اختارت المغربية “سليمة القضاوي”، تسخير وقتها ومالها، في مبادرة فريدة، بإهداء الحيوانات الضالة “محمية” طبيعية رفقا بها. بدأت قصة السيدة الثلاثينية، من أب مغربي وأم بريطانية، مع رعاية الحيوانات الضالة المتخلى عنها، قبل خمس سنوات، بتأسيس “محمية” لإيواء ورعاية أنواع مختلفة من الحيونات الأليفة المتخلى عنها في الشارع أو في الخلاء.
فعملت على اقتناء قطعة أرض بقرية “الزينات” بضواحي مدينة تطوان، أقصى شمال المغرب، وقامت بتهيئتها وتجهيزها كمجال صالح لإيواء هذه المخلوقات الأليفة.
“باب هذا الفضاء مفتوح في وجه كل الحيوانات التي تحتاج إلى العناية والشفقة بدون استثناء”، تقول “سليمة القضاوي”، متحدثة عن مبادرتها الإنسانية غير الهادفة للربح.
وترى القضاوي، أن “هناك حاجة ماسة لتشبع الناس بثقافة الرفق بالحيوان باعتبارها مخلوقات لها أحاسيس ومشاعر”.
وترفض “القضاوي” اعتبار اهتمامها بالحيوانات الأليفة مجرد ترف وأمرا ثانويا، وتقول إنه عمل خيري له أولوية بالنظر إلى تزايد أعداد الحيوانات المتخلى عنها أو التي تتعرض للإهمال دون سبب معقول ودون رأفة أو رحمة.
تتسابق مجموعة من الكلاب للتعلق بجسد “سليمة” ومداعبتها، في تجسيد لعلاقة قوية تجمعها بهذه الحيوانات، التي تعج بها هذه “المحمية”، إذ يصل عدد الكلاب بها إلى نحو 180 كلبا، معظمها في حالة صحية جيدة، بالإضافة إلى أعداد أخرى تعاني من إصابات أو كسور في طور العلاج، وهناك حالات أخرى تعاني من عاهات مستديمة نتيجة تعرضها لحوادث مختلفة.
وتوضح “سليمة القضاوي”، أن هذا العدد من الكلاب تم تجميعه في هذا المكان، بعد التقاطها من أماكن مختلفة، وأغلبها كان في حالات سيئة، سواء نتيجة تعرضها لحوادث نجمت عنها كسور أو جروح وحتى عاهات مستديمة، أم نتيجة إصابتها بأمراض مثل السعار الذي يشكل خطرا على الحيوان والإنسان معا.
“لكن تجنيب الإنسان والحيوان خطر العدوى، لا يمر بالضرورة عبر التخلص من هذه الكلاب، أعتقد بأن علاجها ورعايتها هو الحل الأمثل”، تضيف “القضاوي” في شرح قناعتها في مجال رعاية الحيوانات.
ومن أوجه الرعاية، التي تتلقاها الحيوانات المعاقة، التي تعرضت للتعنيف أو لحوادث مختلفة، يوجد كلب معاق أطلقت عليه صاحبة المحمية اسم “هرقل” له أطراف خلفية مشلولة، ولتمكينه من الحركة جهزت له عربة تناسب حجمه الصغير لتسهيل تنقله والتحرك كباقي الحيوانات.
وفي أحد جنبات “المحمية”، ينتصب كوخ مكون من حجرتين، وداخله تقفز عشرات القطط من ركن لآخر، بينما يتمدد البعض الآخر فوق وسائد متراصة بانتظام.
في هذا المكان يوجد 83 من القطط، تحظى بكل أنواع الرعاية التي تحتاج إليها، من جانب “سليمة القضاوي” ومعاونيها الثلاثة.
وكما هو الشأن بالنسبة للكلاب، تحرص “القضاوي” على توفير الرعاية الطبية بشكل متواصل، للقطط، مثل التلقيح بشكل مستمر، بالإضافة إلى إجراء عمليات إخصاء للذكور واستئصال الرحم للإناث، لتفادي زيادة العدد وتضاعف الأعباء.
وبالإضافة إلى القطط والكلاب، تحتضن المحمية، أنواعا من الحيوانات والطيور البرية المتنوعة، فنجد عددا من الحمير، بالإضافة إلى خنزيرين بريين، استقدمتهما “سليمة” لإضفاء تنوع بيولوجي في المكان.
ولا تخفي “سليمة” أن مواصلة منح هذه الحيوانات الرعاية والتغذية واللقاحات وتلبية احتياجاتها، يتطلب منها نفقات باهظة، مشيرة إلى أنها أنفقت حتى اليوم نحو 30 مليون درهم (300 ألف دولار) من مالها الخاص، كما أن الطبيب البيطري الخاص بالمحمية تدين له بالكثير مقابل ما يقدمه من مجهودات مضنية يومية دون كلل أو ملل.
ويزداد الأمر صعوبة في ضوء عدم تلقيها أي دعم أو تبرعات مالية أو عينية كافية، موضحة أن كل الجهات، التي تعنى بالحيوان، مطالبة بتقديم الدعم اللازم للحيلولة دون وقوع السيف المسلط على رقاب الحيوانات البريئة.
وتؤكد “سليمة القضاوي”، أنه بالرغم من الصعوبات والتحديات، فإن اليد العطوفة على هذه الحيوانات لا تمل من العطاء، وكلها أمل في تطوير مرافق هذه المحمية وتجهيزها بالضروريات، حتى يتسنى احتضان كل الحيوانات المتضررة، التي يتزايد عددها.
وتختم “سليمة”، بالتعبير عن أملها في أن يأتي يوم، لا ترى فيه حيوانات ضالة ومتخلى عنها ومعاقة تتجول في الشوارع أو تائهة في الخلاء، “ففي كل كبد رطبة أجر”.