارى الوافدين -قديما وحديثا- كلهم من الخارج إلى بلدان لا تجمعهم بها حضارة ولا تاريخ ولا جغرافيا ولا دين قد يسوغ تواجدهم فيها بوازع الدفاع عن الأهل أو الوطن أو الملة أو المذهب أو العرق.. وقد اعتمدوا المبرر مدخلا ذات حروب صليبية..
أما إذا كان الأمر يتعلق بتحقيق قيم الإنصاف والعدل والاعتدال المفقودة، والحرص على الأمن والسلم الدوليين، ومع أن حرمة النفس البشرية الواحدة مقدسة لا يجوز هدرها إلا بالحق("القانون")،، إلا الأكيد أن "داعش" لم "تقتل"، ولم "تشرد"، ولم "تعتقل"،، معشار معشار ما فعلت أمريكا وإسرئيل وإيران والنظام العراقي والنظام السوري والنظام الجزائري والنظام المصري... ومع هذا لم يُتخذ أي إجراء ضد أي منها، ولم ينعقد أي تحالف لمجابهتها ولجمها!!!.. فأين الصدق وأين التوازن وأين توحيد المعايير والمكاييل في السهر على "إنقاذ أرواح الأبرياء"؟؟!!!..
إن القيام بمقارنة في نفس الظروف والحيثيات تماما تفضح سوءة القائمين على العدل والأمن والسلم الدولي.. ففي توقيت متزامن وغير بعيد جغرافيا، ومن نفس المنطلقات الحضارية، وبنفس المنهج،، اكتسح "الحوثيون" بلدا بقوة العسكر، وفرضوا الإقامة الجبرية على رئيس دولة وأعضاء حكومتها، فووجهوا بمبعوث أممي من أجل التفاوض والبحث عن مخرج سياسي للأزمة،، وحارب هذا ال "داعش" المجهول نظاما قمعيا استبداديا شموليا سلطويا متسلطا(وهذا باتفاق جميع أعضاء الحلف الذي يحاربها)، تماما كما تحاربه عدة فصائل أخرى(إسلامية وعلمانية، وآخر)، فيُعقد من أجل مواجهتها "حلف كوني" من الكفار و"المسلمين"، في المقابل يُترك اليمنيون يواجهون مصيرهم، عدا عن تخبط عسكري عربي، وديبلوماسي أممي!!!..
مساورة الشكوك حول هذا الكائن الغريب لها مدخل آخر مغاير تماما لكل ما سبق.. ذلك أننا عندما نرى حركة إسلامية كجماعة الإخوان المسلمين مثلا، مقاوِمة، "معتدلة"، جماهيرية، قديمة المنشأ، واسعة الانتشار، متجذرة الوجود، متغلغلة الانتماء، يناصرها -أو على الأقل يتعاطف أو يتعامل معها- طيف من قوى وتيارات الداخل(تختلف حسب كل دولة)، وبعض الدول... كل هذا والحركة لا زالت تراوح مكانها لتَكالب مزاج العالم(بقيادة العم سام) عليها في الداخل والخارج.. ونجد في نفس الوقت ثلة منحسرة، "راديكالية"، "متطرفة"،
"مسلوقة"، لا امتداد لها في مجتمع ولا تبنيَ لها من طرف دولة، الكل يصرح بنبذها ومقتها ومعارضتها ومحاربتها،، ومع هذا، بين عشية وضحاها تحتل دولا وتستدعي تدخل قوى العالم من أجل وقف زحفها،، عند ذلك لا يمكنك إلا أن تتساءل: أين الخلل؟؟ وكيف يمكن تشريح المشهد من أجل فهمه؟؟!!!..
تساؤل آخر محير مريب ملغز حول هذا الكائن، ويتعلق باستحالة هضم أو استيعاب عدم محاربته الكيان الغاصب، رغم "قوته الضاربة" التي استدعت هذا الاستنفار الأممي، ورغم عقيدته المبنية على ضرورة زوال "دولة" اليهود،، رغم تصريح أحد مسؤولي التنظيم أنه لن يتجه لجهاد الصهاينة في فلسطين لأن قتال "المنافقين" مقدم على قتال الكفار، لأن بأسهم أقرب ووقعهم أخطر. واستشهد على ذلك بعدة أحداث منها حروب الردة..
على مستوى الصمود والبقاء، الأكيد أنه لا دولة ولا منظمة ولا تيار يدعم التنظيم، كما يبدو الأمر ظاهريا على الأقل، غير أنه صمد على عدة جبهات، ولمدد معتبرة. في حين أن دولا قائمة الجيش المنظم المدرب المدجج، سقطت في مواجهة "أحلاف" صغيرة قليلة العدد ضعيفة العدة في مدد قياسية!!.. فما هو سر هذا الصمود، رغم التحالف الكوني؟!!..
هل التحالف يأخذ باليمين، ويعطي بالشمال وراء الستُر؟ أم أن "عناية غيبية" حاضرة؟ أم أن التنظيم "يجذب المنتسبين الجدد بعدل يقيمُه، فيحمون الظهر ويشكلون القوة الحاضنة الضاربة في الصمود والمقاومة"؟؟!!!..
إن الغرب الذي حشد الحشود وجيّش الجيوش وأنفق الأموال(وإن كانت غالبيتها عربية مدبلجة) ووضع الخطط، مع براجماتيته وحرصه وجبنه الثابت،، لا يمكن أن يفعل ذلك، في وقت هو أحوج فيه إلى أي جهد وأي فلس، إلا إذا كان له دور معين، ووظيفة محددة، ودافع أقوى وأجدى في العملية برمتها!!..