الساعة السابعة صباحا, ينطلق المدرس كعادته نحو عمله على مثن سيارة زميله في العمل رفقة عدد من زملائهما, وقد تشارك الجميع في توفير ثمن الرحلة...انطلق التلميذ بعد أن تناول نصف إفطاره راجلا ليقطع الخمسة كيلومترات نحو المدرسة دون أن ينسى كسرة الخبز في يده يقطف منها لمجات بين الفينة و الأخرى...في الطريق ينشغل المدرسون وسط السيارة بين تتبع المذياع أو التركيز على القيادة , بينما يختار آخرون استراق غفوات تعينهم على إتمام رحلتهم المتعبة...كلما تقدم التلميذ في الطريق يجد أحد زملائه في انتظاره ليستكملا معا المشوار نحو المدرسة بين لعب و جد و هزل...غفا سائق السيارة بعد أن صمت الجميع و كاد المدرسون يغيرون مسار الرحلة نحو القبر لولا ستر الله...اعترض التلميذان متشرد معتوه كاد يختلي بهما لولا ان تدخل احد الفلاحين يحرث أرضه قريبا من الطريق...أوقف موكب المدرسين دركي ليسائلهم عن غياب حزام الأمان في المقاعد الخلفية, لم يجدوا جوابا الا طلب السماح عله يتعاطف مع مدرس له فضل عليه في الصغر الا إن الدركي لم يرضه الا ورقة خضراء مغربية ليسمح للموكب بالاستمرار في الرحلة...وجد موكب التلاميذ بركة مياه راكدة تتعالى منها صرخات الجراثيم باحثة عن جسد تلوذ إليه, فراغوا اليها باحثين عن المتعة و اللعب الذي أنساهم المدرسة فلم يخرجهم الا زخات المطر التي بدأت تنهمر على أجسادهم الهزيلة...تعالى صراخ السائق المدرس مطالبا زملاءه بالمساهمة في الرشوة التي قدمها للدركي وهم يرفضون ذلك بمبررات مختلفة...تراكض التلاميذ نحو المدرسة هربا من البلل فتوقفوا تحت شجرة علها تحميهم من الزخة المطرية القوية...وصل موكب المدرسين الى المحطة الأخيرة بالمدشر حيث مقر عمل السائق, فتفرق الزملاء بين من دلف الى المدرسة و بين من انتظر ذل عربة قروي يجود عليه بها لإيصاله الى المدرسة التي لا تصل اليها طريق تقطعها وسيلة نقل أخرى, بينما امتطى صديقنا المدرس دراجته النارية, و صراخه يتعالى على فقدانه مصباحا للدراجة داخل المحل الذي يضعها فيه عادة...خفت الأمطار قليلا فواصل التلاميذ طريقهم نصف مبللين وقد أثقلتهم محفظة مليئة بالكتب المختلفة و التي لا شك أصابها البلل كما أصابهم...في الطريق على دراجته وقد أصابه البلل لاحظ زميلنا المدرس انه متأخر على غير عادته فأسرع قليلا نحو النهر الذي يجتازه ككل يوم فإذا به يجده قد زاد صبيب مياهه بسبب الإمطار, فسارع مجتازا له وهنا بدل ان يمتطي الدراجة فقد امتطته...شارف التلاميذ على الوصول وقد بدت لهم أقسامهم من بعيد بلا أسوار و لا أبواب كما هي بلا مراحيض و لا مياه و لا كهرباء و ال... وقد لاحظوا ان الأستاذ لم يأت بعد اذ لم يشاهدوا دراجته, وخافوا ان يجدوا كلابا تلج الأقسام كلما غاب الأستاذ او تأخر...اجتاز صاحبنا المدرس النهر وأسرع نحو المدرسة, في الطريق اقل تلميذا معاقا كما اعتاد على ذلك خوفا عليه من الطريق و اخطارها...اختبأ التلاميذ على مقربة من المدرسة حتى يأتي المدرس ليخلصهم من الكلاب التي تترصد لهم و قد تذكروا العقاب الذي سيتعرضون له جراء إهمال واجباتهم, فانشغل بعضهم بانجازها بينما ظل من لا يتحمل أعباء العمل مع الأسرة من رعي و تنظيف حظيرة و جلب مياه ..يراقب و يرصد المكان...وصل المدرس اخيرا فوجد الكلاب الضالة في استقباله , طردها بحجارة فدفها فوق سطح القسم الذي احدث قصديرها ضجة هابتها الكلاب, دخل الجميع الى القسم فانشغل التلاميذ بترتيب الطاولات هربا من المياه المنهمرة من السقف و انشغل المدرس بإبعاد ما تبقى من الدفاتر من قطرات مياه السقف وبعد حين انطلقت الحصة الدراسية على نغمات تساقط الأمطار على قصدير السقف , يقف المدرس بين الستة مستويات يعلم هذا حرفا و الآخر إعرابا و الثالث خريطة.. حتى مر الوقت كالبرق دون انجاز كافة الحصص, هم المدرس ان يغادر مقر عمله قبل نصف ساعة من وقت الخروج كما جرت عادته بذلك سعيا منه للوصول الى سيارة الزملاء في الوقت المناسب اذ لا وسيلة نقل له سواها, وفي باب القسم و بعد ان خرج التلاميذ وقف المدرس رأسا لرأس مع المفتش الذي عاتبه على الخروج مبكرا و على تقصيره في وثائقه و اتهمه بالتقصير في العمل و عدم أداء الواجب...غادر المفتش المدرسة فسارع المدرس الى دراجته لعله يجد زملاءه في الانتظار, لكنه يفاجأ بعجلة دراجته قد خرت هاوية...ترافق المدرس و تلميذه المعاق ...وصل المدرس الى المدشر فلم يجد وسيلة تقله الى منزله فانتظر ساعات و أخرى الى ان جاءت حافلة متهالكة فانطلق اليها...في الطريق استسلم الى نومه ولم يوقظه الا ممرض وسط المستشفى ليخبره انه يعاني من عجز دائم على مستوى الأطراف السفلى جراء الحادثة ...مضت سنين و لم يعوض صاحبنا على حادثة الشغل هاته باعتبار ان الحادثة وقعت بعد نصف ساعة من وقت الخروج من العمل...اختار التلاميذ بعد سنوات النزوح نحو المدينة بحثا عن عمل فدراستهم التي توقفت بسبب الخصاص في الأساتذة لم تنفعهم اليوم بشيء...